الأقباط متحدون - أهمية تهديف الحياة (2)
  • ٠٦:١٤
  • الأحد , ١٠ مارس ٢٠١٩
English version

أهمية تهديف الحياة (2)

مقالات مختارة | بقلم : الأنبا موسى

٥٥: ١٠ م +02:00 EET

الأحد ١٠ مارس ٢٠١٩

الأنبا موسى
الأنبا موسى

 تحدثنا فى العدد الماضى عن: 1- لماذا نهدف حياتنا؟ 2- أهمية وضوح الهدف. 3- أنواع الأهداف. نستكمل موضوعنا:

 
4- التحرك والتعامل مع الهدف
 
هناك- فى علم النفس- ثلاثة أساليب يستخدمها البشر للتحرك نحو الأهداف المرحلية، سعيًا إلى الهدف النهائى، نود أن نطرحها، ثم نحدد موقف الأديان منها:
 
أ- الأسلوب المباشر:
 
بمعنى أن الهدف يكون واضحًا أمامى، وأنا أتحرك نحوه مباشرة.. وقد أجد عائقًا أمامى فأتصرف بإحدى الطرق التالية:
 
1- إزالة العائق: إن أمكننا ذلك.
 
2- الدوران حوله: ما دام ذلك ممكنًا أيضًا.
 
3- استبدال الهدف المرحلى بهدف آخر أنسب بالنسبة لى.
 
وحتى فى الأمور الدينية قد يضع الإنسان هدفًا مرحليًا هو الرهبنة، ثم يجد أن الزواج أنسب له شخصيًا... فيعدل هدفه بإرشاد رجل الدين والأسرة.
 
أما فى الأمور المادية.. فقد يفكر شاب فى دراسة من نوع معين، فتمنعه عوائق، فيغير هدفه إلى دراسة أخرى أنسب... وكثيراً ما دخل طلاب إلى كلية ما، ولم توافق ميولهم، وكادوا يفشلون، فغيروها إلى الكلية المناسبة لهم ونجحوا وتفوقوا.
 
وهذا بالطبع أسلوب توافقت عليه الأديان، طالما كان الإنسان يحاول الوصول إلى الهدف بمعونة الله، فإذا وجد عوائق تمنعه تمامًا، علم أن هدفًا بديلاً سيكون أنسب بالنسبة إليه، فيتجه إليه فى سلام وتسليم ورضا.
 
ب- الأساليب غير المباشرة:
 
وهذه يلجأ إليها الإنسان حينما يجد العقبات أمامه، بعضها مقبول دينيًا، وبعضها الآخر غير مقبول.. ويسمى علم النفس هذه المسالك: «الحيل الدفاعية Defence Mechanisms»، وفيها يدافع الإنسان عن وجوده، وتحقيقه لذاته، ولكن المهم أن يتخذ المسلك السليم والمقبول دينيًا.
 
ولكن الكثير من هذه الحيل غير مقبولة من وجهة النظر الدينية حيث يكون للدين وجهة نظر نحوها.. وهذه بعضها:
 
1- الكبت: حينما يدفن الإنسان الدوافع غير المقبولة اجتماعيًا، والذكريات المؤلمة أو المخجلة، فى اللاشعور.. ويظن أنها انتهت، ولكنها تظهر بالقطع فى أحلامه أو تخيلاته، وحينما يزداد الكبت، تأتى ربما لحظة انفجار وانفلات وضياع، والمنهج الدينى هنا يعلمنا ألا نكبت هذه الأمور السلبية فى اللاشعور، بل نخرجها إلى الشعور، ونصلى، ونفكر، ونطلب الإرشاد.. وهكذا نحصل على غفران ومعونة وتوجيه لمواجهة هذه الدوافع غير المقبولة، أو الذكريات المؤلمة، واثقين فى قدرة الرب أن ينصرنا، ويسند ضعفنا، ويقدس دوافعنا، ويستثمر ذكرياتنا المؤلمة، لبنيان حاضرنا ومستقبلنا.
 
2- الإعلاء (Sublimation): ومعناه «التسامى» بالطاقة الجنسية، مثلاً، فى اتجاه بنّاء كالتدين، والقراءة، والرياضة، والهوايات، والخدمة.. إلخ. الإعلاء هو الارتقاء والسمو بالدوافع غير المقبولة، وتوجيهها إلى نشاط مقبول ومفيد.. وهذا بالطبع مقبول وممكن دينيًا.
 
3- التعويض: بمعنى إذا فشل الإنسان فى مجال معين، يتحول إلى مجال آخر ينجح فيه، وهذا أمر مقبول طبعًا طالما أن هذه المجالات بناءة ومقبولة: كالعمل والرياضة والفنون.. إلخ.
 
4- التبرير: ومعناه أن يبرر الإنسان فشله، بأعذار واهية للهروب من المسؤولية، فيشوه الهدف الجيد الذى فشل فى تحقيقه، أو يرفع من قيمة هدف سيئ اتجه إليه، أو يلتمس أعذارًا غير حقيقية لفشله، والصحيح هنا أن يعترف الإنسان بأنه فشل، فلا عيب فى ذلك، ويدرس السبب الحقيقى، ويتعامل معه سعيًا إلى النجاح بنعمة الله.
 
5- الإحلال أو الإزاحة: كأن يضغط رئيس العمل على موظف، فيحول ضيقه إلى مشاجرة مع زوجته.. وهذا غير مقبول دينيًا وإنسانيًا. والأصح أن يتعامل مع المشكلة بطريقة سليمة، متفاهمًا مع رئيسه، ومصححًا أخطاءه، أو مطالبًا بحقوقه بطريقة حكيمة إذا ما شعر بالظلم.
 
6- الإسقاط: ومعناه أن يتحدث الإنسان عن أخطاء الآخرين، ليبعد الأنظار عن أخطائه هو.. وهذا ما نسميه فى الدين: الإدانة.. وكان الأفضل أن يفتش الإنسان عن أخطائه ليعالجها، وأن يبحث عن فضائل الآخرين ليتعلم منها.
 
7- التقمص: إذ يتقمص الإنسان شخصية إنسان آخر، يراه ناجحًا ومتميزًا، لكى ينال شيئًا من هذا النجاح، فيستعير من صفاته وسلوكياته وحركاته، ربما فى الشكل وليس فى الجوهر، وهذا غير سليم طبعًا، فلكل إنسان جوهره الخاص، ووزناته وملامحه. والأفضل أن يتعامل الإنسان مع الله فى إيمان، ليحقق الرب قصده من خلقه، ويجعل منه أيقونة خاصة... لها ملامحها التى رسمتها يد القدير.
 
8- التكوين الضدى: وفيه يبالغ الإنسان فى مظاهر المحبة مع شخص ما، لكى يخفى عدم محبته له.. وهذا غير مقبول دينيًا.. إذ يمكنه- بعمل الله فى حياته- أن يحب الآخر محبة حقيقية، حتى من يعارضونه أو يعادونه.. ولا يكون هكذا مرائيًا.. وممكن طبعًا أن يستخدم أسلوب العتاب والمصارحة للوصول إلى السلام والمصالحة.
 
9- العناد: وهو حيلة الطرف الضعيف أمام الطرف المتسلط والمسيطر، إثباتًا لذاته. ويمكن أن ينبع العناد من كبرياء الإنسان واعتداده بنفسه وفكره.. وكلاهما موقف خطأ! فالرب قادر على أن يهب الطرف الضعيف قوة ومعونة من أجل العتاب والتفاهم.. وأن يكسر كبرياء العنيد إذا ما تصلف وملأه الغرور، لكى يدفعه إلى التوبة.
 
10- أحلام اليقظة: وفيها يحاول أن يحلق الإنسان فى عالم الخيال، ليحقق ما فشل فى تحقيقه فى عالم الواقع.. هكذا يتجه إلى تحقيق بطولات خيالية، أو عدوان وهمى على أعدائه، أو اجترار الإحساس بالاضطهاد.. وكلها خطأ! فالحياة على أرض الواقع أفضل.. والتعامل مع المشكلات بأسلوب مباشر ممكن وأنسب.. ويصل بنا إلى الأهداف الواقعية المنشودة.
 
11- الانسحاب: كأن يبتعد الإنسان عن المواقف التى تؤدى إلى نقده أو عقابه، فينعزل فى حجرته لساعات طويلة.. فيصاب بالكثير من الأمراض كالاكتئاب أو العدوانية.. والأفضل أن يهدئ نفسه قليلاً بالصلوات والراحة والهدوء، ثم يخرج لمواجهة الموقف والتعامل معه بكفاءة، بنعمة الله. الرب يعطينا سلامة أنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، له كل المجد.
 
* أسقف الشباب العام
 
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع