زى الكتاب ما بيقول يا كامل
مقالات مختارة | سحر الجعارة
الخميس ١٤ مارس ٢٠١٩
سحر الجعارة
كلما ارتفع سقف توقعاتك وطموحاتك أصبحت تراهن على «الشخص/المعجزة»، تنتظر منه أن يحرك الجبال فى يوم وليلة بعدما عجز الآخرون عن زحزحتها من مكانها، أن يغير ملامح الخريطة ويستبدل البلادة بعقول يقظة، وأن يقتحم المستحيل وحده، أنت تحتاج إلى «بطل خارق».. ربما لم تجده إلا فى أفلام «الخيال العلمى».. ثم فجأة تكتشف أنك تناديه كثيراً وأنك تحفظ اسمه وملامحه ولهجته ومخارج الألفاظ وهو يقول: «تمام يا فندم»!لم يكن غريباً -فى زمن ضن علينا بالنجوم- أن نعرفه بالاسم الذى يتردد كثيراً على لسان السيد رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى»، بود واحترام وثقة: «يا كامل»!..
ولم يكن الاسم بعيداً عن أذهاننا، بعد كارثة حريق محطة رمسيس، فكتبت أنا وصديقى «أبو الدر جمال» وآخرون على صفحاتنا بالفيس بوك نناشد رئيس الجمهورية أن يسند تطوير منظومة السكة الحديد إلى «دار الهيئة الهندسية».. هذه الثكنة العسكرية التى تضم خيرة المهندسين من أبطال قواتنا المسلحة، والتى أنجزت أهم المشروعات العملاقة التى كان أولها حفر «قناة السويس الجديدة»، فانطلقت إشارة البدء فى الحفر بجملة حاسمة من الرئيس: «هى سنة واحدة يا كامل»، فى 5 أغسطس 2014، بينما كانت تقديرات رجال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التى يترأسها اللواء «كامل» آنذاك، هى 3 سنوات كمدة زمنية لإتمام تنفيذ هذا المشروع.. وختم الفريق «كامل الوزير» مصدقاً على أوامر السيد الرئيس لتفتتح القناة بعد عام بالفعل!
عادة لا يتابع المواطن أسماء قيادات المؤسسة العسكرية، ولا يعرف ملامحهم، ولا تسمح مهامهم الشاقة بخلق حالة من الشعبية فى أوساط القاعدة العريضة من الشعب.. وحده حطم هذه القاعدة، فكل من اشترى سهماً فى حفر القناة الجديدة كان يجلس مبهوراً بحجم الإنجاز الذى تحقق.. وكل من يبحث عن فرصة عمل أو استثمار كان يراقب عن كثب المشروعات القومية العملاقة مثل: (تطوير العشوائيات، المزارع السمكية، هضبة الجلالة، أنفاق قناة السويس، مشروعات جبل الجلالة، المدارس اليابانية، بناء معهد القلب، مشروع زراعة مليون فدان، محور روض الفرج الذى يضم أوسع كوبرى معلق فى العالم، حفر 365 بئراً بمناطق مختلفة).. ومن النخبة المثقفة إلى ربة المنزل التى انتقلت من «عشة صفيح» إلى منزل حضارى جميعهم يعرفونه جيداً، ويراقبون «الانضباط العسكرى» فى تنفيذه لقرارات القيادة السياسية.. والرهان المعقود على الفريق «كامل الوزير» ورجال الهيئة الهندسية.
من النادر أن تجد فى مصر من يعمل فى صمت، ولا ينتظر كلمة تشجيع أو تقدير، لكنه «مقاتل» فى معركة البناء، كتبت من قبل متمنية أن يكون بمقدورنا استنساخه.. ليكون لدينا ملايين المدنيين بروح «الوزير».
وبالمصادفة كنت أمر أمام «الهيئة الهندسية» (التى تقع بجوار مسكنى)، يوم أن أقسم الفريق «كامل» قسم الوزارة ليصبح وزيراً للنقل، أحسست أن الشارع حزين، وأن شيئاً ما تغير.. إنه نفس المبنى بكل ما يضمه من كفاءات ومشروعات، نفس الشارع المزين بالأشجار الذى تشدد فيه الحراسة عند منتصف الليل، ليشعر المار من أمام الهيئة بوقار وهيبة.. ويحس بالفخر والإجلال وكأنما يتحسس «القلب النابض» الذى يضخ دماء التنمية والبناء فى شرايين مصر.. لكننا لم نعد نعرف «رئيس الهيئة».. فقدنا ربما الإحساس بالود والألفة التى كانت تربطنا بالاسم والملامح.. اللذين كنا نستدعيهما كلما أعيتنا الحيلة لننطق باسم رجل المهام الصعبة!لقد شبهت الفريق «الوزير» -من قبل- بـ«إمحوتب» الذى عاش خلال السنة 26 ق.م تقريباً كوزير فى حكم الفرعون القوى «زوسر».. وقام إمحوتب ببناء هرم «سقارة» المدرج الشهير، وكان هذا الرجل الحكيم فيزيائياً عظيماً، حتى أصبح نصف إله.والحقيقة أننى الآن أضع يدى على قلبى خشية على الفريق «الوزير» فى منصبه الجديد، فما أتعس المحارب حين ينتقل من «خانة الانضباط» إلى «مركز الاستهتار»، وأتساءل كيف للوزير أن يعمل فى إطار «اللانظام»؟!
هل بإمكانه أن يغير البشر الذين أدمنوا الاستهانة بالأرواح؟منظومة السكة الحديد المتهالكة لا تفتقد للإمكانيات المادية ولا للخطة فحسب، إنها تحتاج لنسف من الجذور لنمط العمل ككل (من العنصر البشرى إلى القطارات مروراً بمزلقانات الموت والطرق المفخخة بالأخطاء الفنية والبشرية).. إنه الاختبار الأصعب فى سجل «الوزير» الناصع.
وفى تصريحات صحفية قال الفريق «الوزير»: «أنا مش جاى الوزارة عشان أقطع رقبة حد ولا أشيل حد من مكانه إلا لو كان يستاهل، اللى هينفذ التعليمات ويشتغل لصالح البلد هيكون على راسى من فوق، واللى مش هيشتغل هيتحاسب، مش هسمح بأى تقصير».. ثم دارت العجلة.إنه تكليف رئاسى جديد:
* «عاوزين نوصل سكة حديد لأفريقيا والسودان وإثيوبيا، وفى 30/6/2020 يجب أن ننطلق، وكل حاجة زى الكتاب ما بيقول يا كامل».- «تمام يا فندم».
نقلا عن الوطن