الأقباط متحدون | المواطنة والشأن القبطي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٣:٥١ | الأحد ٢ اكتوبر ٢٠١١ | ٢١ توت ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٣٤ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

المواطنة والشأن القبطي

الأحد ٢ اكتوبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: أحمد صبح
كان من تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001 أن أعلنت "أمريكا" الحرب على الإرهاب، والتي تم فيها توظيف مفردات دينية، واحتلال "العراق"، ومحاولات إعادة هندسة المنطقة بشكل قسري، واندلاع الصراعات الطائفية والقومية والمذهبية والدينية في المنطقة، الأمر الذي شكل علاقات من الشك والريبة بين الأديان، وكذلك بين المذاهب داخل الدين الواحد، الأمر الذي ألقى بظلاله على العلاقات الإسلامية المسيحية.

ومع احتدام الأزمة بين الغرب والإسلام، تكوَّنت صور ذهنية مغايرة في العقل الإسلامي لما هو متعارف عليه عن المسيحية الشرقية، بدايةً من أنها امتداد للغرب المسيحي، وهذا غير صحيح، فلا الغرب متطابق مع المسيحية، والمسيحية الشرقية ذاتها تعاني من موجات التبشير غير المسبوقة، وفي نفس الوقت، وبسبب التباطؤ في حل المشكلات التي تمس المسيحيين من جهة، وكذلك الإعلان المستمر من قبل البعض من أنصار الإسلام السياسي أن المسلمين خارج حدود الوطن أقرب إليهم من مواطنيهم من المسيحييين، بات رهان البعض من المسيحيين إما على الهجرة- والتي هي أمل المسلمين في نفس الوقت- أو الاستقواء الواهم بالغرب كبديل عن النضال على أرض الواقع مع الآخرين!

وفي ضوء ما تقدَّم، فإنني أرى أن أي تناول للشأن القبطي لابد أن يكون من خلال منظور المواطنة، والتي تعني:
1- التعبير عن حركة المواطن على أرض الوطن، والتي تتجاوز مفاهيم الطائفة والملة والذمة، حيث أن الوطن يستوعب كل ما سبق، كما تتجاوز المواطنة مفهوم الأقلية بتداعياته، وأن النزوع الأقلوي والجنوح الطائفي يكونان بسبب اختلالات في البنية المجتمعية العامة.
2- إن الأقباط مواطنون في المقام الأول، وأعضاء في الجماعة الوطنية المصرية، لا يشكلون جماعة مستقلة أو كتلة منغلقة، وذلك بسبب أنهم غير متماثلين من حيث الانتماء الاجتماعي المصري والسياسي، فهم منتشرون رأسيًا في الجسد الاجتماعي المصري، ومنهم العامل والفلاح والمهني والحرفي ورجل الأعمال والتاجر، لا يربط بينهم سوى الانتماء إلى "مصر" من جانب، والانتماء الديني من جانب آخر، وبين هذين الانتماءين تفترق المصالح والتحيزات والرؤى.
3- التزام السياق التاريخي لحركة المواطنين المصريين المسلمين والأقباط؛ إذ بغير ذلك تكون الرؤية مبتورة، وسوف يتم التعامل معهم- الأقباط- وكأنهم يتحركون في فضاء اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي منفصل، وأتصوَّر الحال كذلك بالنسبة للمواطنين (المسلمين)، فعلى سبيل المثال، إذا تصوَّرنا أننا نتحدَّث عن عزوف قبطي عن المشاركة السياسية، فإننا لا يمكننا الحديث عنها وكأنها ظاهرة تخص الأقباط وحدهم من دون قراءة الظاهرة في إطار سياقها التاريخي العام، من حيث كونها إشكالية مصرية عامة!

وإنني أحبِّذ دائمًا عند الحديث عن المواطنة، أن أذكر مواقف المبدعين، أمثال "سعد زغلول" وغيره من الوطنيين، سواء كانوا مسلمين أو أقباط، وهذا موقف يسجله التاريخ للزعيم الوفدي الوطني الأزهري "سعد زغلول"، فعندما ألف أول وزارة أمسك الملك "فؤاد" بقائمة المرشحين قائلًا له: "هناك غلط في العدد"، لأن عدد الوزراء عشرة، وكانت التقاليد أن يكون تسعة، منهم ثمانية مسلمون وقبطي واحد، وهؤلاء ثمانية مسلمون واثنان من الأقباط اقترحهم "سعد زغلول"، وهما "مرقص حنا" و"واصف غالي"، فقال "سعد" للملك "فؤاد": "هذه وزارة ثورة لا وزارة تقاليد".

ما أحوجنا اليوم أن نعود إلى ثقافة المبدعين، أمثال "سعد زغلول"، و"محمد عبده"، و"كيرلس الخامس"، و"حبيب جرجس"، و"سرجيوس"، و"محمود شلتوت"، و"محمد أبي زهرة"، وغيرهم مما تحويه الجدارية الوطنية، والتي- رغم التنوع والاختلاف- جعلتنا مازلنا نحيا معًا مواطنين ذوي كرامة، يمتلكنا ويسكن بين جوانحنا فكر وحضارة وعقيدة وانتماء، في وطن واحد لا ينفرط عقده أبدًا.. ألم نقرأ التاريخ عندما يذكر لنا أن الإنجليز لما نفوا زعماء الثورة المصرية بعد عام 1919، نفوا إلى جزيرة "سيشل" أربعة من المواطنين المصريين، اثنين من المسلمين واثنين من الأقباط؟!

وعندما حكموا بالإعدام حكموا على أربعة من الأقباط وثلاثة من المسلمين؟!

لهذا، يجب علينا ألا نراعي النسبة في التعامل بين المصريين مسلمين وأقباط، ونتجاوز معيار الديانة والطائفة والمذهب إلى الكفاءة والمواطنة، هذا ما قاله "سعد زغلول" للملك "فؤاد".. "هذه حكومة ثورة لا حكومة تقاليد".

هذه هي "مصر" في عدم تخلخلها التركيبي، وكذلك فى نسيجها المتماسك على مر الدهور وكر الأعوام.. هذه هي "مصر" التي حوت في تجاور مبدع واتساق خلاق، جدارية رائعة توافق فيها المسلم مع القبطي، والديني مع العلماني، والأصيل مع الوافد، والقادم من الشرق مع النازح إلى الغرب، في سماحة ترفض الإقصاء، وتنبذ الفرقة، وتحترم التنوع، وتدين التعصب، حيث تمتزج أنفاسنا جميعًا بمياه النيل، وتستلهم صمت الصحراء وزرقة المتوسط وسمرة أرض الوادي.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :