د. مينا ملاك عازر
اكتب لكم هذه المرة بمناسبة حلول عيد الجهاد، وهو العيد الذي ينساه الكثيرون منا، ولا نتذكره، وذلك يرجع لأن هناك الكثيرين من محبي السلطة والراغبين في الزعامة حاولوا تشويه تاريخنا، حاولوا أن يمحوا تاريخ مضى، ويبدأون من حيث يريدون، ولا أدل على ذلك إلا ما فعله قائد ثورة يوليو حين أدخل في روع الجمهور الهاتف له بأن ثورته هي الأولى في تاريخ مصر، وكأن عرابي لم يثر! وكأن الشعب المصري في عام 1919 لم يثر لنفي سعد زغلول، وكأنهم لم يبايعوا أحد في الدنيا إلا عبد الناصر، وتناسى ثورة التوكيلات التي وضعت الإنجليز في مأزق حين تكتل الكل وتقدموا بتوكيلات لقادة الوفد المصري ليتفاوضوا نيابة عن الشعب، واسمحوا لي أن أذهب إلى أن هذه مبايعة غير مشكوك فيها، ولم يزور نتائجها داخل الصناديق كما كان يجري، ولكن هي مبايعة صادقة من شعب واعي عرف مصلحته وأحسن اختيار ممثليه.
والأمر الذي يعد أكثر إثارة، أن يطلق عبد الناصر على ما فعله ثورة متناسياً أن الاسم الأول لها هو حركة، والحركة غير الثورة، والفرق شاسع، فالثورة يشترك فيها الشعب بكل طبقاته، أما ثورة الزعيم المحب للزعامة فقام بها وأطاح بمن معه لينفرد بالحكم، واعتقل خلال فترته كل من عارضه من المفكرين، والفرق واضح بين الثورات التي تقوم على أكتاف المفكرين والتي تدوس على أعناقهم، هذه تصل لدستور 1923، وهذه تعطل العمل بالدستور وتأتي بدستور متفصل على مقاسهم ليصلوا لأهدافهم الشخصية، ولكن التاريخ لا يسمح بأن يشوه لأهداف شخصية، واستمرت الحياة وذهبوا هم من سدة الحكم ليبزغ نجم الأمل في أن تُعرف الحقيقة التي لم تكن غائبة بل التي كانت مغيبة بفعل فاعل، ومن هنا كانت ثورة الجهاد أو ثورة 1919، التي نحتفل بمئويتها الآن، هي ثورة الشعب وأما ثورة يوليو ثورة على الشعب، ولا أعرف لماذا ولأي غرض شوه من قاموا بثورة يوليو أصحاب الأراضي الزراعية وأصحاب المصانع والشركات كلهم؟ ولا أعرف سبباً إلا أنهم أحبوا الزعامة وخشوا من أن يقارنوا بمن ضحوا بأنفسهم وتم نفيهم لخارج البلاد، فستكون مقارنة ظالمة للمنفيين لأن ببساطة لا وجه للمقارنة.
ولكي لا أهدر حق زعماء ثورة عام 1919، ومؤسسي حزب الوفد القوي الشعبي الحقيقي، لن أطيل في الكلام عن من نكلوا من ساروا في جنازة النحاس باشا وكأنهم أعداء الوطن، ولن أتحدث عن من وأدوا الحياة الحزبية، لكني سأقول حتى وإن كانت بدايات سعد زغلول غير أخلاقية -كما يقول في مذكراته- وحتى لو كان طامح في سلطة لكنه قدم لمصر بنزاهة دستور محترم باختيارات للجنة محترمة لا تبحث عن سلطة ولا تراضي سلطان، وأكد على الوطنية والمواطنة بمفهومها الحقيقي ليس بقوانين جائرة في بناء الكنائس ولا بادعاء بناءها وفتحها لكن بمساواة حقيقية بين المسيحيين والمسلمين في تولي الوزارات دون النظر لهويتهم الدينية وبدستور لا يكرس لسلطاوية الدين على مدنية الدولة.
المختصر المفيد تحياتي لحزب الوفد، وكل سنة ومصر كلها بخير.