الأقباط متحدون - البابا شنودة الثالث والوحدة الوطنية
  • ٠٤:٢١
  • الاثنين , ٢٥ مارس ٢٠١٩
English version

البابا شنودة الثالث والوحدة الوطنية

ماجد كامل

مساحة رأي

٣١: ٠٣ م +02:00 EET

الاثنين ٢٥ مارس ٢٠١٩

البابا شنودة الثالث
البابا شنودة الثالث

بقلم/ ماجد كامل
شغلت قضية الوحدة الوطنية قلب وفكر قداسة البابا المتنيح البابا شنودة الثالث وذلك منذ فجر شبابه ؛ وتضاعف أنشغاله بهذه القضية بعد إعتلائه الكرسي المرقسي في 14 نوفمبر 1971 فأصبحت هذه القضية هي شغله الشاغل التي كرس لها قلبه و عقله ؛ وفي هذا المقال سوف نرصد بعض المواقف الشجاعة التي وقفها قداسته من أجل الوحدة الوطنية في مصر ؛ وذلك بحسب القدر المتاح من المقال :-

+ عندما حدثت حوادث الشغب في 18 و19 يناير 1977 ؛أجتمع الرئيس الراحل أنور السادات بالقيادات الدينية المسيحية والإسلامية بقصر عابدين يوم 9 /2/1977 وفيها ألقي قداسته خطابا تاريخيا جاء فيه " أود أن أقترح كناحية من تأكيد الوحدة الوطنية أن تكون هناك لجنة دائمة مشتركة بين رؤساء القادة الديننين في الإسلام والمسيحية ؛وأن تجتمع باستمرار ويناقش ما بينها من أمور لأن المثل يقول "البعد جفوة " وأنا واثق أننا كلما التقينا زدنا تماسكا وترابطا وكلما فهمنا بعضنا البعض بأسلوب أوسع كلما كان لهذا الأمر تأثيره علي أولادنا من المسيحين والمسلمين . ومن المقترحات العملية التي أقترحها قداسته في نفس الخطاب " يمكننا أن ندخل في وسائل عملية كثيرة نربط بها بين المسلم والمسيحي ونحيا حياة مشتركة . وثقوا ان الحب أقوي من القانون ؛ونحن ننادي برسالة الحب باستمرار ونريد أن نعلم أولادنا في المدارس الحب . نعلمهم حب الأبوين ونعلمهم حب المدرسين . ونعلمهم حب القادة ونعلمهم حب بعضهم لبعض الحب النقي الطاهر الذي يرتفع فيه الإنسان عن مستوي القانون . نريد أن نعلم أولادنا حب بلادهم .يحبون كل شارع من شوارعها .وكل مرفق من مرافقها .وكل مؤسسة من مؤسساتها .ونريد أن نعلم الناس إحترام الغير حتي الذي يخالفك في الرأي .ما أسهل أن يختلف معك إنسان في الرأي ويكلمك باسلوب هاديء فتحترم رأيه المخالف . وأيضا من المقترحات العملية التي أقترحها قداسته لدعم الوحدة الوطنية الإشتراك مع علماء المسلمين في وضع كتب دينية مشتركة في النقاط المشتركة التي تجمعنا مثل مقاومة الإلحاد ؛صفات الله الحسني ؛التوحيد ؛الفضيلة والأخلاقيات المشتركة ؛ الوحدة الوطنية والقضايا العامة . فعندما يري عامة الشعب قادة الدين المسلمين والمسيحين يشتركون معا في تاليف كتاب واحد تتقوي روابط المحبة فيما بينهم ويزول الأحساس بالغربة .

+ في يوم 11 أكتوبر 1977 قام الرئيس الراحل ـأنور السادات بوضع حجر الاساس لمستشفي مارمرقس ؛فالقي قداسته خطابا تاريخيا قال فيه "مصر هي أغنيتنا الحلوة ومصر هي وطننا المبارك الذي قال الكتاب في وقت من الأوقات عن بعض البلاد كجنة الله كأرض مصر .ونحن نفرح بأن تكون مصر الجميلة هذه علي رأسها زعيم عظيم وقائد محبوب هو أنور السادات .إننا نصلي من أجل مصر بأستمرار في صلواتنا الخاصة وأيضا في صلوانتا الكنسية لأن الكنيسة تعلمنا باستمرار أن نذكر رئيس الدولة في كل قداس ونذكر أيضا صحبه والعاملين معه .محبة الرئيس بالنسبة لنا عقيدة وأيضا علاقة شخصية .

+ أيضا من المواقف الجميلة التي ظهر فيها حرص قداسة البابا علي الوحدة الوطنية ؛ أن دعت كلية الآداب قداسته لحضور ندوة موضوعها ( المحبة والتسامح في الأديان ) وكان ذلك في يوم 25/3/1997 قال فيها " الحب ياأخوتي أقوي من القانون . وإذا أحب الناس بعضهم البعض لا يحتاجون إلي قانون .ولا إلي محاكم .لأن القانون والمحاكم أمور تفصل في خلافات الناس .فإذا لم يوجد خلاف لا داعي للمحاكم . وإذا اصطلح الخصمان استراح القاضي "

+ عندما سافر الرئيس مبارك إلي الولايات المتحدة الأمريكية في شهر مارس 2001 ؛وكان الجو متوترا قليلا بسبب أحداث االكشح المؤسفة ؛ أرسل قداسته رسالة إلي أبنائه الأقباط في المهجر جاء فيها " إن الرئيس مبارك يمثل التوازن السليم في كل سياسة مصر ؛ وهو يبذل كل جهده من أجل وحدتها الوطنية ؛ويتعامل معها بروح سمحة ونبيلة ؛وفي كل مرة نلجأ إليه في مشكلة تحيط بنا ؛يحلها بكل سماحة وعدل وقد أختبرته بنفسي في كل تعاملي معه أنا لا أنكر أن بعض المشاكل قد وقعت ؛ كما تقع مشاكل في كل وطن وفي مصر كانت حلول المشاكل تبدأ من حين وصولها إلي الرئيس ودراسته لها .... يا أبنائي أحب أن تتصرفوا بحكمة ولا تخضعوا لأي إنفعال طاريء غير مدروس في ذاته ؛ وغير مدروسة ردود فعله ولا أقبل أن أحد منكم يعمل علي ضرر الكنيسة بتصرف طائش غير روحي ؛وبألفاظ جارحة لا توافق عليها الروحانية المسيحية . إننا بالنسبة إلي كنيستنا العزيزة وإلي شعبنا المحبوب ؛نسلك بأمانة ؛وحكمة كأشخاص مزمعين أن يعطوا حسابا أمام الله .وكذلك باسلوب روحي حسب تعاليم الإنجيل ونطلب منكم أن تكونوا هكذا معنا بروح واحدة . "

+ جاء في أحدي محاضرات قداسته عن الوحدة الوطنية قوله " إن الوحدة الوطنية في مصر حقيقة إجتماعية وتاريخية ثابتة ومستقرة وليس المساس بها إلا نوعا من المغامرة تعود بالخسارة المؤكدة علي أصحابها ؛ إن وحدة الشعب مسألة مهمة يجب أن نعمل كلنا مع الرئيس للحفاظ عليها .. التفرقة ليست لصالح أحد ... الإنقسام ليس لصالح أحد ؛يجب أن نذكر أن القصد الإلهي في الخليقة كان هو الوحدة .فالله خلق العالم كله من أسرة واحدة هي أدم وحواء ؛وبعد الطوفان أعاد الله تكوين العالم من أسرة واحدة ... هكذا في العالم كله أبناء أدم ( أب واحد) ونوح (أب واحد أيضا ) . لقد عشنا في محبة .... ولن يستطيع أحد أن يفرق ما جمعه الله . أن مصر لا خوف عليها أبدا ؛إنها "المحروسة " حقا توحد شمالها وجنوبها منذ آلاف السنين وتناوب عليها الغزاة ولم تتعرض وحدتها للخطر . وحدة مصر والمصريين من أسرار هذا البلد الخالد ؛ فلا خوف علي مصر ولا تشابه بينها وبين غيرها ؛فمصر تحمي وحدتها لأنها وحدة حصينة مهما كانت مصائب الفقر والجهل والتخلف ؛أن حفظ الوحدة الوطنية وتقويتها ليس واجب رجال الدين الإسلامي والمسيحي فقط ؛ بل يجب أن تتعاون فيه كل الهيئات الرسمية والشعبية علي حد سواء ؛ بل كل فرد ؛وكل جماعة

+ شارك قداسة البابا في جميع المؤتمرات الإسلامية التي تنظمها وزارة الأوقاف ؛ وفي المؤتمر الإسلامي الرابع عشر الذي أنعقد في 20 /5/ 2002 أبدي قداسته تعجبه لكل من يحاول الربط بين الإرهاب والإسلام ؛ مؤكدا أن الإسلام دين الرحمة والمحبة والسلام ؛وأضاف قداسته "ـأن أخطاء فرد أو أفراد أو جماعات لا تنسب إلي الدين ذاته إنما حقيقة الدين تعرف منكم أنتم يا علماء الإسلام والفقهاء

+دعي قداسته لإلقاء محاضرة في أبو ظبي خلال عام 2007 ؛ وكان عنوان المحاضرة هو "السلام والتآخي " قال فيها " السلام هو أنشودة جميلة تتردد أنغامها في قلوب الناس ؛وفي أفكارهم ؛ويشتاقون اليها ؛وبدون السلام لا يسود مجتمع ؛ولا يهدأ أفرد . وبالسلام يعيش الناس في هدوء وينتجون ؛وبغير السلام يصبح العالم شبه غابة . والسلام في الإسلام هو أسم من أسماء الله تعالي ؛وفي المسيحية نقول عن الله أنه إله السلام وملك السلام ومصدر السلام للجميع . والسلام يا أخوتي علي أنواع ثلاثة : سلام للإنسان مع الله أساسه حفظ وصايا الله تبارك وتعالي .وسلام مع الناس في حياة الصلح الدائم والمحبة والتعاون . وسلام دائم لا يستغني عنه أي فرد ؛وبدون السلام القلبي يقع الإنسان في الخوف والإضطراب والتردد والهموم النفسية المتعبة .

+ حرص قداسته في جميع المناسبات الدينية الإسلامية ( عيد الفطر – عيد الأضحي – عيد رأس السنة الهجرية .... الخ ) أن يقوم بزيارة كل من شيخ الجامع الأزهر وفضيلة مفتي الجمهورية ووزير الأوقاف لتهنئتهم بالعيد وتأصيل روح المحبة والوحدة بين المسلمين والأقباط

+ حرص قداسته منذ متنصف الثمانيات تقريبا علي إقامة مأدبة إفطار الوحدة الوطنية خلال شهر رمضان من كل عام ؛ويدعو فيه جميع رموز الدولة ورجال الفكر والثقافة والإعلام .

+ عندما توفي شيخ الجامع الأزهر السابق فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي خلال شهر يوليو 2010 ؛ وكان يوم الوفاة هو يوم الأربعاء موعد محاضرة قداسته الأسبوعية ؛ حرص قداسته عقب نهاية المحاضرة علي إقامة مؤتمر صحفي عالمي نعي فيه فضيلة الشيخ الراحل ؛مذكرا بمواقفه الوطنية التي خاضها فضيلته خلال فترة رئاسته لجامع الأزهر

+ عندما تعين الدكتور أحمد الطيب شيخا للجامع الأزهر ؛ حرص قداسته علي أن يكون أول المهنئين لفضيلته ؛ داعيا الله القدير أن يوفقه في رئاسته للأزهر الشريف حتي يكون خير خلف لأعظم سلف .

+ أخيرا وفي شهر أكتوبر 2010 أصدر كل من قداسة البابا المعظم الانبا شنودة الثالث وفضيلة شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب بيانا مشتركا أكدا فيه أن الدين والعقيدة خط أحمر لا يجوز لأحد أن يتجاوزه ؛كما أكد رفضهما القاطع لأية تصريحات تمس عقائد المصريين جميعا ؛وناشد كل من قداسة البابا وشيخ الأزهر المصريين جميعا الالتزام بوحدتهم الوطنية الجامعة ؛فالجميع شعب واحد في وطن واحد ؛كما طالبا بضرورة تبني فكر السيد الرئيس محمد حسني مبارك بضرورة مواجهة دعاوي التطرف والانغلاق ؛ مع ضرورة الحرص علي وحدة النسيج الوطني لأنه لا توجد أدني تفرقة بين أبناء الوطن الواحد بسبب العقيدة أو الدين ؛وأننا جميعا مسلمين ومسيحين نعيش تحت علم واحد لوطن واحد يحكمه مبدأ المواطنة .

وبعد فهذه هي بعض المواقف فقط التي توضح دور قداسته في دعم الوحدة الوطنية في مصر ؛فالحصر الشامل يحتاج إلي مجلدات كاملة . نهديها إلي روح قداسته في ذكري نياحته .

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع