ذاتَ نهار ثقيل، استيقَظت الفتاة «س»، تركَت بعض النقاط الحمراء على فراشها، استعدت للذهاب إلى عملها، مُحملة بمشاعر شجيّة، إذ ستضطر للتفكير 100 مرة خلال اليوم، في الأكياس السوداء التي ستشتريها لتضع بها الفوط الصحيّة، محاولات الشرح المُتكررة لأسباب التعب أثناء العمل، وتهريب الفوط الصحيّة بين طيّات الملابس أثناء الذهاب إلى الحمام، كيّ لا يعرف أحد أنها كانت «حائضًا».
في السنوات البعيدة، كان يُعتقَد أن السيدة الحائض إذا سارت بجوار حقل قمح، فإن الحشرات والديدان تتساقط منه، وإن الكتان يتحول للون الأسود، حتى إن بعض الرجال كانوا يرفضون تناول الطعام من أيد زوجاتهم خلال فترات طمثها.
لم يتغير الأمر حتى عندّما وصلنا إلى 2019، إذ تتعامل أغلب السيدات مع الدورة الشهرية وكأنها «زائر ثقيل»، ويتمنينْ تخصيص إجازة مدفوعة الأجر في العمل، وخلال مارس الماضي، أطلقنْ نساء مصريات دعوة لمنح إجازة للنساء أثناء فترة الحيض، عبّر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب الألم والحالة النفسية الصعبة التي تصيب المرأة في ذلك التوقيت، من خلال هاشتاج «اليوم العالمي للحيض»، وتحت شعار «الدورة الشهرية مش قلة أدب».
فيما كانت رانيا يوسف، مسؤولة التنمية البشرية بإحدى شركات التسويق، تتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي، رأت مطالبات السيّدات بأخذ إجازة من العمل خلال فترة الحيض، الأمر جعلها تتساءل عن إمكانية تطبيق الفكرة داخل الشركة التي تعمل بها، كما تقول لـ«المصري اليوم»: «شُفت الدعوات على صفحات كتير، وبعتها للمدير التنفيذي للشركة، وبدأنا نفكر في التطبيق، لأن أغلب العاملين في الشركة من السيدات، تقريبًا 99%».
وفي اليوم التالي، تناقش المسؤولون عن الشركة بشأن تخصيص إجازة مدفوعة الأجر للسيدات خلال فترة الحيض، حسبْ شرح «رانيا» للفكرة: «في البداية لقينا صعب ندي إجازة للسيدات طول فترة الحيض، إحنا بنشتغل 4 أيام في الأسبوع، قلنا صعب نطبّق الفترة كلها، لكن ممكن أول يوم أو يومين، لأن دي أصعب أيام، وجع، نزيف، تغيّر في الهرمونات».
«الفترة المُرهقة»، هكذا أصدر المدير التنفيذي للشركة على الفور قرارًا بإعطاء السيدات العاملات إجازة يوم واحد، مدفوع الأجر كاملاً، كما جاء في نص القرار: «فخورون بإدخال مصر ضمن قائمة الدول العالمية التي تمنح المرأة إجازة أثناء (الفترة المرهقة)، والبالغ عددها 10 دول، وجعل مصر الدولة الأولى في الوطن العربي التي تنفذ مثل هذا القرار، مراعاة لطبيعة المرأة وحالتها النفسية والجسدية في هذا التوقيت من كل شهر».
وعن آلية تطبيق القرار، تقول «رانيا»: «خيّرنا الموظفين، كل بنت تختار تاخُد إجازة اليوم الأول أو التاني، وممكن ناس ترفض ده، كل شخص حسب طاقته ومقدرته. طبعنا القرار، ونزلنّاه على السوشيال ميديا».
وأضافت: «ردود أفعال البنات في الشركة كانت كويسة، اتكسفوا في الأول، لكن كانوا مبسوطين جدًا، شعروا بالتقدير والامتنان من الشركة اللى بيشتغلوا فيها»، وذلك عكس ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي «في ناس كتير استقبلت القرار، على أنه فضيحة، لكن في الحقيقة البنات هيتعاملوا معايا أنا، هيبعتوا لي على (واتس آب) مثلاً، ويقولولي اليوم ده إجازة ليه، وهتتحسب إجازة عارضة، وده بيتم تنظيمه مع الموارد البشرية».
قرار منح السيدات إجازة في فترة الحيض
تعليقات مُتباينة استقبلها العاملون في الشركة بعد تطبيق القرار، حسبْ «رانيا»: «أكتر تعليق ضايقني الناس اللى قالت (هي الشركة هتوزّع على
الموظفات أولويز (فوط صحية)؟، دي قلة أدب وبجاحة»، الأمر الذي أوضحتُه «رانيا»: «الإجازة هتبقى زيها زي الإجازة العارضة، مدفوعة الأجر، أكيد مش هيتكتب في ورق (دي غايبة عشان عندها الدورة الشهرية)».
في مارس 2018، أعلنت بعض الشركات الهندية عن تغيير في سياساتها، يعطي للمرأة الحق في الحصول على إجازة حيض مدفوعة الأجر في أول يوم من أيام الدورة الشهرية، بهدف «كسر التابوهات المتعلقة بآلام الدورة الشهرية»، وفي عام 2016، قالت دراسة أمريكية إن بعض تشنجات الحيض يمكن أن تساوي في حدتها النوبات القلبية.
سبق أنْ حذرت مؤسسة «Plan International UK» الخيرية من استمرار التكتم حول الدورة الشهرية، إذ أجرت دراسة شملت ألفَ فتاة تتراوح أعمارهن بين أربعة عشر عامًا وواحد وعشرين عامًا، كشفت أن خمسين في المائة منهن تقريبا يشعرن بالحرج بسبب الدورة الشهرية.