محرر المنيا
اكد نيافة الانبا مكاريوس اسقف المنيا العام وابوقرقاص انه جاء ذلك التحذير في حديث الرب يسوع مع اليهود، إذ كانوا يسعون أن يصطادوه بكلمة، كما اتهموه بأن شهادته لنفسه ليست حقًّا، وهنا يقول لهم: «أنا أمضي وسَتَطلُبونَني، وتَموتونَ في خَطيَّتِكُمْ» (يوحنا8: 21).
لقد جاء الله متعطِّشًا لخلاصهم، ولكنهم رفضوه واعتبروه مجرد شخص اسمه يسوع الناصري وأغلقوا ذهنهم دون الحق. ولأنهم رفضوا أن يسمعوا للمسيح، فهم يعيشون ويموتون في خطاياهم. وهكذا يشرح الآباء والخدام عن خطورة الخطية وكيفية التوبة، ويرشدون وينبهون، وقد يسخر الناس منهم ويتراءى كلامهم لهم كالهذيان، ويتمسكون بخطاياهم ويحيون فيها حتى الموت. يتعرضون للضيق والتجارب، يضربهم الرب فلا يتوجّعون بل يعطون القفا لا الوجه حتى النهاية. يجرون في كل الاتجاهات ليجمعوا الثروة حتى يداهمهم الموت، ويرون الناس يموتون كل يوم، فلا يتوبون بل يتمادون في غيِّهم، يتأثرون قليلًا ثم ينسون. يرون الكثيرين وقد طرحتهم الخطية جرحى، وكل قتلاها أقوياء، ومع ذلك لا يتوبون. يعاندون ويرفضون الله وينكرونه ويسخرون من التُقاة والتقوى، يحيون مغمورين في خطاياهم ويفاجئهم الموت. ونحن في كل مرة نودّع أحد المنتقلين ننظر ونتساءل في صمت: "لعله مات في برّه وليس في خطاياه".
إذًا ليست الخطورة في أن يحيا الشخص في خطاياه، وإنما أن يموت في خطاياه. فهناك من عاش حياته كلها في الخطية، ولكنه تاب في النهاية ومات في بره وليس في خطاياه. وهناك من عاش في البر حياته كلها، ولكنه انحمق ومات في خطاياه.
إن تعبير «تموتون في خطاياكم» يذكّرنا بأناس يموتون في أشياء أخرى يحبونها أو مُستَعبَدون لها، مثلما يُقال إن فلانًا "يموت في الأكل" أو "في حب الرئاسة"، أو "يموت في فلان" والمقصود أن يموت الشخص وهو يفعل ما يحبه ويشغله، ويتمسك به حتى الموت. هكذا الخطاة "يموتون في خطاياهم"، ولكن الكتاب يقول: «طوبَى للأمواتِ الّذينَ يَموتونَ في الرَّبِّ منذُ الآنَ» (رؤيا14: 13).
إن الأمر أيضًا يشبه شخصًا يسقط في مستنقع كبير، وقد لا يسعفه الوقت فيموت قبل الخروج منه. ومن أولئك أيضًا المنتحرون، فهم يقتلون نفسًا ليست ملكًا لهم ويموتون وهم في خطيتهم، والذين يموتون بسبب جرعات زائدة من المُخدِّر، والذين يُقتَلون في أثناء اقترافهم لبعض الجرائم كالسرقة والقتل والثأر وغيرها، والذين يموتون نتيجة الإفراط في الأكل أو الشرب، والذين يدخلون في غيبوبة وخطيتهم معهم لم يقدموا عنها توبة... لذلك فليس الموت فقط هو الخطر، وإنما الغياب عن الوعي والجنون والسُكر وغيرها، جميعها خطر.
ومن بين الذين ماتوا في خطاياهم الشعب الذي تعاظمت شروره وسخر من نوح قُبَيل الطوفان، والذين اشتعلت شهواتهم في سدوم وعمورة، والذين قتلهم بيلاطس البنطي، والذين سقط عليهم البرج في سلوام، وغيرهم ممن قال لهم الرب «إنْ لَمْ تتوبوا فجميعُكُمْ كذلكَ تهلِكونَ» (لوقا13: 3، 5).
«لأنَّنا إنْ عِشنا فللرَّبِّ نَعيشُ، وإنْ مُتنا فللرَّبِّ نَموتُ. فإنْ عِشنا وإنْ مُتنا فللرَّبِّ نَحنُ» (رومية14: 8 )