خطت مصر خطوات مهمة فى اتجاه الإصلاح التشريعى لوصول أصحاب الحق لحقوقهم، ومن هذه الخطوات تعديل قانون الميراث رقم 219 لسنة 2017، ظاهر النص كفيل بحل جميع الأزمات، ولا يحتاج إلى خطوات أخرى، حيث نصّ المشرّع على ثلاث جرائم تختلف كل منها عن الأخرى، ليعالج جميع المشاكل التى تظهر بعد الميراث بداية من حجب سندات ملكية الميراث حتى الامتناع عن تسليمه:

فالأولى: جريمة حجب سند الملكية.

الجريمة الثانية: الامتناع عن تسليم المستندات بالرغم من طلبها من جانب باقى الورثة.

الجريمة الثالثة: الامتناع عن تسليم الميراث والاستحواذ عليه بالمخالفة للقانون، وهذه الجريمة تظهر بعد تقسيم الميراث سواء كان عن طريق المحكمة أو بالتراضى.

من المفترض أن هذه التعديلات تعالج بطء التقاضى، فلم يشترط المشرّع شكلاً معيناً لوقوع هذه الجريمة إلا ارتكابها، إلا أنه الأفضل أن يقوم المتضرر من الورثة بالمطالبة بسندات الملكية أو بتسليم الميراث، عن طريق إنذار رسمى حتى يمكن إثبات مطالبته بحقوقه دون عناء، وإثبات تعنت المشكو فى حقه وامتناعه عمداً عن تسليم الميراث، هنا تكمن المشكلة.

المطالبة بالميراث تستلزم اتخاذ إجراءات قانونية تحتاج خدمات محامٍ، وهو أمر أصبح يحتاج إلى أموال، كل خطوة فى الطريق إلى العدالة تتكلف أموالاً، إما مباشرة أو مقابل المجهود البشرى، ولأن أغلب النساء لا تعمل، ولأن من تطالب بميراثها هى بحاجة للمال، ولأنها لا تستطيع دفع تكلفة التقاضى، فلا يمكن للنساء الوصول لحقهن.

توجد بعض الجهات تقدم نصائح أو خدمات قانونية لمكتب شكاوى المجلس القومى للمرأة، كما يوجد عدد محدود من الجمعيات الأهلية كانت تقدم دعماً قانونياً للنساء، ومع القيود التى فُرضت عليها بفعل قانون الجمعيات لم تعد تستطيع ولم يعد التقاضى يسيراً أو قليل التكلفة ليتحمس الكثيرون لتقديمه تطوعاً.

هذه نتيجة دائماً ما نتوصل إليها بعد كل تعديل قانونى، نسعد لما نصل إليه من إنجاز لكن التحدى الأكبر هو كيف نطبقه، كيف يصل الحق لأصحابه.

دائماً ما تضعنا السيدات أمام أسئلة شديدة البساطة لكنها هائلة التعقيد: ماذا أفعل؟

سؤال موجه لكل جهات العدالة وكل المهتم بالعدالة وإن لم نستطع الإجابة عليه فكل جهودنا تذهب هباءً.

واحدة من النساء أم لخمس بنات تعانى الأمرّين فى تربيتهن من ضيق الحال، ولديها إصرار كبير على إيصالهن إلى استكمال التعليم أملاً أن يساهم تعليمهن فى حياة أفضل من حياتها.

لديها ورث أطيان وعقارات، وأخوها استولى عليه، لكنها بالكاد تنفق على بناتها، هل تستطيع الإنفاق على التقاضى؟ عمل إنذار رسمى بطلب ميراثها؟ حصر ميراثها والجرى وراء كل الجهات الحكومية ودفع المصروفات الرسمية وغير الرسمية؟ عمل دعوى فرز وتجنيب؟ البلاغ للنيابة برفض التسليم؟ استكمال الدعوى والحصول على حكم؟ تولى الشرطة للتنفيذ وتكليف قوة تنفيذ بالتسليم؟ هل تستطيع هذه السيدة أن تتحمل هذه الرحلة وتكلفتها؟

هى طبعاً لا تستطيع، لذا سيظل القانون حبراً على ورق، وستظل العدالة غائبة رغم أن التقارير تشير إلى أن مصر حققت إنجازاً، وستظل أم البنات تتسول لتربية بناتها، وأخوها لم يراعِ حدود الله التى جاء نصها فى القرآن، تفرعن لأنه لم يجد من يقف أمامه لا القانون ولا العدالة، وإن لم نجد حلاً شاملاً لقضايا النساء والفئات المستضعفة وتقديم دعم قانونى حقيقى لوصول المحتاجين لحقوقهم، سنظل بلا عدالة ولن يصبح لأى تعديل قانونى أهمية.
نقلا عن الوطن