جمال رشدي
من داخل ايباراشية المنيا وأبو قرقاص، سأكتب لكم تلك الرسالة من واقع ملموس تلاحمت ثقافتي معه نتيجة إنني ابن لتلك المحافظة، وكباحث وكاتب صحفي ومن منظور تخصصي الإداري، سأخوض داخل مفاصل تلك الايباراشية لكي انقل لكم كل ما يخصها من سمات وصفات مختلفة، أضعها أمامكم كبحث مختصر يساعد قداستكم علي اتخاذ القرار الصالح والسليم، والذي أثق كل الثقة في أن قراركم سيكون ممزوج بحكمتكم الوطنية والروحية.
في بدء الأمر اعلم أن قداستكم جلست وتقابلت مع بعض خدام ابناء الايباراشية لتكوين صورة كاملة عنها، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب طبقاً لما تم تكوينه من صورة ، لن اختلف في ذلك المنهج المتبع في القوانين الكنسية، بل اثني عليه ولكن ما أود إضافته أن سمات وصفات الأوضاع الثقافية والجغرافية والأيدلوجية داخل تلك الايباراشية تتطلب من قداستكم الاستماع إلي أهل التخصص والعلم .
فمعلوم للقاصي والداني أن موروثات ما ضرب الحياة والشخصية المصرية من أمراض متنوعة وعلي رأسها تجويف وتجريف المكونات الفلكلورية لتلك الشخصية، ومسخها بعوامل تعرية خارجية جعلتها تتخلي عن جينات الماضي الجميل وحالة الانصهار الاجتماعي والثقافي التي كانت تميزها عن باقي شخصيات المكونات البشرية. هنا ضربتها العشوائية من فقر وتطرف وجهل وهمجية كل ذلك تم توطينه وتسكينه في محافظة المنيا وخصوصاً الايباراشية التي نتكلم عنها، وذلك اتضح في كم الاعتداءات علي الكنائس والأقباط بعد ثورة 30 يونيو، وما تلاها من أعمال طائفية إلي وقتنا هذا.
تلك البقعة من محافظة المنيا تعتمد علي عدة أنشطة اقتصادية منها الزراعة وتربية المواشي والمحاجر، فالزراعة تمثل 70% من نشاطها حيث تتداخل حيازة الأراضي الزراعية بين أطراف نجوعها وقراها، مما يجعل صعوبة الفصل بين أراضي قرية وأخري ومما جعل هناك حياة مشتركة ومتداخلة بين أهل تلك القرى والنجوع تقودهم إلي حياة روحية مشتركة، أيضاً في وحدة أماكن عبادتهم وتواجدهم الطقسي .
كل ذلك نتج عنه مصاهرة اجتماعية وتبادل نسب وهنا حدث التشابك الاجتماعي الاقتصادي الروحي الثقافي، الذي يجعل التفكير في وحدة المصير الروحي لتلك الايباراشية ضروري وحتمي ، وكل ذلك ينطبق علي نشاط المحاجر المنتشر في قري شرق النيل بنسبة أيضا لا تتعدي 30%.
وفي كل هذا لا ننسي أن كثير من القرى والنجوع بلا بيوت عبادة أو كنائس، وكان البديل ممارسة العبادة والطقوس في احد البنايات التي كان ينتقل إليها مذبح متحرك عن طريق الآباء الكهنة الذي هو ابن من ابناء حياة الانصهار التي تكلمنها عنها بين قري ونجوع الايباراشية، مما جعل الثقافة الروحية لشعب تلك الايباراشية متمثل في ارتباطهم بشخص الأب الكاهن الذي هو ابن مكان اخر، ولكن ابن لثقافة الانصهار أيضا ذلك عامل مهم يجب أخذه في الحسبان في حتمية وجود الايباراشية موحدة كتلة واحدة كما هي.
في كل هذا هناك الآباء الكهنة والخدام وكما ذكرنا أنهم ابناء ثقافة الانصهار لشعب تلك الايباراشية، والذي تم سيامة معظمهم من نيافة الأنبا مكاريوس، فأصبح الارتباط الروحي قوي بين جميع الخدام الاكليروس ونيافة الأنبا مكاريوس وأبنائه من الشعب ،هنا أيضا حدث الانصهار الروحي بين ثقافة الشعب الروحية المتمثلة في المذبح المتنقل والكاهن خادم المذبح وشخص الأنبا مكاريوس الذي مثل لتلك الثقافة المبني الروحي وطقوسه.
بجانب هذا هناك الحرب الشعواء التي تشنها ثقافة تلك المنطقة المستمدة من موروثات أمراض الماضي ضد شخص الأنبا مكاريوس، ليس لشئ إلا لأنه صوت قوي شجاع مثقف وطني يقاوم ظلام تلك الثقافة، لا يهادنها أو يحاول احتوائها أو الرضوخ لها مما جعل كثير من الشعب المصري بكل أطيافه وخصوصاً النخبة الثقافية والفكرية تسانده بقوة، وتنظر إليه من منظور وطني بأنه صوت حق وشعاع نور، يقاوم ثقافة الظلام والرجعية ولم يقتصر الامر على ذلك، بل اصبح رمز وقيمة وطنية وكنسية لكل أقباط الخارج والداخل، وساعده علي ذلك ما يمتلكه من مقومات وقدرات استثنائية، من تواضع وبساطة وسلاسة كلمة وثقافة وروحانيات، وكل هذا جعل أجهزة الدولة تنظر إليه بكل احترام وتقدير وثناء .
ما ذكرناه يجعلنا نتمهل كثيراً قبل اتخاذ أي قرار بشأن تلك الايباراشية، لان أي قرار اخر غير وحدة الايباراشية سيكون تابعياته كبيرة جداً علي الحياة المشتركة لأبناء الايباراشية، وأيضاً سيتسبب في غضب جموع الأقباط في الداخل والخارج، وعلي اثر ذلك اقترح أن تبقي الايباراشية موحدة كما هي مع سيامة الأنبا مكاريوس مطران عليها، ومعه سيامة ثلاث أباء أساقفة عموميين للمساعدة، ذلك هو الحل الأمثل والأنسب لصالح الوطن والشعب والكنيسة.
واختتم رسالتي هذا إلي قداسة البابا وأقول أن الرجل الذي قاد الكنيسة المصرية في أصعب مراحلها بروح الوطنية العظيمة، التي تجلت في كلماته الذهبية عندما قال وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن هو قادر أيضا أن يقود اتخاذ القرار الحكيم لتلك الايباراشية في صالح الوطن والكنيسة والشعب.