بقلم: تريزة سمير 
لحظة فارقة في حياة المرء... لحظة حاسمة بالحقيقة.... الانفصال الكلي بين الروح والجسد 
غرفة صغيرة يتواجد بها العشرات من البشر، ولكن! فارقوا الحياة... عاشوا لحظة الانفصال الأخيرة التي لا يمكن معرفتها إلا من خلالهم، ولا نستطيع الآن معرفة آلام تلك الحظة لأنهم لم يعدوا بأحياء....
تأملت لحظة انطلاق الروح إلى العنان، انطلاقها إلى خالقها الذي أتى بها إلى تلك النفس، أخذني هذا الموقف بعيدًا إلى اللحظة الحاسمة في حياة جدي، عندما كنت أراه في الساعات الأخيرة قبل مفارقة الحياة، نظرت إليّ جدي وهو على فراش الموت، ورغم شعوري بالألم والحزن إلا أنني تأملت ذلك الوقت الفارق الذي لا يمكن تكرارها في حياة الإنسان.... كنت أحدثه ولكن بدون صوت سألته أسئلة كثيرة جدًا كما كان يسألنا كل مرة عندما كنا نجلس بجواره، فكان دائمًا يجمع أحفاده حوله ويقوم بعمل سباقًا فيما بينهم لاختبارهم في مدى معرفتهم بالكتاب المقدس، كان يوزع نقودًا علينا للتحفيز، دائمًا كنت أحصل على الكثير من تلك النقود وعندما ينهي السباق يقول لأمي "ابنتك من أشطر أحفادي". 
مشاهد كثيرة في مخيلتي تم سردها أمام عيني وكأنها شريط سينمائي، رجعت مرة أخرى بل مرات عديدة أحدثه في كثير من الأمور، سألته عمل يشعر في تلك الحظة ولكن لم يستطيع أن يجاوبني بأي شيء.... بماذا تشعر يا جدي الآن؟؟ بماذا تفكر؟ وكيف يدور تفكيرك؟ في الماضي.. أم الحاضر؟ أم اللحظة الراهنة؟ أم في
 
مستقبلك ومكانك الآخر الذي تذهب إليه.؟ 
هل ترانا الآن وتعرفنا؟ أم كلنا مجهولين بالنسبة لك؟ أم أن في تللك الحظة بالتحديد تعرفنا أكثر من معرفتنا لأنفسنا؟؟ أخذني هذا التأمل إلى العمق فهناك من يترك الحياة فجأة وبدون  سابق نزار، ولا يأخذ وقتا في تصارع الروح مع الجسد، فتنطلق الروح إلى العنان ويظل الجسد ساكنا بدونه ولكنه لا يأخذ وقتا ويصبح ترابًا، فهو بدون الروح ترابًا كما كان في بداية الخليقة، عندما وضع الله روحا وجعل من التراب كائن بشري هائل التكوين، هناك صراعات بين الروح والجسد تأخذ وقتا طويلًا، يكون الصراع عنيفًا وفي النهاية تنتصر الروح على الجسد ويرجع الجسد حيث كان مجرد حفنة من التراب، ربما تتعدد أنواع الانفصال لنصبح اكثر تأملا او معرفة، ولندرك طبيعة الحياة ونعرف أننا جميعًا سننفصل كليا في أي وقت.