ظلت قضية بناء الكنائس أحد أبرز أبواب الفتنة فى مصر طوال العقود الماضية، ورغم وصف العلاج لها منذ عام 1972 عبر لجنة برلمانية، برئاسة وكيل مجلس الشعب وقتها، الدكتور جمال العطيفى، فى أعقاب حادث الفتنة الطائفية بمنطقة الخانكة، وهو العلاج الذى تمثل بإعادة النظر فى نظام ترخيص الكنائس بهدف تبسيط إجراءاته، على أن تتقدم الكنيسة الأرثوذكسية بخطتها السنوية لإقامة الكنائس لتدرسها الجهات المختصة دفعة واحدة، بدلاً من أن تترك للمبادرة الفردية للجمعيات أو الأشخاص، ودون تخطيط علمى سليم، والمطالبة بإصدار قانون لبناء الكنائس، إلا أن تلك الرؤية كان مصيرها أدراج الحكومة، مما أدى إلى ظهور الفتن التى أزهقت فيها الأرواح، وسُلبت فيها الممتلكات، وعرض باسم الدولة وسمعتها فى كل المحافل الدولية.
لكن الوضع تغيّر عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، إذ نص الدستور الجديد، الذى استُفتى عليه المصريون فى 2014، على تكليف مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد صدور هذا الدستور بإصدار قانون لبناء الكنائس، وهو ما كان بإصدار أول قانون فى تاريخ مصر حمل رقم 80 لسنة 2016، الذى حدّد عبر مواده العشر، طريقة بناء وترميم الكنائس، ومنح الأقباط حرية بناء الكنائس والتقدّم بترخيص البناء إلى المحافظين الذين يتأكدون من استيفاء شروط البناء والرد على الطلب خلال 4 أشهر من تقديمه، ومنع الدولة من وقف ممارسة الشعائر والأنشطة الدينية فى أىٍّ من الكنائس أو المبانى الملحقة بها لأى سبب، وتشكيل لجنة لتقنين أوضاع الكنائس والمبانى الكنسية غير المرخّصة، وهى اللجنة التى أصدرت خلال 14 شهراً قرارات بتقنين أوضاع 894 كنيسة ومبنى خدمياً فى كل محافظات الجمهورية.
وقال القس رفعت فكرى، رئيس السنودس الإنجيلى، لـ«الوطن»، إن قانون بناء الكنائس أعطى كل ذى حق حقه، وجعل رجل الشارع مطمئناً لوجود قانون يمنع المخالفات، كما جعل المتطرفين يدركون أن هناك قانوناً سيطبّق متى فكر أحدهم فى الاعتداء على الكنائس. وأضاف «فكرى»، أن القانون أيضاً أعطى تراخيص رسمية للكنائس غير المرخّصة والعمل فى هدوء ودون إثارة أى أطراف بالمجتمع.
أما الأب هانى باخوم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة الكاثوليكية، فقد أشاد بالقانون، مشيراً إلى أنه يفعل ويرسخ دولة القانون ويمنع الجرائم التى تحدث بسبب تلك القضية، عبر تجريم كل الأفعال التى تساعد على الفتن الطائفية وغيرها. وقال «باخوم» إن القانون خطوة جيدة للأمام لإرساء قوانين ثابتة لا تعتمد على مزاجية الأفراد أو ميولهم أو أفكارهم السياسية أو غيرها، لكن تعتمد على تطبيق القانون وهو نظرياً شىء جيّد جداً ورائع، ونحن نشكر جهود الدولة عليه. وأضاف المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية، أن المهم هو تطبيق القانون ومتابعة تطبيقه، فليست الأزمة فى التشريع، لكن فى القيادات التنفيذية التى تتابع تنفيذ هذه القوانين على أرض الواقع، لافتاً فى الوقت نفسه إلى أن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، وكذلك لمتابعة جنى ثماره، مؤكداً ثقة الكنيسة فى امتلاك الشعب المصرى قدراً كافياً من الوعى والإدراك، حتى إن كان هناك بعض الأشخاص يذهبون للتشدّد بسبب الفقر أو الجهل أو عدم المعرفة، إلا أن عموم الشعب المصرى شبكة واحدة ونسيج واحد يلتفون حول أرض الوطن ومصر.
وتابع «باخوم»: «لدينا كامل الثقة أن هذه القوانين ستساعد الشعب المصرى أن يتخطى الفتن والأفكار المتطرفة، التى لا تخص أدياناً، لكنها طريقة تفكير شخصية».