قلق روسي وغربي من التركي بشرق المتوسط

تلوح في الأفق بوادر أزمة سياسية دولية، بسبب إعلان الرئيس التركي نية بلاده التنقيب عن الغاز في المياه الخالصة لقبرص، وحذرت مصر وأميركا وروسيا الاتحاد الأوروبي من مغبة القرار، بينما دعا أردوغان حلف شمال الأطلسي إلى دعمه في مواجهة هذه الدول.

في خطوة استفزازية جديدة، أعلنت تركيا أنها بدأت التنقيب عن الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، وهي المنطقة التي تقول السلطات القبرصية إنها تندرج ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزيرة، وعقدت اتفاقيات مع مصر حولها.

وقالت السلطات البحرية التركية إن عمليات التنقيب ستجريها السفينة "الفاتح" وثلاث سفن مساندة لوجستية.

وتسببت الخطوة في أزمة دولية، لاسيما أن كلا من مصر وقبرص واليونان والاتحاد الأوروبي وأميركا رفضوا الخطط التركية.

رفض واسع
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة "تشعر بقلق عميق من خطط تركيا المعلنة لبدء عمليات التنقيب البحرية في منطقة تطالب بها قبرص باعتبارها منطقتها الاقتصادية الخالصة".

وأعربت روسيا عن قلقها إزاء التصعيد في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.

وقالت وزارة الخارجية الروسية: "نشعر بقلق عميق إزاء المعلومات المتعلقة بتصعيد الوضع في شرق البحر المتوسط". وأضافت: "إننا نؤكد بحزم على أن أي نشاط اقتصادي يجب أن يتوافق مع قواعد القانون الدولي.

ودعت موسكو إلى عدم اتخاذ الإجراءات التي يمكن أن تسبب التوتر وخلق عقبات إضافية على الطريق لتسوية المشكلة القبرصية".

وأعربت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موجيريني عن "قلقها البالغ" حيال "إعلان تركيا نيتها القيام بأنشطة تنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص"، لينضم الاتحاد الأوروبي إلى مصر وروسيا وعدة بلدان نددت بنية التنقيب التركي غير الشرعي عن الغاز في المياه القبرصية.

وذكرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي في بيان لها بأنه "في مارس 2018، ندد المجلس الاوروبي بشدة بمواصلة تركيا أنشطتها غير القانونية في شرق البحر المتوسط".

وأضافت موجيريني: "في هذا السياق، ندعو تركيا بإلحاح إلى ضبط النفس واحترام الحقوق السيادية لقبرص في منطقتها الاقتصادية الخالصة والامتناع عن أي عمل غير قانوني"، مؤكدة أن الاتحاد الاوروبي سيرد عليه في شكل ملائم وبتضامن كامل مع قبرص.

وقالت وزارة الخارجية المصرية، إن مصر تتابع باهتمام وقلق التطورات الجارية حول ما أُعلن بشأن نوايا تركيا البدء في أنشطة حفر في منطقة بحرية تقع غرب جمهورية قبرص.

وحذرت وزارة الخارجية المصرية، من انعكاس أية إجراءات أحادية على الأمن والاستقرار في منطقة شرق المتوسط، مؤكدا على ضرورة التزام أي تصرفات لدول المنطقة بقواعد القانون الدولي وأحكامه.

وأدانت الحكومة القبرصية بشدة قيام تركيا بعمليات التنقيب عن المواد الهيدروكربونية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص، مشيرة إلى أنه يجري بالفعل اتخاذ إجراءات على المستوى القانوني والسياسي والدبلوماسي، وأنها ستستغل كل الامكانيات، وخاصة في إطار الاتحاد الأوروبي.

وقالت وزارة الخارجية القبرصية "إن هذا العمل الاستفزازي الذي تقوم به تركيا يمثل انتهاكاً صارخاً للحقوق السيادية لجمهورية قبرص وفقاً للقانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي".

وأضافت أنه "في الوقت نفسه، يعمل على الكشف عن النوايا الحقيقية لأنقرة في ما يتعلق بالمشكلة القبرصية ويشرح سبب رفض تركيا الاقتراح بعقد اجتماع غير رسمي، كما حصل في كران مونتانا"، لمناقشة المشكلة القبرصية.

وفي المقابل، دعا أردوغان حلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى دعم تركيا في عمليات التنقيب، وقال في كلمة له أمس الاثنين، إن حلف شمال الأطلسي سيدعم ما اعتبرها "حقوق بلاده شرق البحر الأبيض المتوسط".

وأضاف: "حقوق تركيا لتنفيذ عملية الحفر في البحر ليست قابلة للنقاش، نتطلع أن يحترم الناتو حقوقنا"، متابعًا: "ننتظر من أصدقائنا في الناتو التصرف بما يتلاءم مع روح الحلف والقيم التي أسس عليها".

يبتزّ الأصدقاء والحلفاء
قال الخبير في شؤون الطاقة الدكتور محمود عزام، إن الأزمة صعبة، لاسيما أن أردوغان يبحث عن منقذ لتركيا من عثرتها الاقتصادية، مشيرًا إلى أنه دأب على اختلاق الأزمات واستفزاز أصدقائه وخصومه، من أجل ابتزازهم والحصول على مكاسب سريعة.

وأضاف لـ"إيلاف" أن تركيا تمر بأسوأ الأزمات الاقتصادية منذ تولي أردوغان السلطة، منوهًا بأن العقوبات الأميركية أثرت بالسلب على الليرة التركية التي هبطت لأدنى مستوى لها منذ عشر سنوات، مما أدى إلى اهتزاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية التي جرت في شهر مارس الماضي.

ولفت إلى أن أردوغان يعلم جيدًا أن تركيا ليست لها أية حقوق في منطقة غاز شرق المتوسط، وأن المياه الدولية ينظمها القانون الدولي، ولم تبدِ الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو أميركا أو روسيا أية اعتراضات على الاتفاقيات الموقعة بين مصر وقبرص واليونان وإسرائيل حول الغاز، بل إنها تدعمها في إطار القانون الدولي.

أزمة حقيقية
وقال الخبير في القانون الدولي الدكتور جمال عمران، إن هناك أزمة حقيقية بسبب ما يراه أردوغان حقوقًا لتركيا في التنقيب عن الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي يقف ضد أطماع أردوغان، بما فيها روسيا وأميركا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بينما يحاول هو جر حلف الناتو إلى صراع لحسابه الشخصي، متوقعًا ألا ينجح الرئيس التركي في جر المنطقة إلى صراعات مسلحة أخرى.

وأضاف لـ"إيلاف" أن مصر لن تتخلى عن حقوقها في اكتشافات الغاز الطبيعي، ولن تتخلى كذلك قبرص عن حقوقها في أراضيها، متوقعًا أن يتم حل الأزمة باللجوء إلى التحكيم الدولي، أو بالطرق الدبلوماسية.

يذكر أن منطقة شرق البحر المتوسط تقع على الحدود بين كل من مصر وفلسطين وإسرائيل، وقبرص واليونان، لبنان، سوريا، تركيا، بينما تقع الحقول المكتشفة مؤخرًا بالقرب من المياه الاقليمية الفلسطينية، والمصرية، إلى جانب اليونان والجزء القبرصي المحتل من تركيا.

ومن أبرز الحقول المكتشفة مؤخرًا حقل ظهر المصري، ويقدر الاحتياطي فيه 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، بالإضافة إلى حقل "أفروديتي" في قبرص.

وكانت الحكومة المصرية وقعت مع نظيرتها القبرصية، في سبتمبر الماضي، اتفاقا مشتركا لتنفيذ مشروع إقامة خط أنابيب بحري مباشر من أجل نقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى مراكز الإسالة المصرية وإعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة.

كما استضافت مصر في شهر يناير من العام الجاري الاجتماع التأسيسي لمنتدى غاز شرق المتوسط "EMGF"، بهدف تأسيس منظمة دولية تحترم حقوق الأعضاء بشأن مواردها الطبيعية بما يتفق ومبادئ القانون الدولي، وتدعم جهودهم في الاستفادة من احتياطاتهم واستخدام البنية التحتية وبناء بنية جديدة، بهدف تأمين احتياجاتهم من الطاقة لصالح رفاهية شعوبهم، وذلك بمشاركة كل من وزراء الطاقة القبرصي واليوناني والإسرائيلي والإيطالي والأردني والفلسطيني لمناقشة إنشاء المنتدى، يكون مقره القاهرة.