جديد الموقع
وداعا للقذافي الطاغية ..
بقلم : د. أحمد الخميسي
يثقل على نفسي دائما أن أرى موجة إعلامية تعلو بفكرة وتغمر بها الوعي العام ، فلا يعود أحد يميز الحقيقة من غيرها . وأعني ذلك الترحيب الواسع بمقتل القذافي، دون التوقف عند أي شيء عدا ذلك . وبداية – لكي لا يعود أحد لمراجعة موقفي – أقول بوضوح إن القذافي طاغية ، جدير بالعزل ، والمحاكمة ، وأقسى عقوبة . وقد سمعت شخصيا من أساتذة مصريين عملوا في ليبيا عن فظائع ، كل واحدة منها تستحق بحد ذاتها عزله . إلا أن هذا هو الجانب الوحيد الذي تبرزه وسائل الإعلام الدولية والمحلية من القضية بصوت ولحن واحد . وإذا كان القذافي " طاغية " ، ونحن ضد الطغيان ، فماذا عن أن أمريكا التي ساندت الطاغية ودعمته حتى صرحت كوندليزا رايس ذات يوم إن القذافي " شريك للولايات المتحدة " ؟ . إذا كنا نكره الطغيان ونوجه كل سهامنا إلي الذئب الصغير فلم لا نوجه السهام إلي الذئبة الكبيرة التي لا تني تلد الطغاة وترضعهم ؟ إلي الإدارة الأمريكية والسياسة الأمريكية التي دعمت مبارك ثلاثين عاما لكي يتمكن من إذلال شعبه ودعمت القذافي ، وتدعم دون خجل الطغاة الآخرين في منطقتنا ، والأخطر أنها تؤازر القاعدة العسكرية الإسرائلية في مواجهة كل آمال المنطقة في التطور؟ . تعلو الموجة الإعلامية بفرحة قتل القذافي ، دون أن تتخلها قطرة واحدة من الإشارة للذئبة الأم .
وأستغرب " ثورة " في ليبيا تحارب طغيان القذافي بالاتحاد مع الطغيان الأمريكي ! . ومن المعروف أن ليبيا لديها عاشر أكبر احتياطي نفط في العالم ، وهي ثالث أكبر منتج له في أفريقيا ، كما أن نفطها يمتاز بأنه من أفضل الأنواع عند تكريره . وعندما قامت " الثورة " في ليبيا ، كان مسموحا لها أن تمحو الماضي كله ، ماضي الديكتاتورية ، ما عدا عقود الشركات النفطية ! وبهذا الصدد صرح أحمد الجهاني مسئول بالمجلس الانتقالي أن " عقود حقول النفط ذات قداسة مطلقة " ، أي أن حقوق ( إن كانت تلك حقوق ! ) الأمريكيين والدول الغربية ذات قداسة ، وأن الثورة على الطغيان لا تمس الطغيان الأكبر ، ولا تسعي لتحرير مقدرات ليبيا من تلك الهيمنة . والآن نسأل : لماذا أصبح القذافي الذي كان " شريكا لأمريكا " عدوا ؟ . تفسر الصحفية الأمريكية سوزان ليندور أسباب العداوة التي جعلت أمريكا تشن حملتها بقولها إن الخلاف مع القذافي والرغبة في الانتقام منه ولد بسبب إجبار القذافي شركات النفط الأمريكية والبريطانية وحتى الفرنسية والإيطالية على تعويض ليبيا عن المبلغ الذي دفعته لقاء تفجير لوكربي والذي يبلغ نحو ثلاثة مليارات دولار ، وذلك من حصة تلك الشركات من عمليات انتاج النفط . أما عن " الثورة " ، والقوى التي قامت عمليا بعزل القذافي ، فإن يفجيني بريماكوف الوزير السابق في الحكومة الروسية يقول لقناة الجزيرة إن ذلك تم " كنتيجة مباشرة لتدخل القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية في ليبيا ، وقد تحدثت مصادر عديدة عن ذلك " .
أضف إلي ذلك أن أمريكا قامت في أواخر شهر فبراير بنشر قواتها البحرية والجوية حول ليبيا لإحكام الحصار عليها . وفي نفس السياق صرح الكولونيل ديفيد لابان المتحدث باسم البنتاجون " نحن نعيد نشر قواتنا لكي نتمكن من توفير قدرات مرنة بمجرد اتخاذ قرارات " . أما عن مقتل القذافي ، فقد دعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان للتحقيق في ظروف قتله ، بعد أن أظهرته الشرائط المصورة كلها وهو حي ، ثم قيل إنه قتل . كيف قتل ؟ ولماذا ؟. أعتقد أن الثوار – إن كانوا ثوارا – يقومون بمحاكمة المجرمين والطغاة من أمثال القذافي ، ليس فقط لأن من حق الشعب أن يعرف الحقيقة ، ولكن لأن تلك المحاكمات تكون فرصة لتربية الوعي العام . أما المجرمون فيسارعون بقتل المتهم دون محاكمته .
أكرر ثانية إن القذافي طاغية ، كان جديرا بالعزل والمحاكمة وأقسى أنواع العقوبة منذ زمن بعيد ، كما كان صدام حسين ، لكن شتان بين أن يتولى الشعب محاكمته لصالح ليبيا وشعبها ، وبين أن يقتل لصالح شركات النفط الأمريكية ، وبدعم أمريكي في الأساس . ولا يستطيع أحد أن ينكر أن " الثوار " لم يتقدموا خطوة واحدة أو ينتزعوا شبرا واحدا إلا بعد عمليات القصف والتطهير من قبل الناتو ، بينما نص قرار مجلس الأمن رقم 1973 فقط علي " حظر جوي " . أنا لست آسفا على قتل القذافي ، لكني آسف على أن تقوم ليبيا بإزاحة الطغيان الصغير لتضع كل مقدراتها بين يدي آباء هذا الطغيان وصناعه ، فلا تحترم من ماضي القذافي سوى شراكته مع أمريكا وعقود النفط التي وقعها ، هذا هو " الجانب المضيء " من تاريخ القذافي لدي حكام ليبيا الجدد .
لقد حارب عمر المختار الاستعمار الإيطالي بعزيمة شعبه وبكل ما وقع تحت يديه من سلاح بدائي ، لكنه لم يحارب الاستعمار تحت راية الاستعمار، لهذا ظل اسمه أسطورة نضالية . لكن القصة تختلف تماما حين نهتف " وداعا للطاغية .. مرحبا بالطغيان " !
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :