كتب : سليمان شفيق
في الوقت الذي يعتصم آلاف السودانيين على مدار الساعة أمام المقر العسكري الضخم مطالبين الجنرالات الذين تولوا الحكم بعد الإطاحة بالبشير، بتسليم السلطة للمدنيين.
الشارع السوداني ينتظر على أحر من الجمر رد المجلس العسكري على المقترح الذي تقدم به عدد من القوميين والرامي إلى إقامة مجلسين انتقاليين، أحدهما عسكري والآخر مدني. ويلقي جعفر خضر، المعتقل السياسي السابق اللوم على قوى الحرية والتغيير بسبب عدم تواصلها المباشر مع الشارع في الأيام الأخيرة، والغموض الذي يلف المقترحات،و يراوح "اعتصام القيادة" كما يسمى في الخرطوم مكانه أمام مقر قيادة الجيش السوداني منذ حوالى شهر أملا في تحقيق المطالب المرجوة وتحول السلطة إلى أياد مدنية، اعتصام يعيش منذ دخول شهر رمضان بدرجات حرارة عالية تطرح تساؤلا حول نسبة المشاركة خلال الشهر، ويراهن المجلس العسكري علي محاولة شق صفوف المعارضة من جهة وعلي تراجع اعداد المتظاهرين من جهة اخري .
ولكن الجمعة الماضية انضم متظاهرون سودانيون قدموا من إقليم دافور (غرب) إلى ركب المتجمعين أمام مقر قيادة الجيش وسط الخرطوم لمطالبة المجلس العسكري الانتقالي بتسليم السلطة لشخصيات مدنية استجابة لنداء "قوى إعلان الحرية والتغيير". وندد المتظاهرون بالمجلس العسكري وقالوا إنه كان شريك الرئيس السابق عمر البشير، امام هذا الحراك الدرفوري الاخير اضطر المجلس العسكري الي وضع شرط الشريعة الاسلامية بند رئيسي للحوار كنوع من شق الصفوف بين المعارضة ، اما ان ترفض فتخسر الالاف من السودانيين ذو التوجة الاسلامي واما ان تقبل فتكون وقعت في فخ استمرار منهج البشير في الحكم واتاحة الفرصة لعودة القوي الاسلامية والاخوان .
هكذا كانت حيلة المجلس العسكري الحاكم في السودان رد مساء أمس الثلاثاء على مقترحات المعارضة بشأن المرحلة الانتقالية، وأعلن على لسان المتحدث باسمه الفريق الركن شمس الدين كباشي أن الشريعة الإسلامية يجب أن تبقى مصدر التشريع، وأن حق إعلان حالة الطوارئ في البلاد يجب أن يكون "للسلطة السيادية وليس سلطة مجلس الوزراء" مثلما نصت وثيقة "قوى إعلان الحرية والتغيير".(وهو تحالف من مجموعات الاحتجاج والأحزاب السياسية) بشأن المرحلة الانتقالية المقترحة.
وقال شمس الدين كباشي خلال مؤتمر صحفي إن "الوثيقة الدستورية لقوى إعلان الحرية والتغيير أغفلت مصادر التشريع ويرى المجلس أن تكون الشريعة الإسلامية والأعراف مصدرا له". وأضاف لإن الوثيقة "تجاهلت كذلك اللغة العربية كلغة رسمية للدولة"، وحددت "الفترة الانتقالية بأربع سنوات على أن تبدأ من دخول الدستور الانتقالي حيز التنفيذ"، في حين اقترح المجلس العسكري أن تكون المدة الانتقالية سنتين.
وقد سلم قادة التظاهرات الأسبوع الماضي للمجلس العسكري اقتراحاتهم بشأن شكل المؤسسات التي يطالبون بتشكيلها خلال الفترة الانتقالية، مع العلم أن الشريعة الإسلامية كانت المصدر الأساسي للتشريع في ظل حكم الرئيس عمر البشير الذي أطاح به الجيش بعد قضائه 30 عاما في السلطة، ولفت المتحدث باسم المجلس العسكري إلى أن "هناك كثير من نقاط الالتقاء" في الوثيقة التي قدمها قادة التظاهرات، "بينما توجد نقاط تحتاج إلى استكمال". وقال أيضا إن سلطة إعلان حالة الطوارئ في البلاد يجب أن تكون "للسلطة السيادية وليس سلطة مجلس الوزراء" مثلما نصت الوثيقة.
وقال الفريق الركن شمس الدين كباشي "نحن نثق في قوى إعلان الحرية والتغيير ونثق أننا في جلسة تفاوض واحدة سنصل إلى ترتيبات انتقالية.
وتطبيق الشريعة جأت في قوانين اصدرها الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد نميري، قام بموجبها بإعلان الشريعة الإسلا مية وتنصيب نفسه إماما على المسلمين. ولقد ساعده في صياغتها وتنفيذها مجموعة من الإسلاميين على رأسهم الدكتور حسن الترابي(زعيم جبهة الميثاق سابقا/ورئيس الجبهة الإسلامية القومية لا حقا). لم ترض قطاعات واسعة عن تلك القوانين وعارضتها، خصوصا وأنها قد عارضت الدستور وعارضت اتفاقية أديس أبابا التي وقعت بين الشمال والجنوب، أشد معارض لها كان الأستاذ محمود محمد طه، وهو رئيس الحزب الجمهوري، ولقد أخرج منشورا عارض فيه تلك القوانين وأسماها (قوانين سبتمبر) بدلا عن (قوانين الشريعة الإسلامية) ولقد لاقت هذه التسمية قبولا واسعا وشاعت بين أفراد الشعب. بذات القوانين حوكم الأستاذ محمود محمد طه بتهمة الردة-رغم أن القوانين لم تنص عليها-، وقطعت أوصال الكثيرين في السودان بتهمة السرقة أو الحرابة وجلدوا وصلب شخص واحد اسمه الواثق صباح الخير.
في محاكمته قال الأستاذ محمود محمد طه عن رأيه في تلك القوانين: ("أنا أعلنت رأيي مرارا، في قوانين سبتمبر 1983، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام. أكثر من ذلك، فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفّرت عنه. يضاف إلي ذلك أنها وضعت، واستغلت، لإرهاب الشعب، وسوقه إلي الاستكانة، عن طريق إذلاله. ثم إنها هددت وحدة البلاد. هذا من حيث التنظير. وأما من حيث التطبيق، فإنّ القضاة الذين يتولّون المحاكمة تحتها، غير مؤهلين فنيا، وضعفوا أخلاقيا، عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإهانة الفكر والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين. ومن أجل ذلك، فإني غير مستعد للتعاون، مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين".) في 6أبريل من عام 1985م تم الإطاحة بالرئيس الأسبق جعفر نميري إثر ما يسمى بانتفاضة أبريل. هنالك بعض الطوائف الحزبية دافعت عن تلك القوانين وتعتبرها قوانينا إسلامية، مثل جماعة أنصار السنة وجماعة الإخوان المسلمون. كما أن القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي قد أخرج كتابا يدافع فيه عن تطبيق الشريعة في السودان.
ثم جاء البشير بعد نميري وبعد توقيع اتفاق السلام الشامل هذا اصدر البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان الجنوبية ، دستورا مؤقتا ينتهي العمل به في يوليو 2011.
ويعترف هذا الدستور المؤقت، المستند الى الشريعة الاسلامية والتوافق الشعبي، بالتنوع العرقي والثقافي والديني لدولة السودان
كما جعل الانكليزية لغة رسمية الى جانب العربية في هذا البلد الافريقي الكبير
وتنص بعض مواد قانون العقوبات السوداني لعام 1991 على عقوبة الجلد للافعال الشائنة
وسعى العديد من الناشطين السودانيين الى الاعتراض في السنوات الاخيرة على دستورية قانون العقوبات السوداني مؤكدين انه يتعارض مع مواد الدستور المؤقت.
هكذا يحاول المجلس العسكري ليس فقط العودة بالسودان الي حكم البشير بل الي حكم النميري،تري الي اين يقود الصراع بين المجلس العسكري وقوي الحرية والتغيير في وقت ارتفعت اصوات الاخوان من جديد بعد تأسيسهم حركات بأسماء مختلفة .