د. مينا ملاك عازر
أستأنف معك صديقي القارئ، الحديث عن حوار مبارك مع الإعلامية فجر السعيد المنشور في إحدى الجرائد الكويتية الشقيقة، وأتحدث عن باقي ملحوظاتي التي ستقرأها من الحوار.
لاحظ أيضاً أن مبارك كان على صلة مع كل الفرقاء المختلفين في الصف العربي، بين دمشق وبغداد كان على الحياد، وبعلاقات متميزة، برغم أن دمشق كانت أكثر المهاجمين له، وأن بغداد كان أول من أعاد العلاقات مع بلاده، لكنه لم يفرق وساوى بينهم، ولم يغضب هذا، ولم يغضب ذاك، وكان يعرف كيف يتعامل مع كليهما باحترام كما احترموه هو لمواقفه الواضحة التي لا يوجد بها لبس.
كما لاحظت أيضاً بما لا يمكن أن يشوب ملحوظتي هذه شائبة، أنه أي الرئيس مبارك كان له رأي أمام الأمريكان، وكان يصرح به حين طلبوا منه دخول العراق بقواته، ونصحهم بأن يمنعوا إسرائيل من التدخل في حرب تحرير الكويت لألا يؤزموا الأمور، فاكتفى الأمريكان بتزويد إسرائيل بصواريخ تصد الصواريخ العراقية، نزولاً على رأي مبارك، كما أنه كان له أيادي بيضاء على رجال الخليج بوقفاته السياسية معهم والعسكرية للدفاع عنهم، وأنقذ حياة سمو الشيخ زايد، كل هذا بدون أن يكلف خزينة بلاده المال، بل جعلها تستفيد من خصم ديونها في أعقاب المشاركة في تحالف تحرير الكويت.
كما توقفت أمام أمر هام، وهو موقفه من قضية الفرص الضائعة، كما يحلو له أن يسميها أي القضية الفلسطينية وكيف أن السوريين والفلسطينيين أهدروا فرصاً بخاطرهم؟ وكيف أن الأمريكان تاجروا بهذه المسألة، وهنا أتوقف أمام كتاب كتابيه لعمرو موسى الذي يشير في إحدى فصوله لدور غير نزيه قام به مبارك بالتخلي عن عرفات في وقت ما برغم أن مبارك روى أنه ساند عرفات بحضه على عدم التخلي عن القدس، صحيح هذا موقف مبارك لا شك فيه، أعلنه غير مرة، أنه لا يوجد زعيم عربي يمكنه هذا، لكنه في أواخر فترة تولي موسى وزارة الخارجية قال أن تأزم الموقف بينه وبين موسى كان سبب من أسبابه اختلاف رؤاهم حول القضية الفلسطينية وهذا بحسب ما قراته في كتاب موسى.
كما أنه قال بوضوح تام أنه رفض محاولة إسرائيل لدخول الجامعة العربية، وقال عنها في 1996 بيت العرب، وهو ما وافق عليه معه باقي الزعماء العرب تقريباً في عام 2002 بمبادرة الملك عبد الله التي قدمت في بيروت.
كل هذه النجاحات التي تنسب للرئيس مبارك في صعيد السياسية الخارجية لا يمكننا أبداً تجاهل دور وزارة الخارجية المصرية هي والمخابرات المصرية فيها حيث كان لهما دور عظيم في تفوقنا في السياسة الخارجية، ولعل رفض مبارك طلب صدام حسين المقدم من خلال الملك حسين لدمج المخابرات المصرية واليمنية والعراقية والأردنية تحت ذريعة مجلس التعاون العربي، ورفض التعاون العسكري معهم، يؤكد عمق فهم مبارك لأهمية احترام جيشه ولقدرات مخابراته حتى أنه وبحسب وصف موسى في كتابه أنه ارسله لينهي الوجود المصري بمجلس التعاون العربي بعد إصرار صدام على التعاون العسكري والدمج المخابراتي، ما تبين فيما بعد أنه وسيلة لتوريط مصر في احتلال الكويت، وكانت له نظرة صائبة في هذا الانسحاب أيضاً.
أخيراً، أرى أن تمتع الرئيسي السيسي بنفس القدر تقريباً من التفوق في السياسة الخارجية، يرجع لنفس تلك المؤسستين وزارة الخارجية والمخابرات العامة المصرية، فتحية خالصة لهما، أفضل جهازين في مصر.
المختصر المفيد تحية لرجال وطنيين بجد، يعرفون قيمة مؤسساتهم ,أرضهم وإن أخطأوا في أمور أخرى.