بقلم: عادل جرجس
لم يعد خافياً عن الأنظار الدور السياسي للكنيسة والذي يتأرجح من وقت إلى أخر ما بين الازدهار والاندثار حسب طبيعة الأحداث وما تقتضيه أصول اللعبة السياسية، ويخطئ مَن يظن أن الكنيسة تكون على قلب رجل واحد في القضايا المختلفة ولكن ردود الأفعال تختلف وتتنوع داخل جداران الكنيسة وأطيافها المختلفة من أكليروس وعلمانيين، بل أننا نجد أن هناك أشخاصًا بعينهم يتبنون قضايا بعينها قد تختلف والتوجه العام للكنيسة ونحن هنا لسنا بصدد تقيم الأشخاص ولكننا هنا نرصد الاتجاهات.
فمن المعروف أن السياسة هي فن الممكن وفي هذا يسود المنهج الميكافيلي الجميع بصرف النظر عن توجهاتهم ومشاربهم ومنابعهم المختلفة ويكون مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) هو شعار الجميع الذي ينطلقون منه في العمل السياسي، والغاية واحدة للجميع وهي الوصول إلى الحكم أو على أقل تقدير المشاركة في نظام الحكم تلك المشاركة التي تتدرج من جماعة إلى أخرى حسب قوتها السياسية ومردودها الشعبي داخل الجماعة الوطنية ولأن الكنيسة مجتمعة بكل تياراتها لن تستطيع على المدى القريب المشاركة في نظام الحكم لأسباب عديدة يعلمها الجميع فهي تحاول المشاركة بقدر المكان في منظومة الحكم وهو حق مشروع ومكتسب للكنيسة كمكون اعتباري للشخصية السياسية للوطن ولكن الكنيسة لا تستطيع الدخول في تلك المشاركة بشكل مباشر وذلك لأسباب كثيرة أهمها:
ـ عدم وجود تمثيل سياسي أو حزبي للكنيسة يسمح لها بتلك المشاركة.
ـ التذرع بمدنية الدولة عند مطالبة الكنيسة بأي حق سياسي والمطالبة بأن يقتصر دور الكنيسة على الناحية الروحية والدينية على عكس التعامل مع تيارات إسلامية أخرى مثل الإخوان المسلمين أو الجماعة الإسلامية بالسماح لهم بممارسة العمل السياسي بين التضييق أحيانًا والتفريج أحيانًا أخرى من قبل الدولة.
ـ عدم وجود مشروع سياسي متكامل تدفع وراءه الكنيسة، لأن هذا المشروع لم ولن يخرج أبدًا من الكنيسة على الرغم من الحاجة إلية والسبب في ذلك هو أن الكنيسة لا تستطيع تبني مشروع سياسي مدني لأن هذا سوف يكون ضد عقيدتها كما أنها لن يسمح لها بتبني مشروع سياسي ديني يتوافق مع عقيدتها لأن هذا سوف يفتح الباب على مصراعيه للتيار الإسلامي المتشدد ليسيطر بكل قوته على مقادير الأمور داخل الدولة.
ومن هنا أصبحت مشاركة الكنيسة السياسية لابد وأن تكون عن طريق التفويض السياسي المعلن أحيانًا والضمني أحيانًا أخرى لأحد القوى السياسية الكبيرة المتواجدة على الساحة.
ولا حاجة لنا إلى القول أن القوى السياسية الموجودة هما قوتان لا ثالث لهما وهما النظام الحاكم والإخوان المسلمين وعلى هذا انقسمت الأطياف داخل الكنيسة لموالاة إحدى هاتين القوتين والهرولة نحوهما على النحو التالي:

*بالنسبة للنظام الحاكم:
إن الهم الأكبر الذي يواجهه النظام الآن هو توريث الحكم والانتقال الودي للحكم من خلال التداول العائلي وهو أمرًا أصبح واقعًا ولم يعد ينفيه أحد حتى الرئيس نفسه الذي صرح بأن الشعب إن كانوا يريدون جمال فعليهم أن يأتوا به، وهنا يتحول التوريث إلى عمل شعبي نابع من إرادة الجماهير لإضفاء الشرعية عليه، والتقرب إلى النظام لا يوجد له مدخلاً أوسع أو أرحب من هذا المدخل ألا وهو التوريث الشعبي للرئيس المنتظر.
وهنا نجد الكثير من أباء الكنيسة يهرولون نحو جمال مبارك مبايعين ومرشحين ومهللين له ونحن لسنا ضد أن يبايع إباء الكنيسة ما يرونه صالحًا للحكم وهو حق دستوري لهم باعتبارهم مواطنين مصريين ولكن الخطر هنا في أن هؤلاء الآباء يحظون بشعبيات كبيرة تمثل في مجموعها شعب الكنيسة وهو ما يعني اتجاه الكنيسة للموافقة على التوريث.

وهناك البعض يرى أن التوريث أفيد من أن يستولى الإخوان على الحكم ف (نار التوريث ولا جنة الإخوان) وعلى الرغم من "الفكر الجديد" الذي ينادى به جمال مبارك "للعبور إلى المستقبل" فإنه يصعب على المرء قبوله أو رفضه لأن هذا الفكر حتى الآن مازال عاجزًا عن التعاطي مع الملف القبطي بشكل خاص أو الدفع بمشروع سياسي يمكن أن يحل مشكلات هذا الملف في الإطار العام.
وكنت أتمنى أن يخرج علينا المؤيدون لجمال مبارك بمبررات سياسية أثرت على اختيارهم ولكن جاءت المبررات من منطلق أنة شاب ذو أخلاق حميدة ودمث الخلق وتربىَ في بيت سياسي منذ حداثته ومن هذا يظهر لنا إن الاختيار جاء ليس على قناعة بالشخص ولكن قربًا وسعيًا وهرولة نحو النظام.

*بالنسبة للإخوان المسلمين:
إن الراصد والمتابع للشارع المصري لابد وأن يُقر بأن مظاهر التدين الشكلي قد سادت هذا الشارع ومن العبث البحث عن الأيدي التي كان لها الدور الأكبر في هذا التحول، فالجميع يعلم إن وراء هذا التدين جماعة الإخوان المسلمين والتي أصبحت تستمد قوتها السياسية من هذا التدين الشكلي بل أصبحت تسيطر على الكثير من فاعليات المجتمع.
والعجيب أن هذا التضخم السياسي قد بدأ يحظى بمريدين داخل الكنيسة يهرولون له الخطى بشكل متسارع ظنًا منهم أن هذا سوف يحقق لهم بعض المكاسب أو المغانم السياسية بل لعلني أكاد أن أجزم إن هناك البعض داخل الكنيسة يراهن على وصول الإخوان إلى الحكم فبدءوا مبكرًا في موالاة الإخوان، فمنهم من أقام مسجداً على نفقة الكنيسة ومنهم من يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية على القوانين الخاصة بالأقباط وأخر تفرغ لإقامة مدارس إسلامية ودور لتحفيظ القرآن وآخر يستخدم حنجرته في كل محفل بمناسبة أو غير مناسبة ليعدد منافع الأقباط داخل الدولة الإسلامية.

وفي كل هذا لا يعلم جميع هؤلاء أن الإخوان ليس لهم أمان ولا عهد لهم ولكن كل ما يهمهم التسريع بخطة التمكين لحكم مصر والتي قاربت على التنفيذ كما جاءت بوثيقة فتح مصر لخيرت الشاطر نائب مرشدهم الماليزي مهدي عاكف والمسجون حاليًا على خلفية إحدى قضايا الفساد.
إن جميع الأقباط اللذين يهرولون نحو الإخوان يسرعون بإنجاز خطة تمكينهم من هذا البلد تلك الخطة التي إن تم تنفيذها سوف يعاني المصرين جميعًا الأمرين منها  سواء كانوا مسيحيين أم مسلمين.

وهنا تبدو لنا الكثير من الإشكاليات التي تحتاج إلى المناقشة  وتحتاج منّا إلى الكثير من الجراءة والمكاشفة والشفافية وهي:
ــ لماذا لا يتم تقنين الدور السياسي للكنيسة على غرار ما هو موجود بلبنان حتى يمكن لها ممارسة دورها السياسي في العلن ودون الخضوع لأي ضغوط لمولاة قوة سياسية لا تحقق مصالحها حيث تحظى الكنيسة بالاستقلالية السياسية وتحقق مصالح شعبها؟
ــ إن التمثيل السياسي للكنيسة لا يعني بالضرورة إتاحة الفرصة للتيار الإسلامي في العمل السياسي لأنه يفترض أن الهيكل العام للدولة هو هيكل إسلامي ومن ثم لا يكون التيار الإسلامي بحاجة إلى التمثيل السياسي لأن النظام العام للدولة مشرع على خلفية دستورية مرجعيتها بشكل أساسي إسلامية.
ـ متى تتوقف الكنيسة عن الهرولة السياسية ويكون لها مشروعها السياسي المتكامل الذي يدفع وراءه جميع التنويريين داخل مصر بدلاً من إلهاء الكنيسة في مشاكل وقضايا صغيرة وفرعية يتم تضخيمها لإنهاك قوة الكنيسة السياسية؟

أخيرًا فإنني أدعو إلى تكوين تيار شعبي داخل الكنيسة متعدد الأطياف من ليبراليين واشتراكيين وكهنة ومسلمين تنويريين لتبني مشروع قومي قبطي يتم الدفع وراءه من قبل كل هذه التيارات في مواجهة كل السياسات الظلامية حكومية كانت أو إخوانية.