بــالعقـــلِ ... كيـــف ؟؟!!
بقلــم : أنطــونــي ولســن
بالعقلِ ... كيف يا سادة يسود علينا من أرهبنا وأخافنا وبث الرعب في قلوبنا وفرق بيننا ونهب أموالنا وخيرات وطننا وتسبب في تخلفنا وما وصل إليه حال مصر وكل الشرفاء من المصريين ؟؟!!
نعم بالعقلِ ... كيف ؟؟!!
شاهدت هذا العام من المسلسلات الرمضانية مسلسل ( دوران شبرا ) . وحاليا أشاهد مسلسل ( الدالي ج 3 ) .مسلسل دوران شبرا كنت أعيش مع أبطاله في كل مشهد لأنني من مواليد هذا الحي وعشت فيه أجمل أيام حياتي وإن كان الوضع قد إختلف فلم يكن طريق الشر هو الوحيد للحياة . ولم يكن الأخ يكره أخاه ومستعد بالتضحية بالأخ والأم من أجل الوصول إلى ما يصبوا إليه . ولكن كنا ... وما أصعبها كلمة إذا إقترنت بأهات الأسى والحسرة والحزن على ما كنا عليه . سنوات عمر جميلة قضيتها في دوران شبرا لم أعرف يوما أنني قبطي . لا في المدرسة ( الخاصة أو الحكومية ) ولا في الكنيسة ، ولا في الشارع أو الحي أو العمل بعد ذلك والجامعة مع تعددها . أعرف أنني مصري ومحمد مصري وناحوم " مسيحي " مصري و..و ..إلخ . صدقوني عرفت هذه الكلمة " قبطي " هنا في أستراليا بعد 36 سنة من عمري قضيتها في مصر والتي مازالت هي زادي وزوادي الذي أتزود به لأواصل الحياة .
كنت وأنا أشاهد المسلسل أرى أمي وأم محمد وأم سعيد وأم على وأم حنا وأم جرجس تدب فيهم الحياة وتغمرني السعادة ويفرح قلبي الضعيف لعودة الأمل في أن نكون هكذا كما كنــــا .فهل هذا بمستحيل ؟؟!! .
وكما قلت أشاهد الأن مسلسل ( الدالي ج 3 ) وقد قطعت شوطا كبيرا من حلقاته . كما أنني سبق وكتبت مقالاً عن الجزء الأول تحت عنوان " سعد الدالي أسطورة مصرية " . وقد صدق حسي في ذلك القول مما يضع هذا المسلسل أحد قوائم مرجعية للشخصية المصرية المثابرة والأمينة والمخلصة لوطنها .
الفن عند تعريفه نقول عنه أنه ترفيهي في المقام الأول . الترفيه ينقسم إلى ترفيه سطحي لقضاء الوقت أمام شاشة التلفزيون ومادته غالبا ما تعتمد على متناقضات الحياة التي نشاهدها فنضحك دون أن نعرف أنها قد تعكس صورتنا الإجتماعية . وترفيه واقعي لما يعيشه الناس في مسلسل أو فيلم أو تمثيلية مسرحية أو إذاعية ، ولا يمكن إغفال دور الكلمة المكتوبة سواء في الصحف والمجلات وما يصدر من كتب ، أو الأن الإنترنت الذي فرض نفسه على هذا الجزء الهام من الترفيه الذي أقصد به توجه الإنسان لقراءة أو مشاهدة أو الإستماع إلى ما يجد نفسه مشدودا إليه .
لذا أجد فيما يعرض على شاشات التلفزيون من مواد مختلفة ومتعددة مادة هامة جدا لمعرفة ما يجري على أرض الواقع لما يعرض من مواد ترفيهيه سواء درامية أو إجتماعية أو تثقيفية وأيضا فكاهية الطبيعي يشترك مع التلفزيون كما سبق وأوضحت كل أدوات البث والنشر والطباعة .
مسلسل ( الدالي الجزء الثالث ) رؤيتي لما شاهدت أنه يربط تسلسل المسلسل بمراحل تولي الحكم في مصر . أي أنه يتحدث عن فترة ما يحدث في مصر في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك .
مسلسل ( دوران شبرا ) يتحدث عن مرحلة الزمن الجميل الذي كانت تعيشه مصر الذي لم يكن زمن عبدالناصر كما يعتقد البعض . لكنه كان زمن إمتداتدا طبيعيا لما كانت تعيشه مصر قبل إنقلاب العسكر 1952 ، البعض يرجعه إلى ثورة 1919 التي شاهدت تغيرات جذرية في فكر وحياة الشعب المصري والتي لم تكن فقط في تلاحم الشعب المصري في وحدة واحدة ذات أصل مصري متعدد الديانات ، ولا ننسى الرئيس الراحل مصطفي النحاس باشا عندما قدم له الراحل مكرم عبيد باشا قائمة الترشيح قائلا له أن أغلبيتها من المسيحيين ، فجاء رد النحاس باشا لا أحب أن أسمع ذلك تقول هذه قائمة بأسماء المصريين . تلك الحقبة من تاريخ مصر حققت تضامنا بين جميع قوى الشعب ولم يعرف عنها تعصباً واحدا ضد المسيحيين أو المرأة التي نجح قاسم أمين والسيدة هدى شعراوي في ترسيخ وجودها على أرض الواقع المصري وحقها في المساواة في التعليم والعمل وزد على ذلك عدم وضع " اليشمك " أو ما كان يسمى " بالبرقع " على وجهها لتغطيته .
وعن نفسي أضيف تاريخيا عهد التغير الحقيقي الذي بدأ عام 1805 على يد محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة ومؤسس الجيش المصري وأفراده مصريين مسلمين ومسيحيين وبهذا رفع عن المسيحي صفة الذمية لأنه أصبح مشاركا ومشتركا في الدفاع والزود عن الوطن مصر مضحيا بدمه مثله مثل المواطن المصري المسلم . وكان ذلك بمثابة ترسيخ معنى المواطنة بين جميع أبناء مصر .
إذن عند قيام الإنقلاب العسكري عام 1952 كان الشعب المصري عنصرا واحداً متعدد الأديان ولم يأتِ الأنقلاب بجديد غير أن عبد الناصر غرس بذرة التفرقة بين أبناء مصر دينيا وقام بالعمل الذي كانت جماعة الإخوان تريد عمله . جاء من بعده السادات الذي في عهده نمت النبته " نبتة التفرقة والكُره " بين أبناء مصر بسبب الدين وصل إلى حد ما يمكن أن نسمية بالفتنة الطائفية . وكان هو الضحية الكبرى لذلك الفلاتان التعصبي المتشدد الإسلامي . وجاء عصر مبارك الذي أثمرت فيه تلك النبتة التي زرعها عبد الناصر وطرحت طرحاً شريرا فاسدا أطاح بكل ما كان يمكن تداركه لو لم يكن مبارك قد قام بأفظع وأشنع فعل يمكن أن يقوم به أي حاكم مسؤؤل عنده شعرة أو زرة صغيرة من الضمير .
لقد قسم الشعب إلى ثلاثة أقسام .. قسم الموالين له والمنتفعين .. وقسم الشارع المصري الذي غالبيته إسلامية .. وقسم الجزء القبطي المسيحي من الشارع المصري .وإرتاح بعد ذلك فقد ضمن الموالين له وبدأ في بيع مصر لصالح عائلته والموالين . وسلم الشارع المصري الإسلامي للإخوان يفعلون به ما أرادوا . وألقى بعبء مسئولية الشارع المصري من الأقباط المسيحيين على الكنيسة . وهكذا تم هدم أخر لبنة في صرح بناء قلعة وحدة أبناء مصر .
وهكذا تم تقسيم مصر .. قسم مبارك وأتباعه ولا يستحقون أي تسمية غير أنهم جماعة لصوص عملوا على خراب مصر. وقسم جماعة الإخوان الذين سيطروا سيطرة تامة على الشارع المصري الإسلامي وشحنوه ضد كل ما كان طيباً بين أبناء مصر محمد علي ومصر ثورة 1919 وإرتدت المرأة الحجاب والنقاب وسمعنا فتوة حديثة يقول قاءلها " وجه المرأة كفرجها يجب تغطيته " وما أبشعه تشبيه . وأصبح الجامع الذي يرمز إلى مكان تجمع المصلين للصلاة والعبادة ، مكانا لشحن المصلين بما تريده الجماعات الإسلامية المتشددة من أفكار التكفير والكُره والتعصب والإعتداءات المتكررة على بيوت وأماكن عبادة الأقباط المسيحيين . وإرتمى الشارع المصري القبطي المسيحي في أحضان الكنيسة التى تعني " جماعة المؤمنين " فإهتمت الكنيسة ببناء الحيطان وليس بناء الإنسان فأنكمش الإنسان المصري القبطي المسيحي وتقوقع داخل جدران الكنيسة ولم يشارك أو يتفاعل مع ما يدور حوله من أحداث على أرض الواقع .
أعود إلى مسلسل ( دوران شبرا ) وأقول أنه أحد أجمل ما قدم على التلفزيون من أعمال هادفة تعمل على إعادة ما فقده الشارع المصري . لكن مع الأسف أشعر بأنه لم يلقَ التشجيع الواجب بعرضه .. ولا أعرف السبب !! . وهو أحد الموضوعات الهادفة ذات رسالة وطنية أصيلة نتمنى الإكثار منها لترسيخ معنى الوطن الواحد لكل المواطنين ، وأن الدين لله والوطن للجميع .
أما عن مسلسل ( الدالي ج3 ) فقد أظهر حقيقة جوهرية عن ما كان يحدث على أرض الواقع بالشارع المصري بعد أن تم تقسيمه مرتكزا على القسمين الأولين " مبارك وعصابته ، والإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى " فظهر الفساد من عصابة مبارك ، والإفساد من جماعة الإخوان وتم تمزيق مصر ونهب ثرواتها من كلتا الجماعتين فلم يكن لهم أية إهتمامات لا بمصر ولا بالشارع المصري وخاصة أن الجماعات الإسلامية كان الإرهاب له تأثير كبير على فكر وعقل البسطاء من المصريين . فإزداد العنف وأصبح كُره الأخر علنا وعلانية وتأجج الشارع المصري وأحتقن ومن الطبيعي لا شأن للحاكم وعصابته بما يحدث . لأنه كان طرفاً فاعلاً في ذلك لتحويل الأنظار عنه وعن ما يفعله .
ويشارك هذا الجزء من المسلسل كثير من الأعمال الدرامية إن كانت على شكل مسلسل " أوان الورد " كمثال ، وفيلم " طيور الظلام " الذي تشابه معه هذا الجزء الثالث من مسلسل ( الدالي ) وأيضا كمثال فقط ...
نأتي إلى الختام بالعودة إلى ما كتبناه في بداية المقال :
بالعقلِ ... كيف يا سادة يسود علينا من أرهبنا وأخافنا وبث الرعب في قلوبنا وفرق بيننا ونهب أموالنا وخيرات وطننا ، وتسبب في تخلفنا وما وصل إليه حال مصر وكل الشرفاء من المصريين ، ونحن مقبلون على أهم إنتخابات لا مكان للأحرار من المصريين الذين لم يستطيعوا التلاحم مع قوة شباب الثورة .. ثورة 25 يناير من هذا العام 2011 بعد أن تم الإلتفاف حولها وإجهاضها ..؟؟!!
نعم ... بالعقلِ كيف ؟؟!! .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :