بقلم: صفوت سمعان يسى
كنت كتبت مقالة منذ ثلاثة أيام عن مخاطر انعقاد احتفالية مارجرجس فيما يسمى بمولد مارجرجس الرزيقي بمركز أرمنت بمحافظة الأقصر، وحذرت فيها من وقوع أحداث تجعل من عمل احتفال مثل كل سنة هي عملية صعبة ومحفوفة المخاطر نظرًا للانفلات الأمني والسياسي الذي تشهده كل مصر وليس الأقصر فقط، فمن المعروف تعرض زوار الدير لسرقة مساكنهم ونشاطهم التجاري بسبب خلو عمارات كاملة وأحيانًا مناطق وقرى كاملة بسبب ذهاب الجميع للدير، وترك مساكنهم ومحلاتهم بدون وجود أشخاص مما يعرضها للسطو والاستيلاء عليها وعلى رؤوس أموالهم، وكذلك قرب المنطقة من الطرق المؤدية للوادى الجديد وأسوان الصحراوي، وهي منطقة مفتوحة بالكامل ويصعب تأمينها وما تمثله من مخاطر تهريب اسلحة من الحدود الليبية و الحدود السودانية وهي مدقات معروفة للتهريب وما يعنى ذلك من تعرض الزائرين لأخطار محتملة قد تودي بأرواحهم وكذلك تمركز التيارات المتطرفة فى تلك المنطقة وما يعني ذلك من إحداث أكبر عملية من فتن طائفية لكسب أصوات انتخابية للتصويت لصالحهم بحجة نصرة الدين ورفع شأنه.
ومن الغريب أنه في تالي يوم من كتابة المقالة التحذيرية اتصل رهبان الدير وقالوا أن هناك معركة تبادل إطلاق نيران كبيرة لمدة أكثر من ساعتين، بين بلطجية ونقطة مرور الرزيقات، وهي المرة الثالثة التي يتم الاعتداء عليهم فيها، ففي المرة السابقة استولوا على أسلحة الكمين بعد معركة دامية، وبعدها بساعات تم مقتل اثنين شباب مسلمين في الطريق العام ما بين الأقصر و أرمنت (وإن كنت لا أحب ذلك التقسيم الديني ولكن على سبيل الاستدلال) وأحد محامى والآخر موظف في بنك مصر بأرمنت، بسبب هجوم بلطجية لأخذ سيارتهم الجديدة ولكنهم رفضوا الانصياع للبلطجية مما أدى لإطلاق النار عليهما ومصرعهما في الحال.
ولكن المثير للسخرية هو ما حدث اليوم من إبلاغي بحرق خيام الدير اليوم ومن توالي الأحداث بسرعة وبشكل خطير، وسافر يؤكد ما كتبته سابقًا وما اعترض البعض عليه من أنه لابد من عمل المولد مهما حدث و بحجة أنه لو تطلب الاستشهاد فسنتشهد، وكأننا داخلين معركة دينية حربية، لا زيارة دينية للتبرك ووفاء للنذور، لا تستدعي تعرض أي فرد منا للموت، حيث أن التخييم والمبيت عادة صعيدية ولا ترتبط بأي طقوس دينية، وأتسأل عندما حدث وباء أنفلونزا الخنازير فى السنوات السابقة لماذا قصرت احتفالية المولد على الزيارة فقط، ولم يسمح بالمبيت أو التخييم فلماذا لم نقل فلنذهب ونبيت ومن منا يموت بالعدوى فهو شهيد، فهل من الحكمة عندما نرى أن المبيت والتخييم سوف يؤدى إلى مشاكل ناجمة بسبب الانفلات الأمني من سرقة وضرب و خطف وهي ليست قاصرة على منطقة الدير فقط، وبعد ذلك نصر إصرارًا شديدًا وعجيبًا على تأدية الاحتفال كاملًا مهما تعرض الناس لمخاطر، ونقول أن ذلك جزء من الإيمان ونظرية الاستشهاد...!!! وهل العنف قاصر على الأقباط فقط أم مصر كلها مبتلية به...!!!
وهل وعود الأمن بالحماية الكاملة ستحول وتقلل من المخاطر، فالأمن نفسه يتعرض لمخاطر البلطجة ويعانى الأمرين منها، و من يوعد بذلك لن يستطيع حتى حمايه نفسه..!!!
فحادثة حرق أكثر من مائتان وسبعون خيمة بتكلفة تتجاوز ثلاثمائة ألف جنيهًا أثارت السخط والغضب بين كافة الأقباط وكذلك بين الرهبان الذين يرون المخاطر التي تحدق باحتفالية مولد مارجرجس، ويرون العجب من استمرار تعنت القيادات الكنسية العليا من الإصرار على الاستمرار بشتى الطرق في أدائها كاملة وهم لا يستطيعون البوح بذلك خوفًا من غضب رؤساءهم.
فعند إبلاغي بالحادثة ذهبت فورًا وكان مشهدًا مأساويًا أن يحترق أكثر من مائتين خيمة وبسرعة شديدة، وعند إطفائها تشتعل بداخل الدير سبعون خيمة أخرى تقريبًا، وهي تبعد عن الأولى بأكثر من مائتين متر ويفصلهما سور عالي، و تشتعل بنفس الكيفية والسرعة مما يرجح أن يكون الحريق قد أشتعل بفعل فاعل، وليس كما يقول التليفزيون المصرى (إعلام جوبلز) من أن وابور أو لمبة جاز أدى لاشتعالها...!!! فالخيام لا يقيم بها أحد، والكهرباء لم تصل إليها، وأن بدء وصول الزوار للدير للاحتفال سيكون يوم عشرة نوفمبرالقادم ولمدة أسبوع.
وقد تم ضبط ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم مابين العاشرة والثالثة عشرة، ومعهم ولاعة غاز، وكذلك موظف بمجلس مدينة أرمنت، مطلق لحيته وحاف شاربه، وسائق بجلابية، وأعمارهم تتراوح ما بين خمسة وأربعون سنة وخمسين سنة، وكان أحد الرهبان قد شك فيهم حيث سمع الموظف يقول في المحمول أنه كله تمام، فلما سألوه "إيه هو التمام" فقال "أنا كنت باخاطب رئيسي في العمل"، ولكن الدير تحفظ عليه، وعلى تليفونه للكشف عن هوية المكالمات، إلى أن جاء مدير الأمن والمحافظ، وطلبت منهما أن يأخذوهم لقسم الشرطة والنيابة حتى لا يتجمع أهاليهم من المنطقة المجاورة وتحدث فتنة طائفية، وأن التحقيق شأن الشرطة والنيابة وهم الجهات المنوط بها القيام بذلك، وأن لا يوصف الحدث إلا جنائيًا حتى لا تحدث مشادات واتهامات متبادلة، ومن الممكن ألا يكون المتهمين ضالعين في تلك الأحداث، خصوصًا بعد إفراج النيابة اليوم عليهم بضمان محل إقامتهم ووظائفهم.
كما صمم محافظ الأقصر السفير "عزت محمد سعد" على إجراء التحقيق الفوري، ورفض أي تنازل عن ذلك، بسبب الخوف من حدوث ضغينة بين أهالي المنطقة والرهبان، وحتى يتم الكشف عن المتورطين في ذلك الحدث، وصرح بأن معظم النار من مستصغر الشرر، وأمر القيادات الأمنية التي حضرت كاملة ومدير الأمن الجديد اللواء "أحمد أبو ضيف"، بعمل اللازم وتأمين الطريق للدير، بعد أن أبلغه بعض الأهالي بأن الناس يتعرضون في منطقة الرياينة للتحرش، وهي منطقة الموظف المقبوض عليه، وأن هناك نية للهجوم على الدير للرد على القبض عليه، وتم تأمين الطرق بعشرات عربات الشرطة والأمن المركزي.
ولكن الشيء الغريب محاولة المسئولين الكنسيين عن الدير القائمين في مصر على تنظيم الدير وجمع إيراداته، على التعمية والتغطية بقول أن هناك عدد قليل من الخيام حرقت، وذلك بحجة عدم تخويف المترددين على الدير وكذلك الإصرار على إجراء الاحتفالات كاملة رغم كل الأسباب السابقة.
فإذا كان قداسة البابا قد ألغى الاحتفال بعيد جلوسه بسبب أحداث ماسبيرو، فلماذا لا يتم المثل بذلك أو على الأقل قصر إقامة الاحتفال بالمولد على الشعائر الدينية احترامًا وتعاطفًا مع دماء شهداء ماسبيرو، وجعل الزيارة في مواعيد محددة بدون مهرجان التخييم والمبيت والتي أحيانًا تسيء ولا تتناسب مع قدسية المكان، وهي لن تؤثر على إيرادات موسم الاحتفال فمن معه نذور أو ذبائح أو تبرعات فسيأتي طبقًا لوعده وسيوفي بها.
ومن الأهمية أن تكون مصالح وأرواح ودماء الأقباط مقدمة على منفعة جلب الإيرادات والنذور، فهل من مجيب...!!!