الرهبنة القبطية وتأثير الأوضاع السياسية (1-3)
بقلم: سوزان قسطندى
"لأن الشياطين إذ عرفت ضعفها حرّضت البشر قديماً على أن يحارب بعضهم بعضاً، لئلا يلتفتوا إلى محاربة الشياطين إن كفّوا عن محاربة أنفسهم. أما الذين يتتلمذون للمسيح فإنهم لا يحاربون بعضهم بعضاً بل يتجنّدون ضد الشياطين بأخلاقهم الفاضلة وأعمالهم المجيدة فيهزمونها ويهزأون بالشيطان رئيسها، لهذا نجدهم فى شبابهم يكبحون جماح أنفسهم وفى التجارب يحتملون وفى الأتعاب يثابرون وإن شُتِموا يصبرون وإن صُلِبوا يستخفّون بالأمر والمدهش أنهم يحتقرون حتى الموت وفى سبيل المسيح يستشهدون" (من أقوال القديس أثناسيوس الرسولى).
الإضطهاد الرومانى الوثنى للمسيحية وأثره فى إنتشار الرهبنة القبطية :
كان الإمبراطور الرومانى تراجان (98- 117م) هو أول إمبراطور يعلن أن المسيحية ديانة محرّمة، وأحيا التشريعات الصارمة ضد جميع الهيئات والجماعات السرية (وقد أعتُبِرَت إجتماعات المسحيين الدينية من هذا النوع).. وظلت الدولة الرومانية تسير فى تعاملاتها مع رعاياها المسيحيين على هدى هذه القوانين التى إستنّها تراجان لأكثر من قرن من الزمان.
وكان إضطهاد الإمبراطورالرومانى سبتميوس ساويرس (193- 211م) دون باقى القياصرة منحصراً بالأخص على العالم المسيحى فى مصر وأفريقيا، لأنه لم يكن يخشى من المسيحيين سوى الأقباط وذلك لمعرفته بوفرة ثروتهم وغزارة علومهم ومعارفهم.. ولما كان لا ينقص أهل مصر فى ذلك الوقت للتخلّص من نير الرومانيين غير الإتحاد والوئام، ولماكان الدين المسيحى هو العامل على لم شعثهم ونظم عقدهم، فقد حاول القيصر أن يلاشى ذلك الدين من مصر غير مكترث بمسيحى باقى الأقطار.. وقد إستشهد من الأقباط فى ذلك الإضطهاد كثيرون، ولشدة الإضطهاد ظن المسيحيون أن المسيح الدجّال قد ظهر، وانتشرت الأخبار بينهم بأن المسيحيين فى كل العالم قد عملت السيوف فيهم وقُتِلوا فلم ينج منهم إلا من لجأ إلى الجبال واختفى فى المغائر.
إن نظرة عابرة إلى حالة مصر السياسية منذ أوائل القرن الثالث الميلادى تكفى لإدراك ما عانته المسيحية من دائب إضطهاد الأباطرة الرومانيين لها.. وكان هذا الإضطهاد الدائب عاملاً من عوامل إنتشار الرهبانية.
ففى سنة 215م أمر الإمبراطور كراكلا بإعدام عدد كبير من أهالى الأسكندرية بسبب مسيحيتهم، وتكررت هذه التجربة الوحشية فى عهود الأباطرة ديسيوس (249- 251م) وجالوس (251- 254م) وفاليريانوس (253- 260م) وجالينوس (260- 268م).. على أن أشد نوبات الإضطهاد هو ما حدث فى عهود الأباطرة ديوكلتيانوس (دقلديانوس) (284- 305م) وجاليريوس (305- 311م) ومكسيميانوس (305- 313م).. ففى سنة 297م حضر دقلديانوس بنفسه إلى مصر لإخماد حركة العصيان التى قام بها لوكيوس دومتيوس دومتيانوس القائد الرومانى (وهو المعروف أيضاً بإسم أخليوس) وإنتهت هذه الحركة بما قام به دقلديانوس من عمل فظيع إذ أخرب جزءاً كبيراً من الأسكندرية، ومع أن هذا العمل الفظيع أعاد الهدوء مؤقتاً إلى الأسكندرية- ومع أن دقلديانوس سعى إلى شراء ذمم بعض الوثنيين من مصر بما وزّعه من القمح والعطايا كما دفعهم إلى إقامة العمود المعروف بعمود السوارى، فإن إنتشار المسيحية فى مصر إنتشاراً كبيراً دفع هذا الإمبراطور فى أواخر أيامه إلى إضطهاد المسيحية وغيرها من الديانات الخارجة على الديانة الإمبراطورية، وصار أوج هذا الإضطهاد سنة 303م حين أصدر منشوره المعروف الذى أمر فيه عملائه بإبادة الكنائس وحرق الكتب المسيحية كما قرر فيه أيضاً حرمان المسيحيين من حقوقهم المدنية وإستباحة دمائهم ( وقيل أن عدد الذين قُطِعت أعناقهم هذا العام فقط لأجل إقراراهم بالمسيح كان نحو 140 ألف نفس ماعدا 700 ألف نفس هلكوا بالحبس والنفى.. حتى ذكر بعض المؤرخين أن عدد الشهداء حينئذ بلغ 840 ألف نسمة ويظهر أنه مجموع شهداء إضطهادات الثلاثة ملوك.. ومن ذلك الحين أخذ عدد الأقباط يتناقص من عشرين مليوناً إلى عشرة ملايين).
ولم يكن منشأ ذلك كراهية الأباطرة للمسيحية فحسب، بل إمعاناً فى أن يكون إخلاص الناس بقلوبهم وأجسامهم للإمبراطور والإمبراطورية دون غيرهما من القوى- وهو ما يعارض المبادئ المسيحية تمام المعارضة.. ولذا إجتهد المسيحيون الذين إختاروا البقاء على دينهم أن يختفوا بعيداً عن عنف القوانين الرومانية الجامدة، وكانت الصحراوات المصرية الفسيحة خير مكان لهؤلاء المسيحيين.
ويصف د. حكيم أمين آباء الرهبنة القبطية بأنهم "المثل التى أضاءت برارى مصر وأضاءت تاريخ المسيحية بشعلة من النشاط العلمى والروحى"، ويضيف "هذه المثل إنما تُظهِر بجلاء أحوال مصر فى هذا القرن (الرابع)، وكيف أن الرهبنة كانت مقاومة صامتة للإحتلال الرومانى للبلاد، وكيف أن الأباطرة حسبوا ألف حساب لكل هذه الجيوش التى ملأت صحارى مصر وقفارها- لا هرباً من المسئوليات وإنما كفاحاً من أجل الروح مع عمل مثمر من أجل الحياة الجسدية أو الحياة المادية دون أن تطغى المادة على الروح، فكانوا بذلك الشعلة الأولى التى أضاءت ظلام العصور الوسطى".
ثم إنتهت محنة الإضطهاد الرومانى القديم عندما أصدر الإمبراطور قسطنطين الكبير مرسوم التسامح الدينى من ميلان عام 313م، وهو يشقّ طريقه إلى العرش الإمبراطورى ليجذب إلى جانبه العناصر المسيحية.. وبهذا المرسوم أصبحت المسيحية لأول مرة فى تاريخها ديانة مسموحاً بها إلى جانب الديانات الأخرى.. ولم يعد المسيحيون بحاجة إلى الإبتعاد والعزلة فى الصحراء.. غير أن عوامل أخرى دفعت بكثير منهم إلى البقاء فى رهبنتهم، بعض هذه العوامل دينى وبعضها إقتصادى.. ولا شك أن العوامل الدينية وما فيها من إخلاص للخالق والرغبة فى إماتة الشهوات الجسدانية وتغليب النواحى الروحية صار لها أثرها الكبير فى بقائهم، هذا فضلاً عما تمتّع به المسيحيون فى الصحراء من الأمن الجسدى والروحى الذى فقدوه فى داخل البلاد بسبب الإضطرابات الناشئة عن إغارات قوات البالميريين والبليميز فى عهد الإمبراطور "كلوديوس الثانى" (268- 270م)، ثم أن سوء الحالة الإقتصادية فى مصر منذ أوائل القرن الرابع الميلادى ساعد على إزدياد إنتشار الرهبنة - فلم تكن هناك قوانين فى القرى أو فى المدن وأصبحت الضرائب عبئاً ثقيلاً زاده ثقلاً قسوة جامعيها الذين كانوا يُختارون من وجهاء المدن أو المناطق الأخرى بالإمبراطورية (وهؤلاء عُرِفوا بإسم Curiales) حتى أن عدداً كبيراً من صغار المزارعين تنازلوا عن أرضهم لكبار المُلاك من الأجانب وفضّلوا ترك بيوتهم وأراضيهم وأولادهم ليحيوا حياة اللصوص أو ليتركوا العالم بما فيه إلى حياة رهبانية توفِّر لهم الأمن رغم ما فيها من العيش على الكفاف.. ويضاف إلى تلك العوامل السابقة فى إنتشار حركة الرهبانية قانوناً أصدره الإميراطور قسطنطين الكبير أعفى الأعزب ومن لا أولاد له من الضرائب كما أعفى الرهبان من الخدمة العسكرية، فأغرى هذا وذاك الكثيرين إلى الإمتناع عن الزواج والذهاب إلى الأديرة حيث أمكنهم أن يجدوا الحياة السالمة الهادئة البعيدة عن الأزمة الإقتصادية الطاحنة فى ظل حياة روحية سامية.
وبلغت الرهبنة القبطية أوج عظمتها فى القرنين الرابع والخامس الميلاديين.. على أن أصول النظام الرهبانى المسيحى ظهر أول ما ظهر فى مصر المسيحية خلال القرون الأولى لإنتشار المسيحية، حيث كانت هناك نماذج لـ "نظام العزلة" عاشوا على أطراف المدن أو القرى ولم يكن هناك منهج روحى أو نظام معيّن يعيش عليه هؤلاء فكانوا بمثابة مقدّمات مهّدت للنظام الرهبانى، منها الجماعية (مثل فرنتونيوس Frontonius -وهو أحد أثرياء الأسكندرية- والسبعين شخصاً الذين خرجوا بصحبته إلى برية نتريا حوالى عام 150م ثم تذّمروا عليه بسبب قلة المؤن التى تعوّد أحد أغنياء الأسكندية أن يبعث بها إليهم فتفرّقت الجماعة واندثرت معالمها بموته) ومنها الفردية (مثل الأنبا بولا أول السواح الذى عاش فى عزلة أكثر من تسعين سنة بالبرية الشرقية بإحدى جبال البحر الأحمر لا يرى وجه إنسان، والقديسة مريم المصرية السائحة -وهى من مدينة الأسكندرية- والتى إعتزلت خمسة وأربعين سنة بإحدى برارى الأردن بفلسطين لا ترى وجه إنسان.. ثم جاء الأنبا أنطونيوس أب الرهبان ليؤسس "نظام الجماعات الرهبانية فى صورتها شبه التوّحدية"، حيث كان الرهبان يعيشون فى مغائر أو قلالى منفصلة ويجتمعون فى المناسبات للخدمة الإلهية أو المناظرات الروحية، وهكذا كان القديس يهيئ الطريق لنظام الجماعات- كما يصف البابا أثناسيوس.. وتأسس "نظام الجماعات الرهبانية" فى نتريا وسليا على أيدى الأنبا آمون وفى شيهيت على أيدى الأنبا مكاريوس الكبير (إذ قد تركّزت الجماعات الرهبانية فى وادى النطرون فى ثلاثة مناطق رئيسية هى: نتريا، وسليا (القلالى)، وشيهيت (الإسقيط) والذى دعى أيضاً بإسقيط مقاريوس)، وفى تلك المناطق لم يعش النسّاك فى عزلة كاملة وإنما فى قلالى أقيمت على مسافات حتى لا يرى الواحد الآخر ولا يسمعه.. وجاء الأنبا باخوميوس أب الشركة ليؤسس" نظام الشركة الرهبانية" فى صورتها الديرية المعروفة، حيث يعيش الرهبان كجماعة داخل سور واحد فى حياة شركة معاً تحت قيادة أب يخضع لقوانين معينة، وفى هذا النظام يشترك الرهبان فى الصلوات اليومية وأيضاً فى الطعام وكل يمارس عملاً يناسب إمكانياته أو مواهبه فى الدير حسبما يشير رئيس الدير، وفى ظل هذا النظام لا تفقد الرهبنة الرغبة نحو التوّحد غير أن الشركة لم تكن سلّماً للتوحّد.. وقد أُعتُبر الأنبا شنودة رئيس المتوحدين أحد مؤسسى الرهبنة، وكان نظام الشركة الرهبانى الذى وضعه أكثر شدة من نظام الأنبا باخوميوس، وقد جمع بين الحياة الديرية وحياة الوحدة أيضاً، وبينما كان الأنبا باخوميوس يعتبر أن نظام الشركة هو قمة السمو الرهبانى كان الأنبا شنودة يعتبر أن نظام الشركة فترة تمهيدية يدخل الراهب بعدها بسنوات قليلة إلى حياة الوحدة والإنفراد، وإزداد عدد المتوحدين جداً فى عهده حتى استحق لقب "رئيس المتوحدين".
ظهور هذه الأشكال المختلفة من الرهبنة فتح الطريق أمام الكثيرين من المؤمنين للتمتع بالحياة الملائكية، إذ كان كل واحد يختار النظام الذى يناسب شخصيته وإمكانياته.. ويليق بنا أن نلاحظ أن مؤسسى هذا الأنظمة لم يتعصّبوا لأنظمتهم بل مدحوا كل منهم النظامين الآخرين، فأنطونيوس فى حديثه مع الأخ زكاوس (أحد تلاميذ باخوميوس) مدح نظام الشركة قائلاً أنه موحى به من الله وأنه مسرور به جداً كما قال له "أنتم جميعكم صرتم كالأب باخوميوس، أقول لكم إنها لخدمة عظيمة قام بها أن يجمع إخوة كثيرين هكذا سالكاً طريق الرسل"، وأيضاً باخوميوس والمعاصر لأنطونيوس (وهو أصغر منه) فتح أديرته للمتوحدين الذين عاشوا فى برارى تلك المنطقة وكان له أحاديث كثيرة معهم بخصوص الحياة الروحية كما مدح الأب أنطونيوس بكونه المثل الكامل لحياة الوحدة قائلاً "فى جيلنا رأيت فى مصر ثلاثة رؤوس نالوا نعمة من الله لنفع كل الفاهمين: الأسقف أثناسيوس (يقصد البطريرك) البطل المجاهد من أجل الإيمان بالمسيح حتى الموت، وأبا أنطونيوس القديس المثل الكامل لحياة الوحدة، وهذه الجماعة التى هى شكل لكل الراغبين فى أن تجتمع النفوس معاً فى الله للإهتمام بها حتى يصيروا كاملين"، أيضاً كان مؤسسو نظام الجماعات على إتصال وثيق بالأب أنطونيوس يشجّعون بعض تلاميذهم للحياة كمتوحّدين كما كانوا على إتصال بالأديرة الباخومية- فقد زار القديس مكاريوس الأسكندرى القديس باخوميوس وبقى فى ديره بطبانسين (دندرة) أربعين يوماً.
وذاع صيت كثيرين جداً من كبار آباء الرهبنة القبطية (ومن بينهم أجانب تنسّكوا بين رهبان الأقباط) فى تلك الحقبة، مثل مكاريوس الأسكندرى وإيسيذوروس قس القلالى ودانيال قس الإسقيط ومار إسحق وموسى الأسود وأرسانيوس ومكسيموس ودوماديوس وأنبا بموا وأنبا بيشوى ويوحنا القصير ويحنس (يوحنا) كاما ومار أفرام السريانى وتادرس الإسقيطى وتادرس تلميذ أنبا باخوميوس وويصا تلميذ أنبا شنودة وبولس (بولا) البسيط وصيصوى (شيشوى) وبفنوتيوس وبيصاريون وسرابيون الكبير وأغاثون وبيمن وببنودة وزينون وزكريا وأشعياء الإسقيطى ونيلس السينائى ويوحنا سابا (الشيخ الروحانى) ويوحنا السينائى (يوحنا كليماكوس أو الدَرَجى أو السُلََّمى مؤلف كتاب سلم الفضائل) ويوحنا كاسيان، ومن السواح أبا نوفر وكاراس وغاليون وبلامون وميصائيل، ومن الأمهات سارة وسفرنيكى وتاؤدورة وبائيسة وتائيس ومارينا وأبوليناريا وإيلارية وأناستاسية الشماسة وأناسيمون الملكة السائحة.
غارات البربر وخراب الأديرة :
أصيبت الحركة الرهبانية بالإنتكاس لما تعرّض له الرهبان من غزوات قبائل البربر بشكل ملحوظ منذ أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس الميلادى، وخاصة على منطقة الإسقيط (برية شيهيت، وادى هبيب) للحصول على مادة النطرون المستخرَجة من هذه المنطقة.. ولذا قل عدد الرهبان إذ نزحوا بعيداً عن الوادى فراراً من هؤلاء البربر الذين لم يكتفوا بذبح الرهبان بل أنهم هدموا قلاليهم.
ويبدو من وصف المقريزى فى القرن الخامس عشر الميلادى ووصف إبن مماتى للثروة المعدنية بهذا الوادى أن إغارات البربر فى القرون المسيحية الأولى لا بد أنها أثّرت تأثيراً كبيراً فى الحركة الرهبانية.
كانت الأديرة الباخومية فى مأمن من الغارات الخارجية بسبب الأسوار الضخمة التى أحاطت الأديرة، وبسبب موقع هذه الأديرة بعيداً عن طرق البرابرة. وهكذا ظلت جماعات نتريا والإسقيط عرضة لغارات البرابرة بسبب عدم وجود تلك الأسوار وعدم وجود حصون يلجأ إليه الرهبان للحماية.
أول غارة لهؤلاء البرابرة على رهبان شيهيت يمكن تحديدها عام 410م أى أواخر عهد البابا ثاؤفيلس 23 (385- 412م)، والظاهر أن أكثر الرهبان رحلوا عن هذه الصحراء عند ظهور البربر بها ولم يبق على الأرجح سوى القديس أرسانيوس الذى أقام مع قليل من الرهبان إختفوا فى سراديب أو آبار.. وإذ عاد بعض الرهبان ممن فرّوا بعد مذة وجيزة، فإن الغارة الثانية حدثت حوالى عام 430م، ويظهر أن أكثر الرهبان إنزعجوا بشدة حيث قتل البربر تسعة وأربعين شيخاً من الرهبان، وفرّ أرسانيوس نفسه ليقيم فى دير طرا إلى نهاية حياته.. وحدثت الغارة الثالثة فى عهد البابا ديوسقورس 25 (442- 452م) .. وغارة أخرى حوالى عام 525م فى أيام البابا دميان 35 - ومما يذكر عن هذا البطريرك أنه أعاد فى أول عهده بناء قلالى الرهبان التى أُطلق عليها منذ ذلك الوقت "الأديرة الأربعة"، غير أن البرابرة إنقضّوا عليها مرة أخرى وأحلّوا بها الخراب بدرجة أطالت تأثير هذا الحادث فى النفوس وأحزن هذا البطريرك كثيراً.
وهكذا توالت الغارات البربرية فى القرنين الخامس والسادس الميلاديين.. وفى هذا ما يشير إلى أن الحصون بشكلها الذى يشاهَد الآن فى الأديرة الحالية لم تكن قد أُنشِئَت حتى القرن السادس الميلادى.. ولو كان هناك حصون فى القرن الرابع لذكرها الرحّالون وقتذاك.. ولعل السبب فى تفكير جماعات الرهبان فيما بعد فى بناء الحصون هو ضعف الحكومة الرومانية وعدم مقدرتها على حماية الرهبان، مما حدا بهم إلى العمل على تأمين أنفسهم من هذه القبائل البربرية التى عُرِفَت بإسم قبائل المازاكى والمريوطيين (ويقال أن الذى بنى تلك الحصون بالأديرة هو الملك زينون (474- 491م) تكريماً لإبنته الراهبة إيلارية التى تنسّكت فى برية شيهيت -متخفّية فى زى الرجال بإسم الراهب إيلارى- وذاع صيتها بعد نياحتها فى العالم كله).
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :