ماجد سوس
تساؤلات كثيرة طفت على سطح المجتمع في الآونة الأخيرة حول هيمنة بعض رجال الدين المسيحي والإسلامي على حياة الناس ولا سيما فيما يخص الأحوال غير الدينية والروحية الخاصة بهم وهل تلك الظاهرة قد أصبحت متفشية بين المصريين إيّما وجدوا سواء داخل مصر أم خارجها.
الأمر الذي يتطلب معه دراسة هذه الظاهرة وأسبابها والنتائج المترتبة عليها وكيفية مواجهتها في ضوء البنوة الروحية وبتجرد دون المساس بكرامة رجل الدين أو هيبته اللائقة في حدود اختصاصه ودوره في المجتمع كخادم أمين لدينه وفي حدود علمه ودراسته وأبحاثه، إن وجدت، خاصة أن كلنا يعلم دور رجل الدين وتأثيره القوي في كل مجالات الحياة بل حتى على الحاكم والمحكوم .
أصبح المصري يستشير رجل الدين في كل تفاصيل أموره الحياتية حتى تلك التي تخرج، كما أسلفنا، عن المجال الروحي أو الشرعي متصورا أن رجل الدين يعرف في كل شئون الدنيا والدين حتى ولو دون علم أو تخصص أو دراسة فصاروا يسألون رجل الدين في الاقتصاد والسياسة والطب والهندسة والقانون وعلم النفس وخلافه.
أصبح تأثير رجال الدين على المجتمع يأتي قبل تأثير العلماء المتخصصون وقبل الإعلام والصحافة بل وأحياناً قبل الآباء والأمهات وقد قال لي صديقاً ،صار كاهناً شهيراً ،ضاحكاً: " أن كل ما كنت أتكلم به وسط الناس وما كنت أنصح به الشباب لعدة سنوات دون أن يلتفت أحد لآرائي أنجزته في أقل من سنة واحدة بعد أن أصبحت كاهنا" فسألته ما تفسيرك لهذا طالما أنت أنت لم تتغير فقال لي أنه الجلباب الأسود يا عزيزي الذي له تأثير قوي على الناس فقلت له هذا جيد ولكن ماذا لو لأنك لست بخبير في مجال ما وسئلت عن امر خاصاً فهل ستجيب هنا سنقف أمام مشكلتين الأولى تأتي من جانب السائل الذي يتوقع أن يجاوبه رجل الدين عن أي شيء بل البعض يأخذ رأيه أنه صوت الله حتى والمشكلة الأخرى من الجانب الآخر وهو رجل الدين والذي الدفة بيده فله أن يوجه السائل نحو الطريق الصحيح الذي يقوده إلى الإجابة الصادقة وعليه أن يطلب منه الذهاب لمتخصص يقوم بدراسة الأمر جيدا وكل هذا لا يمنع أن يركز رجل الدين في الجانب الروحي وأهمية الصلاة والطلبة وطلب مشورة الله.
الأمثلة كثيرة جدا فتجد هناك من يأخذ رأي رجل الدين في الهجرة خارج البلاد من عدمه رغم أن رجل الدين هذا قد يكون لم يتغرب من قبل أو يعلم أي شيء عن حياة المهاجر أو الدولة التي سيذهب إليها فتجده إما أن يغلق باباً قد فتح أمام السائل أو يغلقه.
وهناك من يسأل رجل الدين ليختار له الوظيفة أو العمل وقد قابلت رجلا يحمّل رجل دين مسئولية فشله في أحدى الوظائف حين قال له لا تأخذ هذه الوظيفة واقبل الأخرى وحين فشل في الأخرى ألقى بمسئولية فشله على رجل الدين.
صدقوني حتى في أمر الزواج عليك أن تطلب من رجل الدين أن يصلي فقط من أجلك ولكن لا تطلب منه أن يختار لك فهو لا يرى الأشخاص إلا من الخارج في ظواهرهم وهو أمين على اعترافات الناس فلا يجوز له أن يكشف لك عن أسرارهم ففي الزواج عليك مع الصلاة أن تدقق في إختيارك وتأخذ فترة كافية في الخطوبة وأن تتحمل أنت مسئولية اختيارك في النهاية وحين تقع في مشاكل زوجية إن رغبت في التصالح أو رأب تصدع الأسرة اذهب لرجل الدين عله يصلح بينكما ويصلي من أجلكما لكن هذا لا يمنع أن كل ما هو طبي اذهب به للطبيب وما هو حسابي اذهب به للمحاسب وما هو قانوني اذهب به للقانونيين وكل هذا لا يمنع من اللجوء للتصالح في مجال الأحوال الشخصية على ان عليك ألا تحمل رجل الدين أخطاءك حين طلبت منه أن يتدخل في أمر في غير تخصصه.
حاول اليهود من قبل أن يدخلوا المسيح له المجد في أمور سياسية ومالية فسألوه : هل ندفع الجزية لقيصر أم لا فأجاب أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فلسان حال السيد الرب أن هذا ليس من شأن الخادم أو رجل الدين أن يُفتي فيه بل عليكم أن تتبعوا قوانينكم المدنية والمالية.
حتى الرجل الذي طلب منه أن يقول لأخيه أن يقاسمه الميراث قال له من أقامني قاضياً عليكما وكم من شخص أدخل رجال الدين في مشاكل وخلافات مادية وكانت النتائج وخيمة وحين ثارت المشاكل مرة أخرى أرجعوها لرجل الدين.
الأمر الذي دفعني للكتابة عن هذا الأمر هو الحادث البشع الذي حدث في أستراليا منذ أيام حينما قتل زوج قبطي زوجته بطريقة بشعة بعد أن استحالة العشرة بينهما على أنه قيل أن أحد الآباء الكهنة قال لها لا تتركيه فهو صليبك وآخر قال لها أبقي معه لأن هذا هو تعاليم الكنيسة ولكنهما تناسوا ما قاله بولس لأهل رومية أنه إن كان ممكن فبقدر طاقتكم سالموا جميع الناس فهو يعلم أن للإنسان طاقة لا يمكن أن نضغط عليه فيها.
الأمر الآخر و سأفرد له مجال ومقام آخر هو الحديث عن الطلاق والتطليق في الكنيسة الأمر الذي بات من الأهمية القصوى خروج قانون الأحوال الشخصية للنور وتدريب رجال الدين على التعامل في تلك الأمور .
أضع الكنيسة في يد الرب يسوع مصليا أن يحميها ويحمي عائلاتها وشعبها وقادتها ويعطي عزاءا لأسرة الزوجة الضحية.
أحبائي أرجو ألا يُفهم من كلامي أنها دعوة لعدم اللجوء لله في كافة أمور الحياة وفي كل مشاكلنا حاشا فالله هو ملجأنا وهو ضابط الكل وفي يديه حياتنا بالكامل . سأوضح لك الأمر بمثال من الكتاب ففي أخبار الأيام الثاني 12:16 "وَمَرِضَ آسَا فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلاَثِينَ مِنْ مُلْكِهِ فِي رِجْلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَفِي مَرَضِهِ أَيْضاً لَمْ يَطْلُبِ الرَّبَّ بَلِ الأَطِبَّاءَ". لم تكن المشكلة أن آسا طلب الأطباء، بل أنه "لم يطلب الرب". اللجوء إلى الطب والأطباء أمر هام وضروري وقد قال الرب يسوع لا يحتاج الأصحاء للطبيب بل المرضى، على أن الكتاب هنا أراد أن يطلب منا أنه حتى عند اللجوء إلى الأطباء يجب أن تكون ثقتنا في الله وليس في الطبيب في نهاية الأمر.
لذا اجلس مع الله ومع أبيك الروحي أطلب المشورة الروحية من الكنيسة ولكن اِذهب لتأخذ المشورة اللازمة من المتخصصين كل هذا مع صلاتك واتصالك الدائم بالله ليختار لك في النهاية ما هو الصالح.