اضطراب تشوه الجسم (BDD) هو مرض نفسي شائع نسبيًا، يشعر الشخص المصاب به بقلق حاد بسبب عيب ما في مظهره الشخصي. يمكن أن يكون القلق تجاه أي جزء من أجزاء الجسم لكن يمثل الوجه والشعر أكثر المناطق اهتمامًا. على سبيل المثال، قد يشعر الشخص بالكثير من القلق نتيجة لامتلاكه ابتسامة ملتوية أو شفاهًا غير مستوية، أو اعتقاد البعض أن حب الشباب أو شعر الوجه أكثر وضوحًا مما هو عليه. بينما يخشى آخرون أن مظهرهم الكلي غير مقبول.

في هذا المقال، سنلقي الضوء على أسباب حدوث هذا الاضطراب وأعراضه وسبل العلاج المتاحة.

ما هو اضطراب تشوه الجسم ؟
في الطبيعي، يشعر معظم الناس بالقلق من بعض ملامح وجوههم وأجسادهم في وقت ما. لكن الشخص المصاب باضطراب تشوه الجسم يقضي الكثير من الوقت في التفكير في بعض التفاصيل الجسدية التي بالكاد تكون ملحوظة للآخرين. ويمكن أن يتحول هذا القلق إلى هاجس مرضي.

ليس للمرض علاقة بالمظهر البدني الحقيقي للشخص، ولكنه عن الصورة الذاتية للفرد (self-image) أو التصور الذي يرى به الفرد نفسه.

تشير إحدى الدراسات أن نسبة المصابين في الولايات المتحدة الأمريكية تتراوح بين 0.7-4.0% من السكان. وينتشر في الفئة العمرية 15-30 عامًا. والنساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال.


وفي دراسة نُشرت عام 2010، وُجد أن ذوي الميول الجنسية المثلية أكثر عرضة للإصابة من متبايني الجنس. إذ يزيد التنمر والرفض والضغوطات الأخرى من خطر الإصابة لدى مجتمع الميم.

في العديد من الحالات يمكن أن تؤثر مستويات القلق بصورة كبيرة على العلاقات الاجتماعية والحياة. مع ذلك، إذا تلقى الشخص المصاب تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا بالأدوية وعلاجًا سلوكيًا معرفيًا (CBT)، فبإمكان ذلك أن يساعده.

معايير تشخيص اضطراب تشوه الجسم
     كثرة التفكير في واحد أو أكثر من العيوب الشكلية التي بالكاد تكون ملحوظة للآخرين.
     تكرار بعض السلوكيات. على سبيل المثال، النظر في المرآة، أو لمس أو فرك والتقاط العيب المتخيل، أو رسم مقارنات مع الآخرين.
     كثرة التفكير تسبب حزنًا وقلقًا كبيرًا للشخص، وتؤثر على العلاقات الاجتماعية المهنية وغيرها من مجالات الحياة.
     لا يرتبط القلق بالوزن عند الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الأكل مثل فقدان الشهية العصابي (anorexia nervosa).

الأسباب
حتى الآن لا زال الأطباء غير متأكدين من الأسباب الحقيقية التي يمكن أن تؤدي إلى المرض. لكن هناك بعض الأسباب المحتملة:

     الحالات الوراثية: تشير إحدى الدراسات الصغيرة إلى احتمال أن تلعب الوراثة دورًا. إذ تشير إلى أن 8% من المصابين لديهم أحد أفراد الأسرة الذين أصيبوا بالمرض في وقت ما.

     اضطراب الوسواس القهري (OCD): غالبًا ما يصاب الذين يعانون من الوسواس القهري أو الذين لديهم صلة قرابة مع مصابين به باضطراب تشوه الجسم. إذ تشير إحدى الدراسات إلى أن 8-37% من مصابي الوسواس القهري لديهم اضطراب تشوه الجسم. كذلك يستجيب مصابو المرضين لنفس العلاج. وهناك عوامل وراثية مشابهة تسبب حدوث المرضين، لكن الموضوع بحاجة إلى مزيد من البحث.

     المعالجة البصرية وخصائص أخرى للدماغ: في دراسة أُجريت عام 2004، طُلب من المشاركين القيام بمهام تشمل رسم أشكال والاطلاع على صور، وُجد أن الأشخاص المصابين باضطراب تشوه الجسم أكثر ملاحظةً للتفاصيل وإدراكًا للتشوهات من غير المصابين. ما يزال غير معلوم إذا كانت هذه العوامل سببًا أو نتيجة للمرض.

     المستويات المنخفضة من الناقل العصبي السيروتونين: اكتشف العلماء مستويات منخفضة من السيروتونين عند بعض الأشخاص المصابين بتشوه اضطراب الجسم. لكن ما يزال غير معلوم إذا كانت هذه النواقل تلعب دورًا أم لا. وعند استخدامه في العلاج فإنه يخفف من بعض الأعراض. يقول العلماء أن العلاقة بين السيروتونين واضطراب تشوه الجسم قد تكون معقدة.

     تجارب الطفولة: تشير إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين عانوا من التنمر أو من تعليقات سلبية حول أجسامهم في الماضي أكثر عرضة للإصابة بتشوه اضطراب الجسم. كذلك فإن زيادة الوعي بمعايير الجمال تزيد من خطر الإصابة، لكن تشير الدراسة إلى أن هذا قد يكون نتيجة للمرض وليس سببًا.


الأعراض

يتمثل العَرَض الأساسي لاضطراب تشوه الجسم في كثرة اهتمام وقلق المصاب به بوجود عيب جسدي بسيط.

تتميز الأعراض بأنها طويلة الأجل وتتراوح في شدتها، وقد ينتقل تركيز الشخص من جزء في جسده إلى جزء أخر.

أكثر المناطق شيوعًا في الجسم:
     الجلد. على سبيل المثال، حب الشباب ودهنية الجلد والتجاعيد.
     الوجه. على سبيل المثال، زيادة القلق حيال شعر الوجه.

هناك بعض المناطق الخاصة:

     الأنف
     الفم
     الأسنان
     احتمالية سقوط الشعر
     الثدي
     الأعضاء التناسلية

قد تؤدي كثرة الاهتمام والقلق إلى السلوكيات التالية:

     زيادة الوعي الذاتي بالمظهر البدني.
     تكرار اللمس والتحديق وقياس العيب المتخيل.
     البحث والقراءة المفرطة حول العيب.
     إهمال الحياة المهنية والاجتماعية والعائلية والصحة الشخصية بسبب كثرة الانشغال بالخلل.
     كثرة النظر في المرآة أو الأبواب والأسطح العاكسة.
     تجنب المرايا وإزالتها من البيت.
     محاولات إخفاء العيب. على سبيل المثال، باستخدام الشعر المستعار أو الملابس أو المكياج.
     الزيارات المتكررة للجراح التجميلي.
     قضاء العديد من الساعات في اليوم في التفكير في هذا الخلل وصعوبة التفكير في شيء آخر.
     محاولة إقناع الآخرين بوجود عيب ما والشعور بالإحباط عندما لا يرى الآخرون ذلك.
     تكرار أخذ الصور الشخصية (السيلفي) من أجل إثبات صحة اعتقاده.

وإذا ما حاول صديق ما أو أي شخص آخر إقناعه بعدم وجود أي خلل فإن الشخص المصاب لن يقتنع بكلامه. كذلك قد يعتقد المصاب أن الآخرين يحدقون به أو يتحدثون عنه أو يسخرون منه، بالرغم من عدم وجود ذلك.

يمكن لاضطراب تشوه الجسم أن يؤثر على حياة الشخص؛ إذ يعاني بعض المصابين من عدم قدرتهم على مواصلة حياتهم المهنية والاجتماعية. ويمكن أن يصاب البعض بالقلق والاكتئاب. وفي بعض الأحيان قد يؤدي إلى الانتحار.
تشخيص اضطراب تشوه الجسم

العديد من المصابين لا يتلقون تشخيصًا مبكرًا أو علاجًا؛ لأنهم نادرًا ما يلجؤون إلى الأخصائي أو الطبيب النفسي. ولكن عوضًا عن ذلك يطلبون المساعدة من طبيب تقويم الأسنان أو دكتور الأمراض الجلدية أو الجراح التجميلي أو أي أخصائي آخر يمكنه إجراء تغيير في مظهر الشخص.
دور جراحي التجميل في التشخيص

في دراسة نُشرت عام 2015، وُجد أن 7-8% من الذين يريدون إجراء عمليات جراحية في الولايات المتحدة مصابين باضطراب تشوه الجسم. ومع ذلك، يعتقد الباحثون أن العدد الفعلي أكثر من ذلك بكثير.

ويحث الباحثون جراحي التجميل على ضرورة الدراية بأعراض اضطراب تشوه الجسم. ويجب تشجيع المصاب على زيارة الطبيب النفسي بدلًا من الموافقة على إجراء الجراحة.

إحدى الطرق المستخدمة لمعرفة المصابين هي باستخدام نموذج استبيان اضطراب تشوه الجسم. إذ توضح هذه الأداة التشخيصية الأشخاص الذين يسعون لإجراء جراحات تجميلية دون سبب واضح. على سبيل المثال، إذا أُجري لشخص مصاب باضطراب تشوه الجسم جراحة تجميلية ما، فإنهم يلاحظون أنه غير راض عن نتائج العملية. لذلك فإن الجراحة لا تقلل من أعراض الاضطراب، وقد تكون خطرة ومكلفة.

إذا وجد أخصائي أو جراح التجميل أيًا من الأعراض التالية فإنه يحول الشخص إلى الطبيب النفسي:

     لدى الشخص معايير تشخيص اضطراب تشوه الجسم.
     أُجري للشخص عمليات جراحية متكررة ولم يحصل على نتيجة مرضية.
     وجود عيب بسيط لكنه يمثل أهم شيء في حياة الشخص.
     قلق مبالغ فيه مقارنًا مع حجم الخلل.

علاج اضطراب تشوه الجسم

يشمل العلاج الأدوية والعلاج المعرفي السلوكي (CBT).
 العلاج المعرفي السلوكي


الهدف من استخدام العلاج المعرفي السلوكي هو تغيير معتقدات الشخص والطريقة التي يفكر بها. كذلك يساعد هذا العلاج المصاب على إيقاف الأفكار السلبية، وتشجيعه على رؤية نفسه بطريقة أكثر واقعية وإيجابية.

ويمكن أيضًا تعلم طرق صحية لمقاومة بعض السلوكيات المتكررة مثل تكرار النظر للمرآة.
وهناك العديد من دورات العلاج المعرفي السلوكي على الإنترنت، وتكون غالبًا أقل تكلفة من الاستشارة المباشرة.
 الأدوية

طبقًا للأدلة، فإن مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) والتي تُعد نوعًا من الأدوية المضادة للاكتئاب يمكن أن تخفف من أعراض اضطراب تشوه الجسم عند نصف المستخدمين. من أمثلة هذه الأدوية: الفلوكسيتين (fluoxetine) والفلوفوكسامين (fluvoxamine) والسيتالوبرام (citalopram).

 تكرار التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة
في دراسة جديدة نُشرت عام 2018، وجد الباحثون طريقة جديدة للعلاج تتمثل في تكرار التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (ما يُعرف باسم rTMS أو TMS)، عن طريق تحفيز أماكن معينة في الدماغ باستخدام مجالات كهرومغناطيسية. ويبحث العلماء في استخدام هذه التقنية لعلاج الاكتئاب والذهان والقلق.

الخلاصة

يُعد اضطراب تشوه الجسم من الأمراض النفسية الحادة. ويمكن أن يساعد العلاج والتشخيص الصحيح في الآتي:


     حل المشكلات الأساسية المسببة للمرض.
     التخفيف من الأعراض ومساعدة المصاب على رؤية نفسه بطريقة إيجابية.
     منع المصاب من إجراء العمليات الجراحية غير الضرورية والخطرة.

والخطوة الأولى في ذلك هي إدراك الشخص المصاب بماهية مرضه وفهم الحاجة إلى العلاج الطبي.