د.ماجد عزت إسرائيل
بعيدًا عن الأحداث التى تمر بها مصرنا الحبيبة في صراعها ضد مكافحة الإرهاب وسقوط العديد من شهداء الوطن في يوم 5 يونية 2019م – أول يوم عيد الفطر المبارك- وأيضًا الكنيسة القبطية فى صراعها ضد ثقافة الطائفية ونخص هنا أحداث قرية على باشا بمركز سمالوط محافظة المنيا،وكذلك ضد المطالبين بعزل قداسة البابا تواضروس الثاني أو المعارضين لطبيعة إدارته للدار البطريركية.
تحل علينا اليوم 8 يونية 2019م الذكرى الثالثة عشر لرحيل القمص "متى المسكين" (1919-2006م) الذى كان علامة مضيئة في برية شيهيت بمنطقة وادي النطرون، ولقداسته وعلمه أصبح منارة للعلم ليس في مصر بل وفي جميع أنحاء المسكونة،وهؤلاء هم الذين ذكرهم الكتاب المقدس قائلاً:" "اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ." (عب 13: 7)
والمتنيح الأب متى المسكين ولد فى(20 سبتمبر1919م)،وكان أسمه العلمانى "يوسف إسكندر"، من أسرة متوسطــة الحــال،كفـــاح حتى حصل على شهـــادة البكالوريوس فى كلية الصيدلة جامعة القاهرة،وعمل بالحــكومة والقطاع الخاص وكــان صيدلايته نبع للمحبة وتقبل الآخر،ثم ترك كل شىء وترهب فى بدير الأنبا صمـــــوئيل ودير السريان ومنطقة وادي الريان بالفيوم وبعدها أسند له قداسة البابا كيرلس السادس البطريرك رقم(116)(1959-1971م) دير القديس أنبا مقار فقام بثورة تصحيح روحانية ومـــادية.
وبعد رحلته الطويلة والشـــاقة انطلق هـذا الراهب المثالي نحو الملكوت السمائي عقب عيد الصعود الإلهي، وقبل عيد العنصرة وحلول الروح القدس الذي أفاض في الكتابة عنه عدة مرات،وكــان موضوعاً رئيسيــاً لتأمــلاته التي انفرد بها واستفاد منها كثيرون ومازالوا.
ولكن للحق والتاريخ أقول بأن الأب القمص "متي المسكين" كان علامــــة مضيئة، ونقطة فاصلة، ومرحلة جديدة للكتابة والتصنيف، ملازماًً لحقبة رهبانيته، وما زالت ممتدة بعد أن جاهد كثيراً وصارع كفارس مناضل مسرعاًً صوب هدفه المنشود وهو محمول على الأذرع الأبدية،ومستودعاً رسالته التي بذل غاية جهده لأجلها، واضعاًً إياها بين يدي المسيح المخلِّص الذي يدين الأحياء والأموات فاحصاً أعماق كل إنسان،وما أصدق وعده القـــــائل: ها أنا آتي سريعـــاًً وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله - مجداًً لاسمه القدوس إلي الأبد. آمين".
ومن خلال كتابات الأب متى المسكين وما جمعه وتركه من تراث ثقافى،قامت العديد من الأبحاث والدراسات حولها سواء كان ذلك على مستوى مصر والشرق الأوسط أو على مستوى العالم،وهنا نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر الدراسة التى قام بها"الأب وليم سيدهم اليسوعى وعنوانها: "تجديد الحياة الروحية للرهبنة المصرية فى القرن العشرين الأب "متى المسكين نموذجاً)(1919-1999م)،ودراسة أعدتها"عايدة نصيف"وعنوانها: " مقارنة بين توما الأكوينى والأب متى المسكين " حصلت بها الباحثة على درجة الدكتواره من كلية الأداب جامعة القاهرة (قسم الفلسفة) فى يونية عام 2009م،وقامت الباحثة الألمانية"كاترين كوهلر"باعداد دراسة وعنوانها:(العلاقات الشرقية الغربية فى ضوء مؤلفات الأب متى المسكين.
ومن الجدير بالذكر أن قداسة البابا "فرنسيس" بابا الكنيسة الكاثوليكية بالترتيب السادس والستون بعد المائتين - بدءًا من 13 مارس 2013 م وحتى الآن- أنهى قداسته كلمته السنوية للكوريا الرومانية - والكوريا الرومانية هي جهاز الإداري والتنفيذي والاستشاري الذي يساعد البابا في الفاتيكان على إدارة مهامه المختلفة،ويعتبر البابا نفسه رئيسًا للكوريا، الذى يتشكل من نحو(120) كاردينالاً ناخبًا، بالإضافة إلى العديد من الأساقفة والقسس – وفي يوم 22 ديسمبر 2016م، بمناسبة التهنئة بأعياد الميلاد حيث ذكر قداسة البابا "فرنسيس" قائلا: “أختم كلمتي هذه بصلاة تفوه بها الأب متى المسكين وهو راهب مصري معاصر:“إن صعب علينا خبرة الطفولة يا ابن الله، فلن تصعب عليك.
وإن تعثَّرنا فى طريقنا إلى الشركة معك فى هذه القامة فلن تتعثَّر قط أن ترفع كل الحواجز والحوائل التى تمنع شركتنا معك فى هذه القامة.
نعلم تماماً أنك لن ترى راحة فينا إلاّ إذا وجدتنا بشبهك وعلى مستوى هذه القامة عينها، فاسمح… اليوم يا ابن االله، قربنا إلى قلبك وأعطنا أن لا نتعظَّم فى خبراتنا، بل نتصاغر إلى هذه القامة عينها، حتى نستطيع أن نكون قريبين منك، لأننا إن اقتربنا إليك فسوف نأخذ منك المزيد والمزيد من تواضع ووداعة، فلا تحرمنا من استعلانك، استعلان طفولتك فى قلوبنا، لكى ما نداوى بِها كل تعظّم وكبرياء ورياء.
نحن في أحوج ما نكون إليك فى هذا المساء، أن تعلن لنا بساطتك وتقربنا إليك، بل تقرب الكنيسة والعالَم كله إليك. العالَم كله مجهد معيى لأنه يتسابق فى من هو الأعظم، تسابق جنونِى بين الدول والحكومات، بين الكنائس والشعوب، بين الأُسر، بين كل كنيسة وكنيسة، من هو الكبير والعظيم بيننا. العالَم مثخن بِجراح مرة، لأن مصيبته العظمى من هو الكبير فيهم.
ولكن اليوم رأينا دواءنا الوحيد فيك يا ابن االله، لا خلاص لنا ولا راحة لنا وللعالَم كله إن لَم يعد مرةً أخرى ويتقابل معك فى بيت لَحم، آمين”
كما خصصت كلية اللاهوت بالجامعة الكاثوليكية الألمانية في آيشتيت- إنغولشتات،وبالتحديد قسم تاريخ الكنيسة القديمة والباترولوچي، سيمنار الفصل الدراسي الصيفي أبريل 2018م وحتى يوليو 2018م، لدراسة الفكر اللاهوتي عند الأب المستنير متى المسكين،ويقوم بتدريس هذا السيمنار البروفيسور الدكتور/ أندرياس فيكفيرت.
وقد ذكر أندرياس أن المسكين هو من أعاد من جديد بناء دير الأنبا مقار في صحراء الأسقيط،كما أنه من من أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية القبطية في القرن العشرين،وهو أب رهبان برية شيهيت،وتسأل من هذا الأب المستنير الذي يقتبس منه البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في عظة عيد الميلاد عام 2016م.
أن الأب متى المسكين المستنير،هو صاحب مدرسة لاهوتية شرقيةـفي التأملات الروحية والموضوعات العقائدة. كما أن للمسكين دور في التجديد فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وخاصة في تاريخ حركة مدارس الأحد القبطية الأرثوذكسية.
ومن الجدير بالذكر أن الأب متى المسكين، لعب دور في تحليل الفكر اللاهوتى الكاثوليكى والفكر اللاهوتى الإسكندري واعتمد فى نظريته على الفكر المستنير عند القديس أثناثيوس الرسولى،والقديس كيرلس الكبير. كما أن لا أحد ينكر جهد الأب متى في وضع الأسس والقواعد الذي يسير عليها هذا الإيمان.
فضلا عن انفتاحه الكبير على المسكونية من توحيد الكنيسة وعودة مجدها كما كان في القرون الخمسة الميلادية الأولي.
وأخيرًا، في ذكرى رحيل الأب متى المسكين الراهب المستنير علينا أن نعيد الرؤية في فكره ودراسته التى يبحث فيها العالم ويستفيد منها.
أما نحن فنبحث عن الثغرات ونبث السموم التى تعرقل الوصول إليها والاستفادة منها، ليتنا نتعلم من آبائنا ورواد كنيستنا القبطية قبل فوات الأوان،ونتذكر أن الصراعات تؤدى لتعميق الجراح،وتفرق ولاتجمع والكنيسة القبطية حاليًا في أشد الحاجة للوحدة والمحبة والسلام وهذا ما نتمناه.
الرب يبارك حياتكم ويحفظكم.