أحداث وأحداث
بقلم: سوسن إبراهيم عبد السيد
في ظل الانفلات الأمني الذي تعيشه "مصر" حاليًا، تستوقفني بعض الحوادث المؤسفة التي يجب أن نأخذها بشئ من التأمل، حتى لا نفيق على كارثة جديدة من تلك التي أصبحت تتوالى علينا كل يوم..
ومن تلك الحوادث التي أعتقد أن الكثيرات تعرضن لها في "مصر"، هي التحرش الجنسي الذي أصبح من اللافت للنظر أن من يقوم به يكون حدثًا لا يتعدى عمره الثامنة عشر.. فقد تكون فتاة تسير بمفردها في الشارع أو حتى مع صديقاتها وتفاجئ بمجموعة من الصبية يركبون دراجات، وبحركة مباغتة يبدأون في لمس أجساد هؤلاء الفتيات ويفرون مسرعين ضاحكين.. كما حكى لي أيضًا أن مجموعة من أولئك الصبية- وعادة ما يكونون أصدقاء-ينتشرون في المناطق الشعبية، ويختبئون في الأزقة المظلمة، وينتظرون فريستهم لينقضوا عليها، ولا يكتفون فقط بالتحرش بها بل وقد يسرقون أمتعتها.. وبالطبع لا تستطيع الضحية الإبلاغ عن تلك الوقائع، فما أكثر أطفال الشوارع المنتشرون في كل مكان، وما أكثر مشاكلهم والمشاكل التي يتسببون في حدوثها.
ولكن، ما يزعجنى الآن أن ثمة بضعة أشخاص قد وجدوا في هؤلاء الصبية مبتغاهم في تنفيذ جرائم أخرى غير التحرش الجنسي.
ففي ظل بيئة تشبعت بأفكار دينية مغلوطة ومتشددة، أصبح استخدام البشر وسيلة أخرى من وسائل الإرهاب الذي بات سمة من سمات مجمتع غابت فيه دولة القانون.
وما يؤكِّد صدق نظريتي، ما حدث في دير "مار جرجس" بـ"الرزيقات"، والتي تم القبض فيها على صبية لم تتجاوز أعمارهم الثامنة عشر، وهم الذين قاموا برش مواد حارقة على الخيام المنصوبة استعدادًا لمولد الشهيد العظيم "مار جرجس".. وبالطبع تم الإفراج عنهم جميعًا.
الشهيد "أيمن نبيل لبيب".. طالب "المنيا" الذي رفض خلع الصليب من رقبته.. قام بقتله ثلاثة من أقرانه بنفس المدرسة، بإيعاز من أحد المدرسين المتشددين الذي لم يطق رؤية الصليب!.
ثم أصبح ذلك التحرش سمة من سمات الأعياد التي تخرج فيها الفتيات للتنزه وتتعرضن له، وتصف إحدى الجرائد على صفحاتها أنها ترصد للسنة الثالثة على التوالي عبر الصور مظاهر هذه الجريمة.. وعند التدقيق في تلك الصور سنجد أن أبطال تلك الفعلة النكراء أطفال ذكور يبلغ عمر أكبرهم سبعة عشر عامًا.
إذا استرجعنا أي شريط لأية أحداث إرهابية أو إجرامية حدثت في الفترة الأخيرة، سنجد أنها لا تخلو من هؤلاء الأطفال.. ولن أنسى والدة أحدهم عندما استضافها التليفزيون المصري إبان حادثة حرق كنيسة "إمبابة"، وكانت تحكي كيف أن ابنها ليس له يد بتلك الجريمة ولكنه لقي حتفه من أعلى الكنيسة عندما استغاث به أحد الشيوخ من أعلى الكنيسة لينقذه من الحريق، وعندما صعد لقي حتفه.
تلك الأحداث وغيرها أصبحت خطيرة ولا يمكن السكوت عليها.. أعلم أننا في مجتمع لا يجرِّم أفعال الأطفال، مستندًا على ذلك الموروث الذي يقابل باستهجان ويقلل من شأن المصيبة.. فمن قام بها مجرد طفل.. ولا يمكن أن نأخذ أفعال الأطفال مأخذ الجد..
إنني أتفهم أسباب هذه الظاهرة التي يرجع مردودها إلى تفشِّي الفقر والجهل بين القاعدة العريضة من الشعب المصري، وأتفهم أن الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، ولكن هل من حل نأمن به على أنفسنا وعلى أولادنا من تلك القنابل الموقوتة التي نصادفها يوميًا؟
عبر جميع القنوات التليفزيونية والبرامج الحوارية لم أجد أحدًا من السادة المرشحين، سواء لرئاسة الجمهورية أو لمجلس الشعب، قد قام بطرح تلك المشكلة وطريقة حلها في برامجهم الانتخابية.. واكتفوا فقط بتحريم المايوه والتماثيل وشرب الخمور والحديث في أمور غاية في السطحية.. وخطابي الذي أوجِّهه لهؤلاء: إن لم تصلحوا القاعدة الأساسية التي تحمل أعمدة هذا الوطن، فلن تتمكنوا من إحراز أي تقدُّم له.. تلك القاعدة التي تتمثَّل في الجوع والفقر، والبيئات التي أفرزت جيلًا لا يتورَّع عن ارتكاب أفظع الجرائم؛ لأنه مكبوت، ويحتاج لإفراغ تلك الطاقة في إيذاء الآخر بمقابل أو بدون مقابل.
لقد قرأت في إحدى المواقع عن الميزانية المتوقَّعة لتلك الانتخابات، فوجدت أنها الأكبر على الإطلاق في تاريخ "مصر"، إذ تبلغ جملتها عشرين مليار جنيهًا..
في الوقت الذي يصرخ فيه البعض من تردي الأوضاع الاقتصادية في "مصر"، وأنها على حافة الإفلاس بعد عدة أشهر، تظهر تلك المليارات وتُسرف بشكل أو بآخر لاجتذاب مصالح شخصية، تبدو في ظاهرها أنها لخدمة الوطن ولكن باطنها يعلمه الجميع. فلماذا لا يُستغل جزء من هذه المليارات لإقامة مشاريع لهؤلاء الأحداث وجعلهم أيدي عاملة نافعة، بدلًا من أن تكون أياديهم ملوثة بانتهاك حرمة السيدات والفتيات؟
الخطاب المتشدِّد الذي يحمل في ظاهره تغليفًا دينيًا، والذي قد يظهر للبعض أنه سيرتقي بالمجتمع، ما هو إلا كارثة تُضاف إلى الكوارث التي تحيط بنا وتزيد الطين بلة. وبدلًا من أن تنعتوا الأقباط بالكفر والدونية، وجِّهوا أنظاركم إلى تلك المعضلات.. فلماذا لم تكفروا ذلك السلوك، وتصوبوا سهام كلامكم إلى أهالي هؤلاء الصبية، وهم أول المتسببين فيما وصل إليه الحال؟.
لفظ "بلطجة" و"بلطجية" لم يأتِ من فراغ.. وهم أشخاص معروفون، وتركهم بدون حساب أو عقاب ليصبحوا الشماعة الدائمة لإلصاق كل الجرائم بهم.. تلك الحجة إن أفادتكم بعض الوقت سيأتي اليوم الذي ينقلبون فيه عليكم، وتصبح إفادتهم ضررًا على الوطن كله كل الوقت.
كل الخشية أن يتم استغلال تلك الشريحة من الشباب صغير السن في المرحلة القادمة لإحداث كل الجرائم، ونشر الفوضى، في هذا الوقت العصيب الذي أصبح بلا حسيب ولا رقيب. فهل من منتبه لتلك المعضلة؟؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :