د. مينا ملاك عازر
كم هي مؤلمة الكتابة عن الشهداء وقت الأفراح، كم هي مرهقة نفسياً رؤية الأبرياء يموتون فداء للأوطان، كم أنتِ قاسية أيتها الأقدار بأسر لم تعرف فرحة العيد بذلاً لأجل الأوطان، كم أنت محتاجة لحنو حقيقي أيتها الأسر الثكلى لرجالك الشهداء الذين سقطوا حباً للوطن.
صحيح الذهاب للمقابر عادة مصرية في الأعياد، لكن أحد من الذاهبين لم يكن يتمنى أن يذهب لهناك كي ما يزيد أعداد الراقدين هنالك، بل فقط كان أقصى ظنه أنه سيسلم على من رحل، والذين في أعماقهم يسكنون المقابر، فجاءت رياح الإرهاب بما لا تشتهي الأنفس، كتمت الفرحة، لطختها بدماء طاهرة، وعطرتها بأرواح زكية مخلصة للوطن، فكتبت سطور من الرفعة على شواهد القبور لتشهد بوطنية رجال ألفوا التعب، واعتادوا على الشقاء، ولم يكلوا من الإخلاص للوطن.
ذهبوا للمقابر حاملين جثمان جديد يوارونه الثرى، يزفونه عريساً للسماء بعد أن بذل كل ما هو غالي ونفيث في سبيل الوطن، كتب سطور مبهرة، رفع رأسه عالياً، وكسر قلوب كثيرة، لا تستخسره على الوطن، لكنها تخسره في أن يسقط بيد غاشمة باطشة مجرمة آثمة.
للأسف من بين أفراح العيد تطل رؤوس الشهداء تذكرنا ببذلهم وتؤلمنا على من افتقدوهم، تطل علينا عيون دامعة ملتاعة من هول الألم من ويح المصاب، تعرف أنها قدمت الغالي لمصر، ولا يكثر على مصر شيء، لكن كانت تتمنى أن لا يفارقونهم ولكنهم فارقوا.
ذهبوا إلى المقابر في العيد على غير عادتهم، لا أن يسلموا، ولكن ليضيفوا لقامة المفارقين للأرض الموارين بثراها رجل شهيد أحب الوطن وضحى لأجله، ذهبوا للمقابر لكي يسطروا سطراً جديداً باسم شهيد على شاهد القبر الذي لم يعد يطق دماء أخرى تجري إليه بأيدي إرهابية جبانة، فيصرخ كما تصرخ الأرض كلها انتقموا لي، ولا تسكتوا لا تنتظروا الكارثة لتنتقموا، اقتصوا منهم مبكراً، اغلقوا بوابة الجحيم الغزاوية الحمساوية الإخوانية، ولا تأتكم بهم شفقة أو رحمة، كما لا تأخذهم بنا رحمة أو شفقة.
اقتصوا من رؤوسهم في غزة، لقنوهم درس عنيف قاسي يعرفهم قدرهم وقدر دماء أبناءكم، يصرخ القبر ملتاع للوعة أرامل وأمهات ثكلى، وأبناء وبنات أيتام ويتيمات، ينحني لهول ألمهم الحجر، وينهار أمام عمق حزنهم في وقت الفرحة الجبال.
صديقي القارئ، لا يوجد إرهاب جبان، ولكن يوجد إرهاب يحتاج لرجال شجعان يبيدونه، ولأفكار تمحو أفكاره، فهل من منقذ لدماء أبناءنا وإخواننا من بطش هؤلاء.
المختصر المفيد اغلقوا بوابة الجحيم، اللي يصعب عليك يفقرك.
