بقلم: يوسف سيدهم
كل عام وأنتم بخير… انقضي شهر رمضان وانفضت معه موجات الأعمال الإعلامية المرتبطة به والتي تزيح الخرائط الإعلامية التقليدية لسائر محطات الإذاعة والتليفزيون لتحل محلها بما تحفل به من مواد منوعات وتسالي وأعمال درامية وحوارات وغير ذلك من شتي المواد الإعلامية والإعلانية التي باتت لصيقة بالشهر الكريم… تنفق مئات الملايين من الجنيهات في إعدادها وإنتاجها والإعلان عنها مسبقا قبل بداية الشهر ثم تصبح حنيفا- خفيفا أو ثقيلا- علي كل بيت مصري تطل عليها أو تقتحمه دون استئذان وبغض النظر عما تحمله من مضامين ومحتوي, تاركة أمر تقييم الأثر لما بعد الإذاعة أو البث… ولم لا؟… ألا تسمح المعايير السائدة بتمرير وإطلاق أي شيء دون فحص مسبق ودون تقييم مسئول لئلا تتهم الأجهزة الرقابية بالوصاية علي حرية الفكر والتعبير والإبداع؟!!!
ولأني لست متابعا أو معايشا للإذاعة أو التليفزيون في رمضان أترك عملية تقييم ونقد الأعمال الرمضانية للنقاد والمتخصصين الذين حان الآن موعد إدلائهم بدلوهم بشأنها, لكن تظل هناك ملاحظات مهمة تلح علي تطرح أسئلة وتبحث عن إجابات من خلال ما صادفته علي الشاشة وما تابعته من أخبار:
** الأسابيع التي سبقت حلول شهر رمضان حفلت بمقاطع عديدة يتم بثها علي الشاشة لتقديم ملامح من المواد الدرامية والحوارية والمنوعات المعدة للإطلاق ضمن الخريطة الإعلامية للشهر الكريم… والحقيقة أنني كان ينتابني الذهول إزاء ما يتم بثه سواء كانت مقاطع تمثيلية خاصة بمسلسلات رمضانية تحتشد بما يصدم من حوار وألفاظ خارجة هابطة, أو مقاطع حوارية من برامج تستضيف شخصيات وتتذرع بتسليط الأضواء علي ما لا يعرفه المشاهد فإذا بها تنحدر إلي الخوض في الأعراض والتنكيل بالضيوف واستفزاز البعض منهم إلي حد اختلاق معارك كلامية بذيئة علي الشاشة تنحط بالحوار إلي مستويات لا أخلاقية يعاقب عليها القانون ولا يسمح في أي جهاز إعلامي محترم بعرضها علي المشاهد دون استئذان أو تهيئة أو موافقة!!!
** ذلك المحتوي الدعائي الذي كان يروعني استمر عرضه بشكل متواصل وكأنه مثار زهو وفخر القنوات التي تعلن عنه لجذب المشاهدين لمتابعته… وكنت أتساءل: هل هناك أجهزة رقابية مسئولة تعرف عن ذلك أو علي الأقل تتابع الإعلان عنه كما أتابعه أنا مع ملايين المشاهدين؟… هل تلك الأجهزة تقوم بدورها في فحص هذا المضمون المسف وسمحت باستمرار إنتاجه وعرضه حتي إنه يتم الدعاية له والإعلان عنه هكذا؟… هل المقاطع والعينات التي تقدم لنا والتي تعدنا بوليمة إعلامية ودرامية وإعلانية خلال رمضان متروكة تصدرمنا بلا خجل ولا حياء ولا مراجعة كدليل علي أن مصر تتمتع بحرية التعبير والفكر والإبداع؟… ويأتيني صوت يصرخ في داخلي: وماذا عن الأطفال والنشء والشباب الذين سيجلسون أمام الشاشة طوال الشهر… هل هذا هو المجتمع الجدير بأن نقدمه لهم؟… أي نموذج وأية قدوة وأية أخلاقيات وأية معايير نرسخها لديهم؟… وطبعا انتابتني مشاعر الرعب والهلع والإشفاق علي مصر مما نفعله بها.
** الحقيقة بعد كل هذا السقوط أن الأجهزة الرقابية المسئولة لم تقف ساكنة لكن الحقيقة أيضا أنني أقول: بئس ما فعلت… لأن بعد مضي عشرين يوما علي بداية رمضان وتعد استفحال الضرر والدمار الناتج عن هذا الانفلات والنحطاط الإعلامي والإعلاني, يقرر المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام وقف برنامج شيخ الحارة الذي تقدمه المذيعة بسمة وهبة علي شاشة القاهرة والناس بعد توصية لجنة الشكاوي والرصد بالمجلس… وأقول بئس ما فعل المجلس لأن هناك تقصيرا خطيرا في آليات عمله, فبدلا من ممارسة سلطاته في فحص ما يتم التجهيز لبثه علي الشاشة حماية للمتلقي من العبث والإضرار به, يكتفي المجلس برد الفعل لما يتم بثه فعلا علي الشاشة وبعد أن يكون الضرر قد حاق والإساءات استشرت!!
** الأكثر مدعاة للغرابة في تلك الواقعة أنه بعد الإعلان -المتأخر جدا- من قبل المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام عن وقف برنامج شيخ الحارة, تتخذ نقابة الإعلاميين قرارا يؤيد قرار المجلس ووقف مذيعة البرنامج بسمة وهبة لما ينسب لها من تجاوزات مهنية وأخلاقية تخالف ميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني… إلي هنا وتشترك نقابة الإعلاميين مع المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام في رد الفعل البائس المتأخر, لكن المفاجأة ذات العيار الثقيل كانت ما أعلنت عنه نقابة الإعلاميين ضمن قرارها هذا وهي أ المذيعة بسمة وهبة خالفت قانون النقابة لأنها مارست النشاط الإعلامي دون القيد بجداول النقابة ودون الحصول علي تصريح مزاولة المهنة …!!!… الله… الله… الله… يعني مفيش حد علي دراية بما يحدث والجميع يفاجأون بالانفلات والتجاوز والفضيحة والبرامج يتم إنتاجها وإجازتها للبث والدعاية لها وعرضها عشرين يوما ولمجرد سقوطها في مضمون حلقة واحدة لا تختلف كثيرا عن سابقاتها وبنفس تجاوزات وصلف وانفلات المذيعة, فجزة تنتفض الأجهزة لتذود عن الأخلاق والقيم وفجأة تكتشف النقابة أن المذيعة ليست لها أي شرعية!!!… هل ما نراه هو المقصود بالرقابة والحماية والتصدي للتجاوزات؟!!
*** هذه بعض الخواطر التي توقفت عندها إزاء الأعمال التي يطلق عليها تجاوزا الرمضانيات والحقيقة أن الشهر الكريم بريء منها تماما… ويبدو أن الحاجة باتت ملحة وصارخة لتفعيل آليات مسئولة لفحص ورصد وتقييم وإجازة ما يتم تمريره علي الشاشة قبل أن يقتحم بيوت المصريين دون استئذان!!