د.ماجد عزت إسرائيل
اختتم المَجْمع المقدس يوم الخميس(١٣يونيو٢٠١٩ م/٦ بؤونه ١٧٣٥ ش) أعمال الجلسة الختامية لاجتماعات المجمع المقدس بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون برئاسة قداسة البابا "تواضروس الثاني" البطريرك رقم(118) – منذ عام 2012 وحتى الآن – بحضور(113) من أصل (128) أسقفاً سواء داخل مصر أو خارجها. بينما تغيب(١٥) أسقفاً من أعضاء المجمع لظروف المرض وبعض الظروف الاستثنائية.وقد سبق هذه الجلسة الختامية أى قبل يوم 13 يونيو 2019م،ولمدة أسبوع اجتماعات اللجان المجمعية بتخصصتها المختلفة لمناقشة العديد من القضايا التى تخص الكنيسة في جميع أنحاء المسكونة ونذكر منها، لجنة الرهبنة والطقوس والإيمان والتشريع والأسرة والمجتمع وغيرها من اللجان. وقد سبق الجلسة الختامية حراك من بعض الأساقفة وبالتحديد من أربعة أساقفة فإن دل على شيء فإنما يدل .. على المسحة الديمقراطية التى تتمتع بها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر تاريخها العريق فعندما يعترض أربعة أساقفة من بين(128) أسقفاً فهذا وارد في مثل هذه المجامع. وهنا يجب ألا نشعل الفتن والمشاكل والبغيضة،لأن الكنيسة وحدة واحدة ومقدسة وأساسها المحبة والسلام،ولو حدث سؤء فهم في موضوع من أحد القساوسة أو القمامصة أو الأساقفة لايوجد مانع في مناقشته وتوضيحه لعامةشعب الكنيسة،فأنتم جميعاً أعمدة في كنيسة الله. كما كان الآباء الرسل الأطهار.
وهنا يجب أن نشير إلى هذه الاتهامات التى فنذكر منها أنكار الخطية الجدية، وأنكار الفداء، وتقسم الثالوث الواحد بالجوهر،مفهوم العــدل الإلهي، وأنكار وجود جهنهم، وموضوع تجــديد الطبيعه الإنسانية، وأنكار عصمه الكتاب المقدس، وبدعه الخلاص العام،وموضوع التقليد الرسولي،وفكرة توحيد الأعياد والمشاركة في الصلاة ما بين كنيستنا القبطية والكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية، وربما اعتقد أن مثل هذه الأمور اللاهوتية والعقائدية تحتاج إلى المتخصصين من الآباء في كنستنا للرد عليها وتفسيرها وتوضيحها حتى تسهم ولو بقدر يسير في إيضاح الصورة وإزالة اللبس الذي اكتنف هذا طبيعية هذه المواضيع.
وهنا يجب أن نسجل للتاريخ كلمة قداسة البابا "تواضروس الثاني" في هذه الجلسة الختامية والتى كان عنوانها:"رحلة الاستنارة والجهل.."..وقبل الإشارة إلى هذا الموضوع لابد لنا من أن نوضح الفرق ما بين كلمة الاستنارة والجهل. فكلمة الاستنارة طبقاً لمعجم المعاني الجامع للغة العربية مصدرها "اِسْتَنارَ"أى استنارة العقل: بمعنى إشراقه واستضاءته. والإستنارة تعني رفض المفاهيم التي أنتجت في زمن ماض لضرورة واقع ذلك الزمن. وأيضًا نرى وندرك ببصيرة المستقبل الذي تنتجه ضرورة الواقع الراهن،حيث كل لحظة لم تأت بعد هي المستقبل.والمستقبل يعني حدة الانتباه للحياة في اللحظة الراهنة. بالتأكيد هناك ثوابت عقائدية وإيمانية وطقوس وتقاليد لايمكن المساس بها في حالة التحدث عن الاستنارة الدينية.
أما كلمة جَهِلَ طبقاً لمعجم المعاني الجامع للغة العربية فجَهِلْتُ هَذَا الأَمْرَ أى مَا عَلِمْتُهُ، كُنْتُ جَاهِلاً بِهِ،وقد ورد في الكتاب المقدس في هذا السياق قائلاً:" جَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ يَكُونَ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ." (أم 26: 5).وأيضًا: "مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ" (سفر الأمثال1: 7).وكذلك:" حَمَاقَةُ الرَّجُلِ تُعَوِّجُ طَرِيقَهُ، وَعَلَى الرَّبِّ يَحْنَقُ قَلْبُهُ" (سفر الأمثال 19: 3).
والآن عزيزى القارىء أتركك مع هذه المقالة العميقة لقداسة البابا تواضروس الثانى وعنوانها:" رحلة الاستنارة والجهل ...."وهي التى إلقاها في الجلسة الختامية للمجمع المقدس في(13 يونية 2019م) وهذا نصها:
" في قصة تلميذي عمواس..
13وإذا اثنان منهم كانا منطلقين في ذلك اليوم إلى قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة، اسمها عمواس
14 وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث 15 وفيما هما يتكلمان ويتحاوران، اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما 16 ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته
17 فقال لهما: ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين18 فأجاب أحدهما، الذي اسمه كليوباس وقال له: هل أنت متغرب وحدك في أورشليم ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الأيام
19 فقال لهما: وما هي ؟ فقالا: المختصة بيسوع الناصري، الذي كان إنسانا نبيا مقتدرا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب
20 كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه
21 ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل. ولكن، مع هذا كله، اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك
22 بل بعض النساء منا حيرننا إذ كن باكرا عند القبر
23 ولما لم يجدن جسده أتين قائلات: إنهن رأين منظر ملائكة قالوا إنه حي
24 ومضى قوم من الذين معنا إلى القبر، فوجدوا هكذا كما قالت أيضا النساء، وأما هو فلم يروه
25 فقال لهما: أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء
26 أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده
27 ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب
28 ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد
29 فألزماه قائلين: امكث معنا، لأنه نحو المساء وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما
30 فلما اتكأ معهما، أخذ خبزا وبارك وكسر وناولهما
31 فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما
32 فقال بعضهما لبعض: ألم يكن قلبنا ملتهبا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب
33 فقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم
قصة تلميذي عمواس تحكي لنا رحلة الجهل والاستنارة
نحتاج الي العقل الدارس الفاهم المتطور المستنير
والنفس البارة المستقيمة ذات الطريق الواضح
وايضا حياة التقوى أي السلوك النقي حسب وصايا الله
أولا: إنغلاق الذهن :
" إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكًا لِلْكَلاَمِ؟ تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ". (أيوب 18 :2)
الكلام قبل الفهم : تلميذي عمواس يتكلما قبل أن يفهموا وهذا أسوأ شئ سواء على نطاق الأسرة الصغيرة أو المجمع الكبير.
رحلة الجهل : انهم تكلموا قبل أن يفهموا أو يستوعبوا
ويقول معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيطس 2: 12 "مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ"
تعقلوا ثم تكلموا
ثانيا: إنعدام البصيرة:
أمسكت أعينهما عن المعرفة اي إنعدام البصيرة عن الرؤية. الإنسان كائن له عقل ويفكر
والبعض يقول فلان ده أعمى القلب أي إنعدام البصيرة أو الرؤية فلم يميزوا وجود المسيح معهم الذي عاش وسطهم سنين هذه عددها لأنهم لم يفهما الكتب المقدسة.
خطورة البر الذاتي نجده في قولهم "هل أنت متغرب عن أورشليم؟" وكأنهم يملكون الحقيقة ويعرفوا الحقائق عن المسيح أما هذا الذي يسير بينهم كأنه غريب لا يعرف شئ.
ثالثا : عبوس الوجه :
عابس الوجه " فقال لهما: ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين" أحد صفات الجهل العبوس لا يملكوا السلام أو الفرح. في سفر الأمثال "القلب الفرحان يجعل الوجه طلقا" ولأنهم في طريق الجهل لا يملكوا الفرح. الفرح علامة الصحة الروحية.
رابعا: الحيرة :
" بل بعض النساء منا حيرننا إذ كن باكرا عند القبر"
الجهل وضع حاجزا قويا منعهم أن يتمتعوا ببركة المسيح " ألم يكن قلبنا ملتهبا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب."
العودة إلى أورشليم : رحلة الاستنارة والمعرفة الحقيقية
توجها صوب أورشليم صوب ملك السلام
أولا: إنفتاح الذهن : " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء"
المفروض ان يفهم يعيش يستوعب
ثانيا : الأستنارة : " فلما اتكأ معهما، أخذ خبزا وبارك وكسر وناولهم. فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما"
ومضة في ذهن وقلب الإنسان عندما سنحت الفرصة أن يكون في حضور السيد المسيح. وهنا أهمية فترات الصمت والخلوة والهدوء. فالكلام سمة العالم الحاضر. لماذا دائما أكون انا الصح؟ لماذا لا أجلس وأرى قد أكون مخطئا؟
ثالثا : الفرح :
بعدما تركهم السيد المسيح رجعوا إلى التلاميذ فرحين لأن قلبهم امتلأ فرح بسبب كلام الرب يسوع معهم.
دفعهم الفرح لكي يصلوا إلى إخوتهم ليخبروهم بالخبر المفرح.
رابعا: اليقين : " فقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم، ووجدا الأحد عشر مجتمعين، هم والذين معهم. وهم يقولون: إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان. وأما هما فكانا يخبران بما حدث في الطريق، وكيف عرفاه عند كسر الخبز"
صار اليقين والتاكيد لأن فيه إستنارة
الخلاصة أحب أن أضع أمامكم الآتي :
1- حينما نقول أفتح ذهنك لا نعني قبول أي شئ بدون فحص لكن يجب أن نعطي أنفسنا الفرصة لكي نفهم " لاَ يَعْرِفُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ لأَنَّهُ قَدْ طُمِسَتْ عُيُونُهُمْ عَنِ الإِبْصَارِ، وَقُلُوبُهُمْ عَنِ التَّعَقُّلِ." (إش 44 :18)
2- إنقتاح الذهن يتطلب دراسة وتعمق ووقت وانتظار لصوت الله
لا نصنع أمورنا لمجرد فكرنا. لابد من صلوات مرفوعة وركب منحنية وإنجيل مفتوح لكي تنفتح بصيرتنا.
3- انفتاح الذهن والإستنارة يجعل حضور المسيح واضحا ومعية الله محسوسة وملموسة. نتعقل ونتكلم ونفتح أذهاننا..نفهم الكتب".
وأخيراً، نتمنى لقداسة البابا تواضروس الثانى والمجمع المقدس وجميع الآباء الأساقفة رؤساء واللجان والأعضاء، كل التوفيق من أجل بناء كنيستنا القبطية الإرثوذكسية.وهذا ما نتمناه.