سامح جميل
المستشار محمد سعيد العشماوى ..
فى أول قوائم المرشحين للاغتيال أُدرج اسم المستشار محمد سعيد العشماوى، المفكر المصرى ورجل القضاء، الذى نازل أصحاب الفكر الدينى المتشدد فى مصر منذ أواخر السبعينات، إذ كان مقاله فى جريدة «روز اليوسف» ومؤلفاته تقاتل متحجرى الفكر. تولى رئاسة محكمة استئناف القاهرة ورئاسة محكمة الجنايات ومحكمة أمن الدولة العليا. وُلد العشماوى فى 1932، وتوفى فى عقده التسعين (81 عاماً) فى 2013. وواجه العشماوى الإسلاميين المتشددين فى مصر بكتاباته من خلال أكثر من 30 كتاباً ألّفها وتُرجمت إلى الإنجليزية والفرنسية. حارب العشماوى على جبهتين، الأولى الجماعات الإسلامية المتشددة التى تصاعدت حدة نداءاتها لأجل إقامة دولة الخلافة الإسلامية، لدرجة حمل السلاح واستهداف أبرز المخالفين لهم فكراً، وفنّد فى كتابه «الخلافة الإسلامية» ادعاءات المتشددين بأن «صلاح الأمة الإسلامية مرهون بعودة الخلافة» مستعيناً فى ذلك بروايات تاريخية منها أن «الخلافة الأموية ضربت الكعبة بالمنجنيق مرتين فهدمتها فى كل مرة، وسمحت لجنودها بدخول مسجد الرسول بخيولهم»، وأن الجزية التى ألغاها الخليفة عمر بن عبدالعزيز قائلاً إن «محمداً أُرسل هادياً ولم يُرسل جابياً» هى نفسها الجزية التى فرضها الخلفاء الأمويون على رعاياهم من غير المسلمين «كأنما هم رعايا دولة أخرى أو كأنهم غير مسلمين». وأن الخليفة المأمون الذى أنشأ بيت الحكمة والترجمة وكان عهده عهد الحرية الفكرية «هو الذى أثار فتنة خلق القرآن وفرض على الناس اعتقاده بمرسوم خاص كالمراسيم التى تصدر عن المجامع المقدسة غير الإسلامية (مثل مجمع نيقية ومجمع خلقدونيا)». أما الجبهة الثانية التى حارب فيها الكاتب الراحل فكانت السلطات الرسمية ذاتها التى سمحت لمجمع البحوث الإسلامية، التابع للأزهر، بمصادرة خمسة من كتبه إبان عرضها فى معرض الكتاب الدولى فى القاهرة عام 1992، وهى «الخلافة الإسلامية (طبعة 1990)، وأصول الشريعة (طبعتا 1979، و1992)، والإسلام السياسى (طبعة 1987)، والربا والفائدة فى الإسلام (طبعة 1988)، ومعالم الإسلام (طبعة 1989)». إلا أن قرار التحفظ على تلك الكتب قوبل باستنكار من قبَل الكاتب ذى الخلفية القانونية، حيث ذكر فى صدر الطبعات التالية لأحد هذه المؤلفات المصادرة أسباباً ثلاثة لرفض قرار المصادرة، فى مقدمتها أن «صميم عمل مجمع البحوث الإسلامية ليس مصادرة الكتب، لكن مواجهتها بالتصحيح والرد، فالكتاب يرد على الكتاب». وأدت دفوع العشماوى عن مؤلفاته الخمسة إلى تحريك مؤسسة الرئاسة بقرار رئاسى «بإلغاء قرار المصادرة إعمالاً لصحيح القانون الذى لا يعطى الأزهر أى حق فى المصادرة». وهو ما التزمت به المؤسسة الدينية لاحقاً، حيث أردف مفتى الديار المصرية فى حينها محمد سيد طنطاوى رداً أُرفق فى كتاب «حقيقة الحجاب وحجية الحديث»، وجاء رد طنطاوى فى ضعف عدد صفحات الكتاب الأصلى تقريباً. تعرّض العشماوى فى كتابه «حقيقة الحجاب وحجية الحديث» لروايات تفيد بأن الحجاب ليس فرضاً فى الإسلام كما هو شائع، وإنما هو دعوى سياسية «فرضته جماعات الإسلام السياسى أصلاً لتميز بعض السيدات والفتيات المنطويات تحت لوائهم من غيرهن من المسلمات وغير المسلمات». وذيّل سعيد العشماوى كتابه برأى موجزه أن منهج الإسلام لا يفرض حتى إقامة الحدود وأنه لو حاول الجانى الهرب من إقامة الحد فعلى الجماعة معاونته على ذلك وإلا خالفوا منهج الإسلام. ومن أبرز كتب العشماوى كتاب «جوهر الإسلام» الذى تناول فيه الآيات التى يستدل بها أنصار عودة الخلافة على موافقة مطلبهم لصحيح الدين، وفى مقدمتها «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. هم الظالمون.. هم الفاسقون» مشيراً إلى أن «كلمة الحكم فى القرآن لا تعنى سياسة أمور الناس مما يُسمى فى العصر الحالى: الحكومة. والقرآن يعبر عن الحكم السياسى والسلطة العليا فى المجتمع بلفظ الأمر، ومنه الأمير، أى الشخص الذى يتولى الحكم والسلطة. ولذلك لقّب عمر بن الخطاب نفسه بلقب أمير المؤمنين (لا حاكمهم) وفى القرآن: (وشاورهم فى الأمر)، و(أمرهم شورى بينهم)، والأمر هنا هو السياسة العليا للجماعة»...!