بقلم :دكتور مهندس/ ماهر عزيز
استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ
يدور حوار جاد ومُطَوَّل بين بعض المهتمين بقضية الإصلاح الكنسى من النخبة المفكرة حول ماهية الإصلاح المرجو وفاعليته، ومن هم الذين يفكرون بالإصلاح على نحوه الماس والحتمى؟ وهل الشعب القبطى الذى يرتبط ارتباطه المصيرى العضوى بالكنيسة يريد الإصلاح من أصله؟.. أو يريد إصلاحاً على الإطلاق؟
يؤكد مفكر قبطى نابه أن الأقباط كلهم ينقسمون فيما بينهم إلى "أقلية تدعى امتلاك الحقيقة، وأقلية تدعى امتلاك الإصلاح والسلطة الكنسية أقلية ثالثة تساندها، وشعب يتمسك بالكنيسة بعيداً عن الطرفين، وذلك هو أسوأ ما يواجه المواطنين الأقباط المسيحيين" (سليمان شفيق)، وفى رأى البعض أن الأقلية التي تدعى امتلاك الإصلاح هي في حقيقتها "أقلية تمتلك منهجاً حقيقياً للإصلاح، لكنها لا تفرضه، بل تقدمه كرؤية لعل مستقبل الأيام يدركها"، في حين يقر البعض - وهم أغلبية - أنهم يريدون الكنيسة هكذا كما هي،
لأنها - بحسب تعبيرهم - "التي تعلمنا منها الإيمان المستقيم والعقيدة، ولا نريد تغيير حرف واحد فيها، ولا نريد إصلاحاً ولا تطوير، لأنها بلا عيب أصلاً، وهى أم الشهداء الجميلة فقط".
على أن المشكلة تتفاقم لانقطاع الصلة بين الشعب القبطى والنخب القبطية، مما يفسره البعض بأن الكنيسة "تجسد وليست نظريات"، والنخب تتصور الإصلاح من خلال النظريات، بينما الإصلاح في جوهره هو "تجسد وليس نظريات" (سليمان شفيق).. على أن "الإصلاح تجسد" هذه تبقى غامضة، لا دلالة لها لدى الشعب القبطى، بما يجعله راضياً بأوضاعه وأوضاع الكنيسة على النحو الذى هي عليه الآن .. لكن مفكراً قبطياً نابهاً آخر يقدم تفسيراً "للإصلاح تجسد" بأن "الكنيسة هي فعل التجسد القائم والدائم للـه في زمن الإنسان، ورسالتها إعلان حب اللـه عبر تدبير الخلاص، وهى بهذا جزء من كل يشمل العالم"(كمال زاخر)، بيد أن هذا التفسير على صوابه باعتبار المسيحية هي ديانة التجسد، والكنيسة إذا انفصلت عن التجسد تفقد هويتها ودورها وعلة وجودها، فتفقد بالتالى رسالتها، وتعجز عن إعلان الحب الإلهى وتدبير الخلاص كليهما معاً، أقول رغم صواب هذا التفسير فإنه يترك العلاقة بين التجسد والإصلاح غير محددة، لا يستبين الإصلاح من خلالها على أي نحو.
ويجعلنا ذلك نبحث في هذه العلاقة الجذرية بين الإصلاح والتجسد، لنرسم معالم الإصلاح المقصود ذاته، فيتحدد بالتالى نهج الوصول إليه، ويخرج من مجرد تنظيرات تتقنها النخبة إلى خطة عمل حقيقى للإصلاح.
وهنا لا بد من إقرار أن الإصلاح ليس نظريات لكنه رؤية لفعل يستند الي قراءة لاهوتية صحيحة للكتاب المقدس، تعمد الي إسقاط القراءة الفاسدة المضللة التي تمترست بالتدين لألفي سنة مضت، وجعلت من فهمها المغلوط المضاد للحق الكتابي طقسا شديد الوطأة، يسميه القابضون علي المنافع الكبري "تراث الكنيسة"..
فالتجسد هو "حياة الروحانية المسيحية" التي تبدو الكنيسة الآن علي مسافة ليست قصيرة منها.. والشعب القبطى ذاته ملتصق بسالبي وعيه ومستغلي بدائيته وجهله، بعيدا جدا عن النخب...
النُّخَبُ في وادٍ، والشعب الساكن في الظلمة مع سالبي وعيه ومستغليه يستنيم لغيبوبته بعيدا عن أي نخب.
وإذا كان الظن بالتجسد مفتاحاً وطريقاً للإصلاح المنشود، بترك المعنى هكذا غامضاً دون أية دلالة، ودون تبصر حقيقى بمنهج للإصلاح، ودون الارتباط على أي نحو بالكتاب المقدس - دستور المسيحية الحق - رغم أن التجسد سابق على الإنجيل، فإننا يتعين أن نؤكد أن التجسد جاء أولا قبل الإنجيل وأن الإصلاح يعنى التمثل الحقيقي للتجسد الذي قدمه يسوع ..لكن هذا التجسد عينه هو الذي أعلنه لنا الكتاب المقدس، ولم ندركه إلا بالكتاب المقدس... فكلمة الله المتجسد هو إعلان الكتاب... ولذا لا إصلاح مطلقاً إلا بالحق الكتابي.. أي بالتجسد المعلن لنا في الحق الكتابي .. ولذا فالحق الكتابي هو وسيلتنا لإعلان الإصلاح لأنه في جوهره إعلان الخلاص الذي قدمه يسوع في الكلمة المتجسد.. الكلمة المعلن لنا في الكتاب المقدس..
إذن الإدراك الحق للحق الكتابي هو المضاد للإدراك غير الحق للحق الكتابي الذي هو للأسف سائد في التشويه الحادث الآن، والذى يجعل من الإصلاح ضرورة وجودية لازمة!!!
ومرة أخرى: "الكنيسة تجسد" تعنى أن التجسد هو حياة الروحانية المسيحية بحسب الإنجيل.. وذلك هو مناط الاصلاح الذي تحتاج أن تبلغه الكنيسة في صميم التجسد الذي أظهره يسوع..
فما تحتاجه الكنيسة الآن هو ضرورة أن تتمثل التجسد الذي أظهره يسوع، لأنها للأسف لم تعد تدركه، وصارت بعيدة عنه، والإصلاح الحقيقي يكمن في تمثل التجسد الذي أظهره يسوع، وهو التجسد الذى أعلنه في الإنجيل.. فإدراك الإصلاح هو ادراك التجسد الذي أعلنه الحق الكتابي.. ونحن لم ندرك التجسد إلا بكلمة الله المعلنة لنا في الكتاب المقدس.. والتجسد بذلك ليس من عندياتنا أو من تصوراتنا.. نحن نعرف التجسد بالحق المعلن لنا في الكتاب المقدس، ولا إدراك للتجسد أبداً إلا برسالة المسيح المعلنة لنا في الكتاب المقدس.
لكن المعضلة في هذا كله هي أن الشعب القبطى ذاته لا يريد الإصلاح.. والإكليروس.. حتي المستنيرين منهم - إلا قلة نادرة - يخشون الإصلاح لئلا تتزلزل الجذور التي سلمتهم القداسة والمال والسلطان والقوة...
والذين أدركوا الحق الكتابي وحقيقة المسيح هم وحدهم الذين يحلمون بالإصلاح على صورة التجسد المعلن في الحق الكتابى.. وهؤلاء لا حول لهم ولا قوة إلا أن يقولوا كلمتهم ويمضوا !!!