إعداد/ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 15 بوؤنة من الشهر القبطي الموافق 22 يونية من الشهر الميلادي بتذكار تكريس كنيسة الشهيد العظيم مارمينا العجايبي بمريوط ؛ والتي عرفت في كتب التاريخ ب"منطقة بو مينا " ولقد أعتبرتها اليونسكو ضمن مناطق التراث الحضاري العالمي . فبعد اكتشاف القبر وظهور العديد من قصص المعجزات منه ؛ألح أهالي مدينة الإسكندرية علي البابا أثناسيوس الرسولي سرعة بناء كنيسة علي أسم الشهيد ؛وبالفعل استجاب البابا لطلبهم وتم بناء الكنيسة في عهد الملك جوفيان ( 363- 364 ) ؛ وكانت كنيسة في غاية الجمال والفخامة ؛ وفي عهد الملكيين أركاديوس وأوناريوس ؛ توجه البابا ثاؤفيلس البطريرك ال 23 (385- 412 )لزيارة المنطقة فلاحظ معاناة الشعب بسبب ضيق المكان علي قدر فخامته ؛فقرر توسيع المنطقة ؛وبناء كاتدرائية كبري علي أسم الشهيد ؛وقام الملك أناسطاسيوس (491- 518م) بإنشاء منازل لإضافة الزوار وإستراحات لإستقبال الجموع ؛ومستشفيات وأسواق .......ـالخ ؛حتي ذاع خبر هذه المنطقة المقدسة في جميع أنحاء العالم ؛فقام الدير بعمل قوارير فخارية لتوزيع المياه المقدسة من البئر المحيطة بالقبر والتي كان يعتقد أن لها قوة عظيمة علي الشفاء من الأمراض ؛ ولقد عثر علي الكثير من هذه القوارير في متاحف ألمانيا وفرنسا وأورشليم والسودان ..... ألخ . ولكن مع بالغ الأسف بدأ الخراب يتسرب إلي هذه المنطقة تدريجيا ؛ ففي عهد الخليفة المعتصم ؛ جاء مهندس من بغداد بنقل رخام الكنيسة الكبري إلي بغداد ؛ وتوسل إليه البابا يوساب الأول البابا ال52 (831- 849 ) وكان ذلك خلال عام 850م ؛ولكنه للأسف الشديد لم يستجب لتوسله ؛ وذهب بالرخام إلي هناك حيث قتل هناك بعد أن سقطت أحدي أعمدة الرخام عليه . ولكن الخراب الشامل حل بالمنطقة في القرن الثالث عشر بسبب غارات البربر والبدو ؛وهكذا راح المزارShrine في طي النسيان ؛ولم يبق منه سوي أكوام من الرمال .
ولكن مع بداية القرن العشرين ؛ قام العالم الألماني الشهير كارل ماريا كاوفمان ( 1872- 1951 ) ( أعدك عزيزي القاريء بإعداد مقالة كاملة عن حياة وأعمال العالم الألماني الكبير في الوقت المناسب ) . وتحديدا خلال الفترة من ( 1905- 1907 ) بعمل حفائر في المنطقة وقام باكتشاف قبر القديس والكنيسة التي فوقه والكنيسة الكبري وبعض المعالم الهامة الأخري . وتوالت زيارات العلماء الاجانب والمصريين للمنطقة بعدها ؛ نذكر منها حفائر المتحف اليوناني الروماني خلال الفترة من ( 1925- 1929) ؛ والعالم الانجليزي بيركنز خلال عام 1942 . كما قام الراهب المصري القمص يوحنا السبكي الأنطوني بزيارة المنطقة يوم 18 أغسطس 1945 حيث كان يتطلع لسكني المنطقة غير أن ظروف الحرب العالمية الثانية قد حالت دون ذلك ( ولقد سبقه في هذه الرغبة الراهب مينا المتوحد كما سنري ذلك بعد قليل ) .
وقامت جمعية مارمينا العجايبي بالاسكندرية بزيارة المنطقة في 15 مارس 1946 ؛ وكان يرافقها في الرحلة علماء الآثار الكبار :- الدكتور عزيز سوريال عطية ( 1898- 1988 ) والدكتور لبيب حبشي ( 1906- 1994 ) والدكتور بانوب حبشي ( 1913- 1956 ) .
كما أهتم بها العالم المصري الدكتور باهور لبيب ( 1905- 1994 ) حيث ترأس يعثة من المتحف القبطي لزيارة المنطقة وعمل حفائر بها ( أحمس باهور لبيب :- الدكتور باهور لبيب عالم الآثار ؛قصة كفاح ونجاح ؛ الناشر المؤلف ؛ الطبعة الأولي 2009 ؛ صفحة 171 ؛172 ).
كما قام المتنيح الأنبا ثاؤفيلس رئيس دير السريان ( 1926- 1989 ) بتنظيم رحلة لصلاة القداس الإلهي في هذه المنطقة يوم 24 نوفمبر 1957 ؛يرافقه تسعة من رهبان الدير نذكر منهم الراهب انطونيوس السرياني ( المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث فيما بعد ) ؛والراهب متياس السرياني ( المتنيح نيافة الحبر الجليل مطران الجيزة فيما بعد ) .
غير أن كل هذه الجهود السابقة ؛ كانت مقدمة للنقلة الكبري والعظمي في تاريخ الدير علي يد البابا البطريرك القديس البابا كيرلس السادس ؛ فلقد أرتبط قداسته بالشهيد العظيم مارمينا منذ طفولته المبكرة وتعميده في دير مارمينا الآثري بأبيار ؛ وحضوره الاحتفال السنوي بعيده في الدير . ولقد حاول سكني المنطقة خلال عام 1943 حيث نزل الي الإسكندرية وتقابل مع الأستاذ بانوب حبشي عالم الآثار المعروف ومؤسس جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية ؛ غير أن مصلحة الآثار رفضت الطلب وردت عليه قائلة "نحن لا نتحمل مسئولية حمايتك في هذا المكان " . بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية وقتها ؛ ولكنه وبعد أن صار القمص مينا المتوحد هو البابا كيرلس السادس ؛ قام بإعادة المحاولة ووافقت مصلحة الآثار ؛فقام البابا كيرلس بوضع حجر الاساس في يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959 ( أنظر الصورة المرفقة بالمقالة ) ؛ ثم قام بوضع حجر أساس كاتدرائية دير القديس مارمينا في 24 نوفمبر 1961 ؛ وتمت رهبنة أول دفعة من سبعة رهبان بالدير خلال عام 1964 ( مازال حيا منهم الراهب القمص رافائيل آفا مينا أطال الله حياته ومتعه بالصحة والعافية ) ليتم إحياء منطقة بو مينا مرة ثانية ويتحول الدير والمنطقة كلها إلي منطقة إشعاع روحي وحضاري يطل بنوره علي العالم كله . ولقد قام المتنيح البابا شنودة الثالث ( 1923- 2012 ) بتدشين كاتدرائية الشهيد مارمينا في يوم الأحد الموافق 9 يناير 2005 .
والجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو قامت بإدراج منطقة بومينا ضمن قائمة التراث العالمي ؛ وبذلك أصبح الدير واحدا من أهم المواقع الأثرية في مصر ؛ ولقد صدر عنها كتاب بعنوان ( تراث لكل البشرية A Legacy of all ) .
ولقد ذكر السيد الدكتور خالد العناني وزير الآثار في حوار خاص لجريدة الفجر نشر بتاريخ 3 مارس 2019 أن اللجنة التي شكلها السيد رئيس الجمهورية للحفاظ علي التراث يأتي علي رأس أولوياتها مشروع تطوير أبو مينا الأثري بتكلفة 35 مليون جنيه. وأضاف أن منطقة أبو مينا الاثرية مهددة بالخروج من التراث العالمي منذ عام 2001 . ..... ولقد أكد السيد الوزير أن منطقة أبو مينا هي المنطقة الأثرية القبطية الوحيدة المسجلة في التراث العالمي منذ عام 1979 وهي تحمل في قائمة اليونسكو رقم 90 علي مستوي العالم ؛ والخامسة علي مستوي مصر ؛ والتي تواصل جهود الوزراء لإنقاذها من المياه الجوفية ؛ لكي يتم انقاذها والاحتفاظ بها كميراث إنساني عالمي .
وتضم المنطقة العديد من المواقع الأثرية التي يرجع تاريخها إلي القرن الرابع الميلادي ؛ ولقد قام وفد أثري بزيارة منطقة الآثار يوم 18 مارس 2019 ؛في أطار الأحتفال باليوم العالمي للتراث
بعض المراجع المستخدمة في المقال :-
1- الشهيد العظيم مارمينا العجائبي :- دير الشهيد العظيم مارمينا العجايبي بمريوط ؛ 1996 .
2- مرور سبعة عشر قرنا علي استشهاد الشهيد المصري مارمينا العجايبي ؛ جمعية مارمينا العجايبي للدراسات القبطية بالإسكندرية ؛ الرسالة الحادية والعشرون ؛ نوفمبر 2009 .
3- مجلة راكوتي أضواء علي الدراسات القبطية :- جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية ؛ السنة الثانية ؛ العدد الثاني ؛مايو 2005 .
4- جريدة الصباح بتاريخ 17 مارس 2019 :-- بدء المرحلة الثانية من مشروع منطقة أبو مينا الأثرية بالاسكندرية .
5- جريدة الفجر بتاريخ 3 مارس 2019 :- العناني :- منطقة أبو مينا الأثرية علي رأس أولويات الرئيس بتكلفة 35 مليون جنيه .