حمدى عبد العزيز
هذا الرجل
شهيد حقيقي للوطنية المصرية
لم يلفظ أنفاسه الأخيرة في الحياة من أجل سيادة تنظيم أو جماعة ، ولا من أجل هيمنة ما علي موقع أو سلطة ، أو صراع كان يخوضه من أجل إستعادة سلطان نزع منه ..
هذا الرجل
شهيد الوطنية المصرية في الذي لفظ أنفاسه الأخيرة - زهقاً - في سجون السادات
لم تكن لديه أية تهمة يمكن محاكمته علي أساسها
ولم تكن هناك محاكمة علي الإطلاق ..
علي العكس ..
فعندما علم بأن هناك قرار بإعتقال الدكتور ميلاد حنا القامة الوطنية الكبيرة وقتها ثار وقرر الذهاب إلي الجهات المختصة للشهادة بأن الدكتور ميلاد حنا رجل وطني وعالم مصري كبير من بنائي السد العالي لايستحق الإعتقال ، بل يستحق التكريم ..
لم يكن المهندس والوزير السابق عبد العظيم أبو العطا يعلم أنه هو نفسه قد بشأنه قرار إعتقال ، وهو كان من أكفأ الذين تولوا وزارة الري حتي منتصف سبعينيات القرن الماضي ، ويذكر له رفضه القاطع لمقترح تسعيير مياه الري وبيعها للفلاحين ..
وهكذا تم اعتقال عبد العظيم أبو العطا مع زميله المهني الدكتور ميلاد حنا صاحب كتاب (أريد مسكناً) الذي قدم فيه مسحاً دقيقاً لمشاكل البناء والإسكان في مصر ، وقدم علاجاً شاملاً لها ينحاز فيه لمشاكل الفقراء ومتوسطي ومحدودي الدخول في مصر ولحقهم في وجود المسكن الملائم ..
ثم كتابه الشهير (الأعمدة السبعة للشخصية المصرية) الذي يقدم فيه الملامح التاريخية للشخصية المصرية ..
عبد العظيم أبو العطا المهندس العالم ، أحد بناة السد العالي العظام ، وأحد أهم خبراء الري في مصر ،والذي قلدة الرئيس جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الاولى ووسام التجارة و الصناعة من الطبقة الاولى كذلك اهداه ميدالية السد العالى ، إستقال من منصبه لمعارضته سياسات السادات ، واتخذ موقفاً وطنياً شجاعاً ورفض كامب ديفيد وأعلن معارضته لنظام السادات ، فشملته حملة إعتقالات السادات العنيفة وغير المسبوقة في تاريخ مصر والتي شملت كل معارضي السادات من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار ، وهي التي باعتقالات 3 سبتمبر 1981 ..
تلك الحملة العاصفة التي أطلق عليها هيكل (خريف الغضب) والتي تجاوز عدد المعتقلين ليلتها الثلاثة الآف معتقل بينهم مجموعة من أبرز الرموز السياسية ورموز النضال الوطني والنخب المثقفة فقد ضمت قائمة المعتقلين بالإضافة لعبد العظيم أبو العطا وميلاد حنا اللذان ذكرا سابقاً أسماء مثل :المناضل النجيب والمحامي النبيل أحمد نبيل الهلالي عضو مجلس نقابة المحامين وقتها ومعه زميله ورفيق نضاله المناضل والقائد اليساري العظيم ذكي مراد ، ولفيف من رفاقهما وتلاميذهما ..
كذلك المفكرين السياسيين والوزيرين السابقين والقيادتين اليساريتين البارزتين دكتور فؤاد مرسي وزميله الدكتور إسماعيل صبري عبدالله ، وزيري التموين ، والتخطيط الأسبقين ..
، وواحد من أبرز الوجوه البرلمانية في تاريخ مصر وهو الدكتور محمود القاضي ومعه الدكتور محمد حلمي مراد وزير التعليم الأسبق ونائب رئيس حزب العمل ، والكاتب السياسي الأشهر في مصر محمد حسنين هيكل ، ورئيس حزب الوفد فؤاد سراج الدين ، والوزيرين السابقين محمد فائق ، د. محمد عبدرالسلام الزيات ، عبد الفتّاح حسن أحد القيادات التاريخية لحزب الوفد ، ومعهم فتحى رضوان ، والمناضل الوطني الكبير ابراهيم طلعت ، حامد زيدان ( رئيس تحرير جريدة الشعب) ، محمد أبو الفضل الجيزاوى ، و ابراهيم يونس (من أقطاب حزب العمل) ..
وغيرهم ، وغيرهم ..
، و من القيادات التاريخية لحزب التجمع في عصره الذهبي بالإضافة لفؤاد مرسي وإسماعيل صبري عبدالله ود. ميلاد حنا شمل الإعتقال أيضاً كل من النائب المناضل أبو العز الحريري ، والدكتور جلال رجب ، د. محمد أحمد خلف الله ود. علي النويجي ، والكاتب الصحفي الراحل حسين عبد الرازق ، وزميله الكاتب الراحل صلاح عيسي والشيخ مصطفي عاصي وعبد العظيم المغربي ، و صبرى مبدى و و محمد خليل (بالإضافة إلي من معهم من غالبية أعضاء اللجنة المركزية لحزب التجمع وقتها إن لم يكن كاملها بالإضافة إلي الكثير من الكوادر اليسارية النشطة سواء كانت في التجمع أو خارجه حيث تنظماتها وحلقاتها التي كانت تمارس العمل السياسي بشكل سري تقريباً نظرا للعداء الشديد بين النظام واليسار وملاحقاته البوليسية الشرسة في هذا الوقت لكل رأي أو نشاط تفوح منه رائحة اليسار …
، وكذلك كان من بين المعتقلين الأستاذ فريد عبد الكريم القيادة الناصرية التاريخية المعروفة ومعه تلميذاه النجيبان الشابين وقتها حمدين صباحي وكمال أبو عيطة ، وغيرهم ، وغيرهم ..
، ناهيك عن اعتقال جميع نوّاب مجلس الشعب المستقلّين الّذين تدين لهم العديد من المجالس النيابيّة بالفضل فى اضفاء الحيويّة والزخم النيابى لها فبجانب المرحومين القاضي وأبوالعز الحريري ، وأحمد فرغلى ، و عادل عيد ، و كمال أحمد ، وقباري عبدالله وغيرهم من البرلمانيين المعارضين ..
هذا بالاضافة للغالبية الساحقة من مجلس نقابة المحاميين ومن أبرزهم النقيب الأكبر للمحاميين ورجل القانون الجليل الأستاذ عبد العزيز الشوربجى بالاضافة الى لفيف من خيرة رجال القانون بمصر من أمثال محمد فهيم ، وعبد العزيز محمد ، ومحمد عيد ، وغيرهم ..
هذا بخلاف اعتقال أساتذة الجامعات البارزين مثل (على سبيل المثال لا الحصر) د.كمال الابراشى و د.عبد المحسن حمّوده ، د. عصمت سيف الدولة وغيرهم ناهيك عن عدد مهول من أبرز المثقفين المصريين ..
ومن القيادات النسائية كالسيدة لطيفة الزيّات والمناضلة شاهنده مقلد وفريدة النقاش وغيرهن ..
بل وامتد الأمر إلي البابا شنوده ومعه عدد من القساوسة وقيادات الكنيسة الأرثوزكسية المصرية الذين رفضوا مصاحبة السادات إلي القدس في ظل الإحتلال الصهيوني ..
فقد تم التحفظ علي البابا شنودة في الدير ومحاصرته وتحويل الدير إلي معتقل خاص به ، فيما تم إرسال ثمانية من الأساقفة وأربعة وعشرين قسيساً إلي سجن المرج ..
فاجأت عبد العظيم أبو العطا أزمة قلبية وهو رهن الإعتقال فصرخ زملاؤه المعتقلين لإسعافه وكان بينهم أطباء قرروا بأنه في حاجة فقط إلي حقنة لاتزيد قيمتها علي بضعة جنيهات لكن أحداً من سجانيه لم يجب ، لم تتحرك إدارة السجن لإنقاذ حياة الرجل ففارقت روحه السجن والحياة في 16 نوفمبر 1981
وهكذا أزهقت روح الرجل في سجنه ، فسقط شهيداً في أوسع ساحات الشرف والكرامة الوطنية ، شاهداً علي أكبر جرائم السادات الذي لم يتورع عن التنكيل بالقوي والتيارات الوطنية الديمقراطية المدنية التي عارضت مسيرة السلام الساداتي الذي لم يحقق السلام في الشرق الأوسط ، بل أنها دشن لمرحلة جديدة لتمدد إقليمي أوسع للدولة الصهيونية ، وطعن القضية الفلسطينية في مقتل ، وعودة سيناء مكبلة بقيود كامب ديفيد ، وهو ماعنينا منه مانعاني حتي الآن ، وماتعانيه كافة شعوب المنطقة العربية ..
ــــــــــــــــــــــــــــــ
حمدى عبد العزيز
21 يونيو 2019