د.ماجد عزت إسرائيل
في كل لحظة وكل يوم من حياته وفي كل موقف،وفي كل مناسبة واحتفال، وفي كل كلمة أو بحث وكتاب، أكد الراحل الدكتور رؤوف عباس حامد(1939-2008م) على الوطنية والمواطنة فقال فيها الكثير وأكد عليها بمواقفه معبرا عن حلمه بوطنه وبأحلامه وتمنياته لبلده العزيز مصر.
والراحل الدكتور رءوف عباس حامد (1939-2008م) ولد" فى(24 أغسطس 1939م)،فى مدنية بورسعيد،ثم انتقل إلى مدنية القاهرة وحصل على الثانوية عام 1957م وتخرج فى كلية الآداب جامعة "عين شمس"عام 1961م، وحصل على درجة الماجستير عام 1966م، وكانت أطروحته "تاريخ الحركة العمالية المصرية 1899-1952م "،وحصل على الدكتوراه فى عام 1971م،وكانت أطروحته "الملكيات الزراعية الكبيرة فى مصر1837-1914"وعين معيدا فى كلية الآداب جامعة القـاهرة، وتدرج فى سلم التدريس الجامعي، حتى حصل على درجة الأستاذية فى عام 1981م،ثم رئيساً لقسم التاريخ (1982-1988)، ثم وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا (أول سبتمبر 1996- أول سبتمبر 1999)، كما تم انتخابه رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية في مارس 1998 حتى رحيله عن عالمنا الفانى فى(26 يونية 2008م)، ودفن فى مساء ذات اليوم فى مقابر العائلة فى طريق مدينتى الجيزة الفيوم.
هنا يجب أن نوضح معنى كل من الوطنية والمواطنة،وطبقاً لما ورد في القواميس العربية فالوطنية تعني حب الوطن، والشعور بارتباط باطني نحوه فهو حب الأمة للوطن هو قطعة معينة من الأرض يرتبط بها الفرد وتتعلق بها عواطفه وأحاسيسه.وإذا جاز التعبير هنا فنقول: الوطنية تعني المشاعر العاطفية والوجدانية التي تتكون عند الفرد تجاه الوطن أو الأرض التي يحبها.
كما أنها الشعور بالالتزام ببلد أو أمة أو مجتمع سياسي،والوطنية حب البلد بينما القومية هي الولاء لأمة واحدة، وغالباً ما يتم استخدام القومية كمرادف للوطنية، ولكن الوطنية ظهرت قبل القومية التي ظهرت في القرن التاسع عشر بألفي عام تقريباً،وهناك بعض المواقف المرتبطة بالوطنية نذكر منها على سبيل المثال الرغبة في الحفاظ على طابع الوطن ومقوماته الثقافية.
والتغنى والفخر بإنجازاته والتضحية من أجله. أما المواطنة فهي الصفة التي تُمنح للمواطن والتي تتحدد بموجبها عدة أمور منها؛الحقوق، والواجبات.
ومن هنا فإن للمواطنة خصوصيّة ليست لأي صفة أخرى، فهي تتضمن انتماء المواطن لوطنه النابع من حبه له، وخدمته له في كافة الأوقات والأحيان،واحترام المواطنين الآخرين الذين يعيشون معه على الأرض ذاتها،والذين يتقاسم وإياهم الغذاء،والشراب،والماضي،والحاضر، والمستقبل. هنا نؤكد دون النظر إلى اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب.
والوطنية كما تعرفها دائرة المعارف البريطانية هي: ”العلاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة“.وتؤكد هذه الدائرة على هذا المفهوم قائلة:” المواطنة على وجه العموم تسبغ على المواطن حقوقاً سياسية، مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة“.ومن العوامل التى تؤكد على المواطنة يأتى على رأسها جذور العائلة والولادة على أرض الوطن، وجنسية الوالدين. الخلاصة.. المواطنة هي الممارسات والسلوكيات والأفعال التي يجب على الفرد أداؤها في صورة منسجمة مع قوانين الوطن وأنظمته وأمنه وسلامته وحمايته.
وعلى هذا فإن وطنية الراحل الدكتور رءوف عباس حامد بدأت منذ مولده في أحد مساكن السكة الحديد بمدينة بورسعيد الباسلة،وشاهد الوجود البريطانى بمنطقة قناة السويس، وكانت طفولته مع بداية الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) وكان يحلم بالدفاع عن وطنه وتطهير البلاد من المستعمرين البريطانيين وغيرهم. وعندما قامت ثورة (23 يوليو 1952م) لم يكن مجرد مراقب لها بل كان من صنائعها،وواحداً من جماهيرها. وعاش فترة النكسة عام 1967م حياة حزينه على وطنه وقد أكد في كتابه "مشيناها خطى" ذلك حيث ذكر قائلاً:" ... ولم تمض نحو سبعة شهور حتى وقعت هزيمة يونيو 1967،ولا يعنى ذلك أن عائلته كانت حقاً نذير شؤم على العالم ومصر.فلا علاقة بين مولد طفل برىء – يقصد هنا مولد ابنه م.حاتم في 24 أكتوبر 1966م- ووقوع حادث جلل بهذا الحجم المفزع، ولكنه يعبر عن حالة نفسية مزاجية تلخص معاناة السنوات الخمس والعشرين الأولى من عمره.".
وعندما فكر الراحل الدكتور رءوف عباس حامد بعد أن تخرج فى كلية الآداب جامعة"عين شمس"عام 1961م، مواصلة دراساته العليا، سجل رسالته للماجستير عن: "تاريخ الحركة العمالية المصرية 1899-1952م "وحصل على درجة الماجستير عام 1966م،وعبر في رسالته عن وطنيته وحبه لمصر وعمالها ولثورة 23 يوليو 1952م وإنجازاتها.وأيضًا عند اختياره لأطروحته للدكتوراه والتى كان عنوانها:"الملكيات الزراعية الكبيرة فى مصر1837-1914"، فلا نبالغ القول أن كل أعماله تتعلق بوطنه الحبيب مصر. وفي ذات السياق ترك لنا تراثا يعبر عن تعلقه بالمجتمع المصرى عندما كتب لنا مؤلفه "شخصيات مصرية في عيون أمريكية"، و"تاريخ جامعة القاهرة".
وفي نهاية التسعينيات من القرن العشرين انشغل الراحل الدكتور رءوف عباس حامد بموضوع بناء مقر جديد للجمعية المصرية للدراسات التاريخية (تأسست في 20 يوليو 1945م ،وكان مقرها بشارع البستان بباب اللوق) وذلك عقب صدور قرار إزالة للعقار، فاتصل به الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة بدولة الإمارات بعد أن قرأ عن الموضوع في جريدة الأهرام وتبرع لشراء أرض بمدينة نصر لبناء مبني حديث وتجهيزه وتقديمه هدية منه إلي مصر، فهو خريج جامعة القاهرة، وانتقلت الجمعية لمقرها الحالى ـ ولا أحد ينكر دوره فى تحقيق هذا الحلم بافتتاحها في 23 مايو 2001 م هكذا هي الوطنية.
على أية حال،سعى رءوف عباس حامد كمؤرخ وأستاذ بالجامعة على وضع حلول للقضايا القبطية أو تحقيق مبدأ المواطنة عن طريق البحث العلمى،من أجل أن يتقبل الآخر شريكه فى الوطن دون تمـــــــيز أو عنصرية، من خلال تخريج طلاب من الجامعـــة يؤمنون بحقوق المواطنة ومبدأ المساواة بين جـــميع الأفراد،دون تفرقة عرقية أو دينية، ففى مجال الدراسات القبطية بالجامعة المصرية، لا يوجد كرسى (قسم) لها، مع العلم أن شتى جامعات العالم يوجد بها أقسام وفروع لدراسة اللغة القبطية وتراثها الثقافى، ومن ثم رأينا رءوف عباس يشجع أحد طلابه( محمد عفيفى عبد الخالق" ــ حاليا رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة) على تسجيل أطروحته للدكتوراه حول القضية القبطية تحت عنوان "الأقباط فى العصر العثمــــانى"، وهـذه الدراسة تعد من بين الدراسات الفريدة، التى تضع حلولا علمية لمشاكل الأقباط وعلاقاتهم بالسلطة الحاكمة، كمـــا شجعني أنا على "دراسة الأقباط والحياة الاقتصادية والثقافية.
وكان للراحل رءوف عباس حامد مواقف وطنية من القضية القبطية يسجلها لنا التاريخ نذكر بعض منها، ففى مقاله بجريدة "الأهالى" بتاريخ 10 نوفمبر 1993 م،تحت عنوان خطاب مفتوح إلى وزير التعليم "حسين كامل بهاء الدين" "حذار إنهم يتلاعبون بمستقبل الوطن ويشكون فى أمانة الأقباط بالجامعة" فذكر قائلاً" المسألة التى أكتب لك عنها تتعلق باتجاه فى وزارتك يمس سلامة هذا الوطن وأمنه ومستقبله،ويتصل بدور التعليم فى مصر،وما يقع على عاتقه من تأمين غد أفضل للمصرين دون تميز".
وخلاصة ما جاء فى نص الخطاب الذى ارسله رءوف عباس حامد قوله:"اتصل بى صباح الخميس 28 أكتوبر 1993،أحد مستشارى الوزارة يدعونى إلى إعــــــداد امتحان الثانوية العامة لمادة التاريخ، فاعــــتذرت عن عدم قبول المهمة لظروفى الخاصة، فاقترح على ترشيـــح آخـر، فرشحت الدكتور"يونـــان لبيب رزق" ولكن الـــمستشار ضحك ضحكة صفراء ذات مغزى،وطلب منى ترشيح آخر،ولما سألته عن السبب قال" إن تعليمات الأمن تقضى بعدم إشراك (أهل الذمة) فى وضع الامتحانات العامة" وفى خاتمة خطابه عبر عن ؟؟ مواطنــــته وحرصه على سلامة وحدة هذا الوطن حيث ذكر قائلاً" لقد تابعت بإعجاب شديد،وتقدير عظيم مواقفـــك الجسور فى مواجهة من يريدون إعـــــادة مصر إلى عصور التخلف،ويسعون لشق الصف الوطنى،بالعــــمل على تطهير التعليم منهم، ولكنى لا أخفى عليــــك مخاوفى من دلالات هذه الواقعة،وما تبشر به من سوء يهدد هذا الوطن".
وكان للراحل الدكتور رءوف عباس الفضل فى تفعيل مبدأ المواطنة حينما ساهم في تعيين أول معيدة قبطية فى قسم التاريخ كلية الآداب جامعة القاهرة، تدعى"مرفت صبحى" ــ حاليا دكتورة بذات القسم ــ فقد اعترض بعض الأساتذه وعلى رأسهم الدكتور"حسنين ربيع" أستاذ تاريخ العصور الوسطى، بل الأدهش من ذلك قـــاموا بترشيح آخرين، رغم تفــــوق الطالبة القبــــــطية عليهم،وهذا ما دفع بـ"رءوف عــباس لتقديم استقالة مسببة إلى عميد الكلية "عبد العزيز حمودة"، ومن هنا سوف يتم التــحقيق فيها ويظهر التعصب الدينى لدى هولاء وينفضح آمرهم فى الجامعة، وهذا ما ذكره "رءوف عباس فى مذكـــــراته "مشيناها خطى" قائلاً "هنا قرر صاحبنا أن يلقن العميد درساً قاسياً، فكتب على الفور خطاب استـــقالته تحت عنوان، التعصب وراء ستار الصالح العام من خدمة جامعة،،دينها التعصب الأعمى،ومبدأها التميز بين المصريين على أساس الدين".
كما ذكر رءوف عباس فى مذكراته "مشيناها خطى"، أن التعصب الأعمى والعنصرية الدينية وعدم تطبيق مبدأ المواطنة،كان السبب فى تخلص قسم التاريخ عام(1944م)،من الدكتور"سوريال عطية" أستاذ تاريخ العصور الوسطى بنقله لجامعة الإسكندرية، ثم هجرته بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية،وتفوقه وإنشائه مركزأ للدراسات القبطــية بولاية يوتا، وهـــــــذا ما ذكره الدكتور"حسنين ربيع "وكتبه بأمانه ووطنية رءوف عباس فى مذكراته قائلاً:"إن القسم تخلص من هؤلا ــــــ يقصد الأقباط ــــــــ منذ أكثر من خمسين عاماً،فلا يجب عودتهم مرة آخرى.......".