إعداد/ ماجد كامل
تمثل كنيسة السيدة العذراء المندثرة بأتريب قيمة روحية وتاريخية وأثرية كبيرة في الضمير والوجدان القبطي والوطني والعالمي ؛ فهي من الناحية التاريخية تعتبر أول كنيسة أنشئت علي أسم السيدة العذراء في الوجه البحري . وهي الكنيسة التي تذكر كتب التاريخ أنها صلت فيها والدة الشهيد العظيم لكي يعطيها الله نسلا ( راجع سنكسار 15 هاتور ) . كما ورد ذكرها في سيرة الشهيد العظيم ابانوب النهيسي (سنكسار 24 أبيب ) حيث كانت ضمن أحدي محطات التعذيب التي عذب فيها القديس الشهيد .
كما جاء ذكر أسقف لها كان ضمن الحاضرين لمجمع أفسس المسكوني عام 431 م .والحق أن مدينة أتريب لها شهرة كبيرة من أيام المصريين القدماء ؛ حيث ورد ذكرها في قاموس جوتييه حيث ذكر عنها أن أسمها المصري القديم (هات – هير – آب )ومعناها القصر الذي في الوسط ؛وتعرف أيضا (كا – كيم ) ومعناه مدينة الثور الأسود وهو معبود أهلها ؛وكانت تعتبر القسم العاشر بالوجه البحري في عهد الفراعنة (محمد رمزي ؛القاموس الجغرافي ؛المجلد الثاني ؛الهيئة العامة لقصور الثقافة ؛ص 18 ) . كما كتب عنها العالم الفرنسي أميلينو ( 1850- 1915 )فقال عنها "هذا الأسم موجود في كل المصادر القبطية ؛ويتكرر مرات عديدة في السنكسار ؛وتذكرها القواميس القبطية- العربية هكذا : دريب ؛أتريب ؛ مدينة أتريب .... الخ ؛ويشير إليها الأسقف المؤرخ يوحنا النقيوسي خلال عرضه لأحداث ثورة الأقباط ضد فوكا ؛ وعند الحديث عن غزو العرب لمصر . كما يصف الكنيسة فيقول عنها أن لها أربعة أبواب وأربعة أعمدة ؛بين كل عمود وعمود أربعون ذراعا ؛وهذا يعطينا طولا لأكثر من 80 متر للكنيسة كلها ؛وكانت بجملتها مبنية من الأحجار ؛وكانت تحتوي علي ما لا يقل عن 160 عمودا ؛وكان الهيكل والمذبح منقوشين ومزينين بالذهب والفضة ؛وكانت أيقونة العذراء مطعمة بالأحجار الكريمة ومكسوة بثوب من الحرير مهدي من الملك قسطنطين ؛ مع صور للملاك ميخائيل وغبريال والملائكة الآخرين ؛ وشمعدانات من الذهب والفضة كانت مضائة فيها باستمرار ".
كما قام أبو المكارم بوصف الكنيسة وصفا تفصيليا في موسوعته "تاريخ الكنائس والأديرة حيث قال عنها " كنيسة رحبة كبيرة ؛حولها سور دائر بباب درب كبير ؛وهي ثاني كنيسة أو بيعة انشئت وكرزت ب
أرض مصر ؛إليها كان يتوجه بطريرك الإسكندرية ومعه جماعة كبيرة من النصاري للتبرك ؛وتقديم القربان فيها في الحادي والعشرين من يؤونة ؛ومساحتها واحد وعشرين فدانا ؛البيعة سبعة فدادين ؛وقلاية الأسقف سبعة فدادين ؛والحدائق سبعة فدادين ".
كما كتب عنها العلامة المقريزي في موسوعته الشهيرة تحت عنوان "دير أتريب " حيث قال " ويعرف بماري مريم وعيده في حادي عشر بؤونة "وذكر الشابستي أن حمامة بيضاء تأتي في ذلك العيد ؛فتدخل المذابح ؛ولا يدرون من أين جاءت ! ولا يرونها إلي يوم مثله . وقد تلاشي أمر هذا الدير حتي لم يبق به إلا ثلاثة من الرهبان ؛لكهنم يجتمعون في عيده ؛وهو علي شاطيء قريب من بنها العسل " .(تاريخ الأقباط لتقي الدين المقريزي ؛تحقيق د عبد المجيد دياب ؛ دار الفضيلة ؛ صفحة 174 ) .
وفي كتاب "ميامر وعجائب السيدة العذراء " ورد ذكر قصة المعجزة التي حدثت في أثناء حكم المأمون عندما أراد هدم هذه الكنيسة ؛وكلف والي مصر للقيام بهذه المهمة ؛وعندما وصل أمام كنيسة أتريب ؛ تصدي له كاهن الكنيسة وتوسل إليه أن لا يمس هذه الكنيسة بسؤ نظرا لقيمتها ااتاريخية والفنية ؛ ولكنه قال له هذه أوامر مولانا الخليفة أنه لا يستطيع أن يعصي له أمرا ؛فرد عليه الكاهن وطلب منه أن يمهله ثلاثة أيام فقط ؛وسوف أعطيك عن كل يوم 100 دينار ؛أي 300 دينار في الثلاثة أيام ؛ فوافق الأمير علي العرض ؛ ودخل الكاهن داخل الكنيسة ؛ وأخذ يصلي بدموع أمام أيقونة السيدة العذراء متشفعا بها أن تنقذ الكنيسة ؛ وفي اليوم الثالث ظهرت لها السيدة العذراء من أيقونتها وبشرته بوقف الهدم ؛ وعندما توجه الكاهن إلي الوالي الذي قال له "قبل أن تدخل بقليل جاء طائر أبيض والخيمة مقفولة ؛لا أعلم كيف دخل ورمي في حجري خطاب وإذا به ممهور بإمضاء الخليفة بوقف هدم الكنيسة فورا في أتريب وأن يعود فورا إلي بغداد . وعندما توجه الوالي الي بغداد سأل الخليفة هل هذا الخطاب منك ؟ رد وقال نعم مني ؛ فقال له وماهي قصته ؛رد الخليفة وقال "أنا في الليل رأيت رؤية ؛رأيت السيدة العذراء ببهاء وجمال شديد ؛فقالت لي كيف تجاسرت علي هدم كنيستي في أتريب ؛لا بد أن تصدر أمرا عاجلا إلي الأمير في مصر أن يوقف هدم كنيستي وسائر الكنائس الأخري ؛ولقد تكرر الأمر في الليلة الثانية ؛وقالت له السيدة العذراء "لو لم توقف هدم الكنائس ؛سوف يصيبك ضرر عظيم ؛ ؛فقال له وأفرض أني أصدرت الأمر؛ لا بد أن تكون الكنيسة نظرا لبعد المسافة بين القاهرة وبغداد ؛ فقالت له :أنت تكتب الآن وعندي من يبلغ رسالتك ؛وبمجرد أن كتبت الأمر ووقعته حتي خطفه من يدي طائر أبيض ؛فقال له الأمير هذا الطائر الأبيض دخل إلي الخيمة والخيمة مقفولة في ساعة مبكرة وألقي علي هذا الخطاب .
والجدير بالذكر أن هذه الكنيسة قد أختفت في ظروف لا يعلمها أحد ؛ غير أنه يوجد تقليد قبطي قديم ورد في بعض المخطوطات أن هذه الكنيسة مطمورة تحت الأرض وأنها سوف تظهر في نهاية الأيام ؛وسوف يكون لها دور كبير في تحقيق الوحدة الكنسية .
ولعل آخر مخطوطة مكتوبة تكشف عن وجود كنسة أتريب ؛ هي المخطوطة التي أكتشفها عالم الآثار البريطاني الشهير بلاملي PLUMLEY رئيس قسم الدراسات المصرية والقبطية في جامعة كمبردج ؛ ورئيس بعثة حفريات جامعة كمبردج في بلاد النوبة ؛ حيث أكتشف جثمان أسقف نوبي في أبريم ؛ وكان أسمه تيموثاوس ؛ولقد تم رسامته أسقفا في كنيسة السيدة العذراء المعلقة في 19 هاتور 1088للشهداء ؛أي ما يقابل 1372 م في عهد حبرية البابا غبريال الرابع( 1370- 1378 م ) البطريرك رقم 86 من سلسلة بطاركة الكنيسة القبطية ؛ وتم تجلسيه في أبريم بتاريخ 27 هاتور أي بعدها بثمانية أيام ؛ ولقد أشترك في صلوات التجليس أربعة آباء أساقفة هم :_
1- الأنبا أثناسيوس أسقف كرسي قوص وأرمنت .
2-الأنبا بطرس أسقف كرسي الأشمونين .
3- الأنبا مرقس أسقف كرسي قفط .
4- الأنبا ميخائيل اسقف كنيسة السيدة العذراء بأتريب .
أي أن كنيسة السيدة العذراء كانت موجودة وكان لها أسقف مستقل يدعي الأنبا ميخائيل حتي عام 1372م علي الأقل .
وعقب ظهور السيدة العذراء فوق قباب كنيستها بالزيتون في عام 1968 ؛ طلب الصيدلي الأثري فؤاد زكي تادرس من البابا كيرلس السادس ان يشكل لجنة للبحث عن هذه الكنيسة الأثرية ؛ فأمر البابا كيرلس بتشكيل لجنة للبحث عن الكنيسة بتاريخ 1 أغسطس 1968 وكانت مشكلة علي النحو التالي :- ( أنظر صورة اللجنة في الصورتين المرفقتين بالمقالة مع قداسة البابا كيرلس السادس وقداسة البابا شنودة الثالث – نيح الله نفسيهما في فردوس النعيم ) .
1- الأنبا مكسيموس مطران القليوبية وقويسنا : -الرئيس الروحي للجنة .
2-الدكتور باهور لبيب عضو المجلس الأعلي للثقافة والفنون والآداب وعالم القبطيات المعروف:- رئيسا للجنة .
3- القمص يوحنا عبد المسيح صليب سكرتير اللجنة البابوية لشئون الكنائس : -مقرر اللجنة .
4- الدكتور زكي تادرس الأثري ؛وصاحب معامل لاأدوية ناردين سابقا : -أمين الصندوق .
5- الأستاذ وهيب مسيحية بطرس الأثري ومدير شركة مصر للسياحة : - مستشار قانوني للجنة .
6- المهندس ماهر مهني السبكي الأثري وكيل إدارة المنيا بالمنيا : -عضوا
7- الأستاذ حشمت مسيحة جرجس ؛مدير غدارة التفاتيش المصرية بمصلحة الآثار :- سكرتير اللجنة .
8- الأستاذ فيكتور جرجس عوض الله ؛مدير المتحف القبطي بالنيابة : - عضوا .
9- المهندس رشدي نصيف ؛خبير بوزارة العدل :- مساعد لأمين الصندوق .
10- الأستاذ خليل مسيحة جرجس المدرس المنتدب بكلية الفنون الجميلة : - عضوا .
11- الأستاذ منير بسطا دقدوق كبير المفتشين بمصلحة الآثار :- عضوا .
ولقد أعطي البابا كيرلس السادس قارورة ماء صغيرة بعد أن صلي عليها للدكتور باهور لبيب ؛ وأوصاه أن يرشها في المنطقة المحددة لبداية العمل .
ولقد تعاونت هذه اللجنة مع البعثة البولندية التي بدأت العمل في منطقة آثار أتريب ببنها العسل بناء علي اتفاقية تعاون ثقافية بين مصر وبولندا برئاسة البروفيسر ميكالوفسكي وعضوية ستة من المعاونين بينهم الدكتورة بربارة روزيك عالمة الآثار البولندية . ولقد بدأت اللجنة عملها في 20 يناير 1969 ؛ ولقد عثرت اللجنة علي بقايا تيجان أعمدة رخامية وعليها طبقة من الذهب ؛وعلي أجزاء من الكرانيش المذهبة ؛وأجزاء من الرخام والأواني الفخارية ؛وبعض العملات المعدنية التي ترجع لعصر الملك قسطنطين . ولكنها لم تتمكن من اكتشاف أكثر من ذلك .
ويوجد العديد من القصص الشعبية التي تروي عن هذه الكنيسة مما يصعب التحقق منها تاريخيا
وما زال حلم اكتشاف كنيسة العذراء بأتريب يراود الملايين تحقيقا للنبوات التي وردت في بعض المخطوطات عن ظهورها في الأيام الأخيرة .