وافقت لجنة الإسكان والمرافق بمجلس النواب علي مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل أحكام قانون الإيجارات القديمة للأماكن غير السكنية -أي جميع أوجه النشاط المهني والتجاري والخدمي والحرفي- وذلك ينسحب علي نحو 3 ملايين وحدة مؤجرة طبقا لهذا القانون. وأكد أعضاء لجنة الإسكان بالمجلس أن الهدف من مشروع القانون هو تحقيق المصلحة العامة وليس مصلحة فئة علي حساب فئة أخري احتراما للدستور الذي أكد عدم جواز تمييز فئة علي فئة أخري.
ينص مشروع القانون علي تطبيق فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبدأ من تاريخ صدوره علي جميع إيجارات الأماكن الخاضعة لأحكامه وبحيث تبدأ بزيادة القيمة الإيجارية بمقدار خمسة أمثال القيمة المحددة بعقد الإيجار لمدة سنة واحدة وتسري بعدها زيادة سنوية مقدارها 15% كل سنة من السنوات الأربع التالية, علي أن يتم إنهاء عقد الإيجار وإخلاء العين وإعادتها إلي المالك بعد انقضاء الفترة الانتقالية للسنوات الخمس… والمفهوم ضمنا أنه بانتهاء عقد الإيجار يتم تحرير القيمة الإيجارية تماما وإطلاقها لتخضع لمعايير العرض والطلب وللاتفاق بين المالك والمستأجر, أي للقانون الأزلي للسوق مثلما فعلت الدولة عند تحرير العلاقة بين الجنيه والدولار -وبينه وبين سائر العملات- ضمن خطط الإصلاح الاقتصادي.
هذه خطوة تأخرت كثيرا جدا لإصلاح تشريعات تجميد الإيجارات التي يرجع عمرها إلي ستينيات القرن الماضي والتي تم فرضها علي جميع عقود إيجارات الأماكن السكنية وغير السكنية في إجراء سياسي عصف بتوازنات السوق وثوابتها الاقتصادية وابتغاء استمالة الطبقات الفقيرة والتنكيل بالملاك والمستثمرين, ولكن ما كان ظاهره ذلك كانت حقيقته التي تكشفت هي العصف بالثروة العقارية وتفجر موجات متتالية لتصحيح السوق نفسها بعد العصف بتوازنات العرض والطلب تمثلت في ظاهرة خلو الرجل كقيمة تعويضية يتقاضها المالك من المستأجر, ثم بعد تجريم تلك الظاهرة تحولت السوق إلي التمليك عوضا عن الإيجار الأمر الذي أحدث تضخما هائلا في سوق العقارات, وكانت النتيجة الكارثية ثلاثية الأبعاد: أولها انطلاق أسعار التمليك خارج حدود كل سيطرة في ظل غياب معايير أو تشريعات تحكمها بالتوازي مع تجميد الإيجارات, وثانيها انهيار مستوي المباني والمنشآت هندسيا وجماليا بعد انحسار نوعية الملاك الذين يبنون مباني ملكا لهم ولأولادهم من بعدهم لتحل محلها نوعية المقاولين الذين لا يبتغون سوي إقامة مبني علي عجل ودون اكتراث يبيعوه إلي الغير ويتركوه ليبنوا غيره -وهلم جرا- وذلك في حد ذاته طبقا لتقدير الخبراء أدي إلي انخفاض العمر الافتراضي للمباني من نحو 75 عاما طبقا للسائد قبل العبث بقوانين الإيجارات إلي ما يتراوح بين 25 و50 عاما علي الأكثر بعد ذلك.. أما ثالثة الكوارث فكانت في الخديعة الرهيبة التي حلت بالفقراء والبسطاء, الذين فرحوا بقوانين تثبيت الإيجارات لسنوات ثم أفاقوا بعدها علي كابوس الحصول علي شقة أو مكتب أو ورشة لأولادهم فإذا بهم يردون ما حصلوا عليه أضعافا.. أضعافا.. أضعافا.. وبتنا نسمع عن الأسرة التي تعيش في شقة إيجارها القديم الثابت تجمد عند أقل من عشرة جنيهات بينما الابن يستأجر شقة متواضعة أصغر منها في مبني جديد متهالك (!!) بنحو ألف جنيه شهريا, وهكذا الحال في الأماكن غير السكنية.
الآن تعود العدالة للسوق بصدور قانون تحرير القيمة الإيجارية للأماكن غير السكنية, وتعود السيادة -بعد سنوات خمس من صدور القانون- للقانون الأزلي للسوق قانون العرض والطلب… ولعل ذلك يكون من شأنه تصيح أضرار جمة حاقت بالسوق عبر سبعة عقود مضت.. ولكن مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك بالقطع سيكون له ردود أفعال وتأثيرات تضخمية سوف يشعر بها المواطن العادي الذي لاتزال التشريعات تحرص علي عدم المساس بالقيمة الإيجارية لمسكنه القديم- مسكنه القديم ذو الإيجار المتجمد- فالبديهي أن رفع ثم إطلاق القيمة الإيجارية للأماكن غير السكنية سوف ينعكس بالتبعية علي سائر الخدمات التي تقدمها تلك الأماكن للمواطن.. ويجب أن نتوقع أن يتم تصدير كل ارتفاع في هذه القيمة ليضاف علي قيمة السلع أو الخدمات أو الاستشارات التي يدفعها المواطن سواء للطبيب أو المحامي أو المحاسب أو المهندس, ناهيك عن سائر الخدمات والحرف.
أما عن العدالة وعدم التمييز بين فئة وأخري, فذلك يفتح ملف الإبقاء علي إيجارات الأماكن السكنية كما هي وعدم قدرة أو شجاعة المشرع للاقتراب منها حتي الآن رغم وجود محاولات سابقة لفتح هذا الملف باءت بالفشل.. لكن هذه قصة أخري سأتناولها في مقال قادم.