هاني صبري - المحامي
يثأر بين الحين والآخر في الكنيسة القبطية الارثوذكسية إشكالية الصراع بين المعاصرة و التقاليد الكنسية وينتهي الأمر إلي لا شئ لاعتبارات كثيرة ، ونري أنه يجب فتح هذا الموضوع المسكوت عنه وهو ضرورة ملحَّة لتلبية الكنيسة لأحتياجات شعبها، ولكي تستمر بأكثر فاعلية في أداء دورها المنوط بها.
والجدير بالذِّكر أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أحد أهم صمامات أمان المحافظة علي الإيمان المسيحي في العالم كله وتاريخها يشهد بذلك، وهي حريصة تماماً منذ عصورها الأولي وحتي وقتنا هذا علي سلامة التعليم الصحيح حفظاً لسلامة الإيمان، وتسليمه لأجيال آخري أمناء أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً فينتقل من جيل إليّ جيل.
وأن الإيمان في كنيستنا هو إيمان واحد مصدره الكتاب المقدس ثم أقوال الأباء القديسين وقوانين المجامع المقدسة، وكتب الطقس الكنيسي وتسمي في مجموعها بالتقاليد الكنيسة الموافقة للكتاب المقدس ويجب أن يكون التجديد والمعاصرة وفق هذا الاساس، حيث أنّ الانتقال من الرؤية التقليدية إلى رؤية أخرى معاصرة من شأنه أنْ يجعل الفكر الديني متناغمًا مع الحداثة، لكن كلّما كانت المؤسسة الدينية مصرّة على الانغلاق على ذاتها كانت أكثر بعدًا عن الإنسان وواقعه.
وهناك محاولات من البعض تجاهل الحداثة أو التخلّص منها أو احتوائها ويرونها من منطلقات دينية ضيقة - خصمًا لهم، وهو ما ولّد أزمة زاد من حدّتها تصلّب المواقف بين المحدثين والتقليدين، فاتسعت الفجوة بينهم.
كما أنّ التفاف البعض في الكنيسة على مطالب الحداثة في المستوى الفكري والاجتماعي والثقافي لم يدفع الكنيسة إلى الانفتاح على الحداثة بقدر ما وطّد فيها أركان نزعة الاحتواء المقنّع لها للسيطرة علي الناس، وهو ما قاد في نهاية الأمر إلى تباعد المسافات بين الطرفين بشكل لم يعد معه ممكنًا الحديث عن احتواء الكنسية للحداثة ومتطلّباتها.
لذا يجب علينا أن نجمع ما بين المنظوريْن؛ التراثي والمعاصر، من الضروري بمكانٍ أنْ نُدرِك أن بحثنا في كنوز الآباء لا ينفصل عن وعينا بواقعنا المعاصر، وما نستلهمه من الآباء نُقَوْلِبه في لُغة العصر لنُصِّدر خطابًا يُعبِّر عن الكنيسة التي تحمل في جعبتها جدداً وعتقاء، وأن نكون على استعداد للتجدُّد والمغامرة في التلامس مع إشكاليات العصر دون أن نقطع الخيط الذي يصلنا بهوّيتنا الإيمانيّة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل عالج الآباء إشكاليات إنساننا المعاصر مثل؛ عِلم الأجنّة، نقل الأعضاء، قيم الحداثة، العولمة، التغيُّرات المناخيّة والاحتباس الحراري وغيرها من الأمور. فِي أعتقادي أنّ تلك التحديّات هي وليدة ظرف تاريخي ومجتمعي وثقافي معاصر، وبالتالي لم تكن تحديّات في العصور الأولى للمسيحيّة، ويجب الأخذ في الاعتبار أن الأجوبة هي نتاج دراسات ووعي عام يتلامس مع الواقع.
يجب علينا فهم الفكر الآبائي بمعناه الصحيح وهو السير على خُطاهم، المُحاكي سيرتهم، الواعي بدوره المعاصر، المنفتح على قضايا وإشكاليات مجتمعه.
ويجب أن يطمئن الجميع علي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أقدم كيان مؤسسي علي مستوي العالم حافظت علي إيمانها وعقيدتها أكثر 2000 عام، وعندما يثأر أي إشكاليات تتعلق ببعض الأمور محل اختلاف داخل الكنيسة يجب عرضها علي المجمع المقدس لانها كنيسة مجمعية يعني القرارات تتخذ فيها بعد مناقشات مطولة ودراسات عميقة ومتأنية من أعضاء المجمع المقدس.
وعندما يثأر خلاف داخل الكنيسة بين بعض الأشخاص لتحقيق مصالح شخصية ضيقة أو إدعاء مجد زائف مما يدعون أنهم حماة الإيمان وحراس العقيدة وغيرهم من المحدثين فهي معارك ثنائية صفرية ومفتعلة لا فائدة منها ولا طائل من ورآها لان كنيستنا مجمعية قوية لها قواعد إيمانية وتقاليد راسخة وعلي قلب رجل واحد .
وفي تقديري أن الكنيسة تحتاج فى بعض الأمور إلى إعادة هيكلة وترتيب من الداخل في بعض النواحى الإدارية والتنظيمية حتي لا يحدث صدام لا قدر الله قد يعيقها عن أداء بعض مهامها، وينبغي وضع ضوابط للعمل داخلها للتقييم والرقابة والمساءلة والمتابعة المستمرة حتى تتمكن من أداء مهامها بفاعلية، ووضع شروط ومعايير واضحة ومحددة لاختيار كل من يتولى مسئولية داخل العمل بها وتحديد مهام عمله، والاستعانة بمجلس مستشارين فى جميع مجالات العمل داخل الكنيسة يكون مشهودًا لهم بالخبرة والأمانة. وينبغي كذلك التواصل مع المخدومين لمعرفة احتياجاتهم ، ومنع تدخل رجال الدين فى السياسة ، والإسراع في إعداد دستور للكنيسة القبطية كما أوصي به المجمع المقدس.
وعلي الجميع نبذ أي خلافات شخصية والبعد عن الانقسامات وتغليب مصلحة الكنيسة علي أي اعتبارات شخصية ومواكبة الحداثة والحرص علي سلامة ووحدة الكنيسة لكي تؤدي دورها بفعالية ككنيسة قوية حية موثرة لتوصيل رسالة الأخبار السارة للعالم كله.