نادر نور الدين محمد
تحول أمر تغير المناخ، حين صدر تقرير أل- جور وفريقة، من «توقعات ترقى إلى حد اليقين» إلى واقع نعيشه ويداهمنا، وتسببت الانبعاثات الكربونية المتزايدة فى جنون للمناخ وسرعة تكرار للظواهر الجامحة عالية الحرارة أو منخفضة البرودة. فالعالم تجتاحه الآن موجة غير مسبوقة من ارتفاع درجات الحرارة لم تتكرر من 70 عاما شملت كل القارات القديمة فى أوروبا وإفريقيا وآسيا وتجاوزت الحرارة 50 درجة فى آسيا و45 درجة فى أوروبا ومثلها فى شمال إفريقيا ومصر وهو ما لم يعتد عليه السكان خاصة فى أوروبا بما ذكرهم بالموجة المماثلة والأقل فى الحرارة منذ عقدين من الزمان والتى راح ضحيتها أكثر من 13 ألفا من البشر فى أوروبا.
هذه التغيرات الهائلة تجبر الشعب على نظم جديدة للحياة، حيث كان سكان أوروبا يتحصنون ضد البرودة فقط بأجهزة التدفئة، وعليهم الآن التحصن ضد الحرارة أيضا وإدخال أجهزة التكييف والتبريد وهو ما قامت به فعلا دول جنوب أوروبا فى إسبانيا وإيطاليا واليونان وفرنسا مستوعبين درس العشرين عاما الماضية وما عانوه من ويلات حرارة الصيف. الأمر لن يتوقف على معاناة البشر فى حياتهم وتنفسهم وقدرة أجسادهم على التأقلم مع هذه الدرجات من الحرارة المرتفعة بل سيمتد إلى شرابهم وطعاهم والذى سيرفع معها التبخير من مياه الشرب ومن المزروعات كما سيزيد من كميات المياه اللازمة لإنتاج غذائهم وكسائهم وأعلافهم ولحومهم ومستلزماتهم الطبية والعطرية فى الوقت الذى ستنخفض فيه مواردهم المائية ويزيد تركيز الملوثات والأملاح بها، خاصة تلك الدول التى تتخذ من الفقر سبيلًا لتبرير إلقائهم بالملوثات فى المياه العذبة للأنهار والبحيرات.
... كما هو حادث الآن فى بحيرة فيكتوريا فى منابع النيل ثم فى مجرى النهر والذى ينبغى أن يكون له الأولوية فى المرحلة القادمة للحفاظ على مياهه نظيفة وعذبة، لأن صحة البشر من صحة مياههم وطعامهم. الأمر أيضا سيطال إنتاج الطاقة التى ينبغى أن تتضاعف لملاحقة الزيادة فى احتياجات التبريد للقطاعات السكنية والزراعية والصناعية والبيئية، بما سيزيد من تداعيات تغير المناخ وندخل فى دائرة مفرغة لا خلاص منها.
تشير نتائج تداعيات تغيرات المناخ على دول البحر المتوسط إلى أن الموارد المائية المتاحة حاليا سوف تنخفض بنسبة 6% على الأقل، بينما ينخفض إنتاج الغذاء بنسبة لن تقل عن 20% فى الوقت الذى يتزايد فى السكان، وتتراجع التنمية ونحتاج إلى زيادة إنتاج الغذاء وليس نقصانه.
الأمر أيضا يشير إلى تدهور التربة الزراعية التى تنتج 95% من غذاء البشر، وتزيد تركيز الأملاح الضارة، بما يؤدى إلى مزيد من تدهور إنتاجية الغذاء، وبما يزيد من الحاجة إلى المياه لغسيل هذه التراكمات المتتالية والضارة من الأملاح والملوثات فى وقت تقل فيه المياه المتوافرة، وتتبخر وتتلوث، والأمر يحتاج إلى جهد علمى وتفكير فى مستقبل حياة البشر، خاصة فى دول الشح المائى وقلة الأمطار، والتى نتمنى إليها، فالأمر لم يعد من الكماليات، بل من الأساسيات المرتبطة بحياة وموت البشر وأمراضهم ومعاناتهم، وبالتالى فالبحث العلمى الزراعى لم يعد ترفًا يأتى فى نهاية أولويات الدول النامية.
تشير أحدث دراسة منشورة عن معهد سياسات الطاقة فى جامعة شيكاجو الأمريكية بنهاية عام 2017 بأن درجات حرارة كوكب الأرض مستمرة فى الارتفاع، وأنها سترتفع أكثر فى السنوات القادمة ليس بأقل من 8 درجات جديدة بعد أن تعهد العالم بالحفاظ على ارتفاعها بما لا يزيد عن درجتين فقط، ولكن للأسف وصلت فى منطقة جنوب المتوسط إلى 5 درجات ومتوقع زيادة من الارتفاع.
السبب- كما جاء فى الدراسة- هو التوسع فى استخدام الوقود البترولى ومعه التوسع فى استخدام الفحم الحجرى والنباتى خاصة فى الصين والهند وبعض الدول الفقيرة والتى وجدته بديلا رخيصا للطاقة غير مبالية بتداعياته عليها أولا بسبب هشاشة هذه الدول لتغيرات المناخ مقابل الدول الغنية القادرة على تكاليف مجابهة هذه التغيرات.
أدان التقرير الانبعاثات المتزايدة من الصين والتى ستفوق كل التوقعات فى عام 20100 ومعها الهند والولايات المتحدة، وأن الحاجة أصبحت ماسة فيما تبقى من هذا القرن بحتمية التحول إلى استخدامات الطاقة النظيفة من الشمس والرياح وأمواج البحر وجوف الأرض وحتى الطاقة النووية والمساقط المائية للسدود النهرية وإلا سيعانى البشر كثيرا فى صحتهم وغذائهم وشرابهم وسيضطرون إلى إعادة استخدام نوعيات من المياه تضرهم وكأنهم سيعيشون يوما بيوم خاصة فى ظل تراجع الأمطار التى تغسل الأراضى وتنشط المزروعات واتجاهها شمالا لدول وفرة الأمطار وتنحيها عن الدول الحارة ومنابع النيل التى ستجنى ثمن تغير المناخ الذى لم تسهم فى حدوثه لكونها دولا زراعية قليلة إنتاج الانباعاثات الغازية التى تخرج أساسا من الدول الصناعية الكبرى والتى انسحب من مسؤولياتها أمريكا فى عصر ترامب ثم الصين والهند وتركت الدول الفقيرة تلاقى مصيرها.
إيقاف تلوث المياه، ومعالجة كل أنواع مياه المخلفات من صرف زراعى وصحى وصناعى، وإنتاج سلالات نباتية عالية الإنتاجية وتستهلك مياها أقل، مع رفع مستويات دخول البشر- أمور أصبحت أهم أولوياتنا قبل عام 2050.