الأقباط متحدون | أحلام طفل و أمنيات قاتل..
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠١:٢٠ | الاربعاء ٢٣ نوفمبر ٢٠١١ | ١٢ هاتور ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٨٧ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

أحلام طفل و أمنيات قاتل..

الاربعاء ٢٣ نوفمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم  : المحامي نوري إيشوع

عالم الطفولة, عالم فريد, مميز, روحاني, عالم تسوده البراءة, العفة, التسامح, العفوية, العيش المشترك, المحبة الصادقة, عالم شعاره اللهو و اللعب, الفرحة و السعادة اللامحدودة, عالم من دونه يبقى المستقبل مجرد كلمة لا معنى لها . فكم هو قاسٍ و فظيع ان نسلب هؤلاء الأطفال عالمهم هذا!!
اما عالم القتل, فهو عالم آخر مناقض تماماً, هو عالم الظلمة و التواري, عالم الجريمة: قتل, اغتصاب, سرقة و سلب, مخدرات, عالم لا حرمة و لا رحمة فيه, شعاره زهق الأرواح, سلب الأملاك, الرأي الواحد والقطب الأوحد, اما أنا أو القتل و الدمار, عالم مخالفة القوانين و الأعراف. و لكن كم هو مرعب و مخيف ان امارس هذه الجرائم مجتمعة لتعاليمٍ زُرعت فيّ منذ نعومة أظافري باسم التفضيل و التحليل و التحريم!!


منذ سنواتٍ طويلة تعدت المائة, و في قرى بعيدة قابعة في ظلال طور عبدين و ديربكر و الرها و ماردين...كان الناس تعيش في فرح و مرح, مطمئنين آمنين, حسنوا الأرض و فتحوا الأقنية, زرعوا الكروم و جميع انواع الفواكه و حتى التين, يخرجون منذ الفجر كل يوم و كل حين, ليعملوا بالأرض, فيحرثوا و يزرعوا و يجمعوا محاصيلهم بالأغاني و الهتافات و الضحكات و يشكرون ربهم بالدعوات و ينهوونها بكلمة آمين, حياتهم سعادة و محبة و عيش مشترك دون تعب و آهات و لا حتى آلام و أنين, عاشوا بسطاء, أحرار دون ان يحسبوا يوماً حساباً لغدر الذئب وحشية التنين!!
اما الأطفال فكانوا, يلهون كفراشات ملونة, بريئة تتنقل من زهرة الى أخرى, حياتهم مليئة باللهو و الفرح و السعادة الروحية الرقيقة, يحملون قلوبٍ يافعة و عيون حنونة بريقة, لا يعرفون الخوف و الفزع و لا يخافون من الأزقة المعتمة و لا من الحارات المظلمة العتيقة, مرفوعي الرؤوس فخورين لظنهم بانهم بامنٍ و سلامٍ لقربهم من والديهم و أخوتهم ومن كل أهل القرية العامرة المحصنة البديعة, يلعبون و هم يملؤون الأزقة حركة و ضجيج و أريج و ابتسامات صادقة صادرة عن قلوب طاهرة و نقية بريئة.

الذي لم يكن في الحسبان, في ليلة حالكة السواد, و الناس نيام, جمع القاتل كل أعوانه و مريديه و كل جنود ابليس و عباديه و نقل لهم رسالته الأبليسية و قرر ان يحاسب هؤلاء الكفرة ساكني القرية المسالمة, فنزلوا الى القرية, كغمامةٍ سوداء قاتمة, سواد و قتامةَ افكارهم الشريرة, فاباحوا كل شيء, قتلوا, أغتصبوا, سلبوا, سرقوا, هدموا, سبوا, بقروا, حرقوا و مارسوا ابشع الجرائم و افظعها.

في خضم الدماء, و الصرخات و الأستغاثات و العويل و البكاء, و الحريق و الدخان و التكبير و التهليل و النعيق و النباح و المواء, استطاع أحد الأطفال الضحايا ان يختبىء بين الأحراش و الكروم بعيداً عن أعين الذئب والوحش الملعون.


بداْ هذا الطفل البرعمة الذي لا يتجاوز 6 سنوات من العمر, يسير هائماً على وجهه في تلك الليلة الدموية المظلمة, (ظلمة افكار القتلة و قساواة قلوبهم الحجرية التي لم تعرف الرحمة و الشفقة و القديمة قٍدم تعاليمهم الفاسدة), تائه, جائع, عطشان, خائف من الليل و وحوشه, أستمر العدوَ و الركض دون ان ينظر الى الوراء, يختبئ في النهار بين الحقول و المزارع و يقتات منها و يتابع سيره في الليل تحت غطاء العتمة, الى أن ساقته الأقدارالى عائلة سورية كريمة, فاعتنت به عناية الوالدين بالإبن, و شملته برعاية فائقة, و لكن هذا الطفل اليتيم, يذهب الى فراشه كل ليلة و يبكي بحرقة و عويل, على عائلته المفجوعة مع مئات لا بل آلاف العائلات الضحايا, و ينوح على أمه االسبية مع عشرات السبايا, اما في النهار فكان يترقب و ينظرالى الأفق البعيد ينتظر والدته أو لعل و عسى يحمل له قادم من بعيد أي خبرعنها بعد ان رآها آخر مرة و هي تُجر من شعرها وراء الأغا الذي أركبها خلفه على الفرس عنوةً, بعد أن قتلوا والده و كل أفراد عائلته.
أما القاتل, عاد الى مملكته, بعد ان نفذ رسالته و أكمل نذره أمام الهه الدموي, تلك الرسالة التي اثقلت كاهله منذ إن كان طفلاً, فوسع أملاكه و زاد عدد جواريه و ملكات يمينه.


كبر الطفل و تزوج و أصبح رب أسرة و ولكن لم تغيب صورة والدته عن مخيلته, ظل يبكي عليها بحرقة كلما ذهب الى فراشه و ينتظرها فينهار كل يوم. لانه بقي ذك الطفل البريء المتعطش لحنان الأم و حبها و عطفها و حضنها الدافئ .
أما القاتل, عاش بحبور و فرح و سعادة لا متناهية لانه طبق تعاليم و أوامر ربه, و فاز بدون شك بنعيم الفردوس, أغا في هذه الأرض و حور عين و أولاد مخلدون و أنهار من الخمر و العسل في جنات عدن.
مرت الأيام و السنين, و أصبح ذاك الطفل عجوزاً طاعناً في السن, فجاءت اللحظة التي أنتظرها منذ زمنٍ بعيد, بعد سنوات الألم و الغربة, سنوات فقدان حب و حنان الأم. في لحظةٍ صمتٍ رهيبة, نزل ملاك السلام بثياب ناصعة البياض و بوجهٍ طفولي من الأعالي ليأخذ الأمانة, و عند أقتراب الملاك منه, تمتم الطفل الشيخ ببعض الكلمات و هو يبتسم ابتسامة لقاء الحبيب, قائلاً و هامساً : أهلي, عائلتي, أمي, رفاق الطفولة أنتظرتُ كثيراً هذه الساعة, و ها أنذا قادم للقياكم, فأسلم الروح, و عانقت روحه روح والدته التي كانت قريبة منه و ترفرف فوقه لانها كانت تنتظر هي بدورها هذه اللحظة الحبيبة, فأتحدت الأرواح الطاهرة اتحاداً ابدياً لا يستطيع فصلها اي قاتل محترف و لا حتى إله هذا الدهر, ليعيشا الى الأبد في ملكوت السموات و في حضرة الرب الإله كملائكة.

أما القاتل, الذي كان ينتظر على أحرٍ من الجمر, و لم يعد يصدق الساعة التي سوف يلتقي فيه بحور العين و الولدان المخلدون و أنهار الخمر و العسل, بعد أن قتل أطفال أبرياء, أغتصب, سلب و سبى و أرتكب كل أنواع الجرائم. أقتربت ساعة الصفر و جاء عزرائيل و بيده مطرقة من نارٍ و حديد, لينزع عن هذا القاتل روحه الشريرة, بعد أن لوثها و دنسها باعماله المناقضة لتعاليم الإله الحقيقي الذي يدعو للمحبة و المسامحة و العدل. و قال له عزرائيل :
ايها القاتل : لقد نفذتَ تعاليم ربك, إله هذا الدهر و كنتَ العبد الأمين له, فاذهب اليه وانزل الى الأرض السابعة وااسبح معه ببركٍ من نارٍ و كبريت.

أما ربنا فقال في انجيل البشير متى الأصحاح 22 عدد 30 :
((لأنهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ. مت 30:22
المحامي نوري إيشوع




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :