بقلم : يوسف سيدهم
استعرضت الأسبوع الماضي تفاصيل وتبعات مشروع قانون تحرير إيجارات الأماكن غير السكنية والذي يرسي عدالة تأخرت كثيرا في تصحيح الخلل المسكوت عنه في إيجارات أوجه النشاط غير السكني علي مختلف مستوياته… وهو تصحيح وصف بأنه يحقق المصلحة العامة وليس مصلحة فئة (المستأجرين) علي حساب فئة أخري (الملاك) كما وصف بأنه جاء احتراما للدستور الذي أكد علي عدم جواز تمييز فئة علي فئة أخري.
ولعل تلك الأوصاف التي صاحبت تحرير إيجارات الأماكن غير السكنية هي ذاتها تدعونا لنفتح ملف إيجارات الأماكن السكنية القديمة والتي لا تتوفر حتي الآن الإرادة السياسية للتصدي له بالرغم من أنه يصرخ من جراء عصفه بالمصلحة العامة وانحيازه لفئة المستأجرين علي حساب فئة الملاك علاوة علي أنه يغض البصر عن تمييز فئة المستأجرين علي فئة الملاك بالتناقض مع الدستور… فبجانب تمييز المستأجرين علي الملاك في الإبقاء علي تجميد الإيجارات منذ نحو سبعة عقود, هناك تمييز آخر بين مستأجري وملاك المباني التي أبرمت عقود الإيجارات بها قبل عام 1996 وبين مستأجري وملاك المباني التي أبرمت عقود الإيجارات بها بعد عام 1996 حيث أطلق القانون القيمة الإيجارية للعقود المبرمة بعد عام 1996 دون حدود قصوي ودون دوام مدة العقد تاركا العلاقة بين المالك والمستأجر خاضعة لقانون السوق قانون العرض والطلب وتاركا عقود ما بعد 1996 تخرج لسانها لعقود ما قبل 1996 بما تنطوي عليه من تمييز غير مفهوم وغير مبرر!!
الغريب أن الأوضاع غير المنصفة التي أدت إلي التصدي لتصحيح إيجارات الأماكن غير السكنية هي نفسها الأوضاع السائدة بالنسبة للأماكن السكنية… هذا بالإضافة إلي شيوع ظاهرة أخري كارثية متصلة بالأماكن السكنية تتجاوز كثيرا مثيلتها في الأماكن غير السكنية, وهي ظاهرة هجرة مستأجريها وإغلاقها وتركها خالية دون إشغال والانتقال للعيش في المنتجعات والمناطق السكنية والعمرانية الجديدة طالما أن قيمتها الإيجارية القديمة المجمدة لا تمثل أي عبء مادي -وكتبت في هذا الصدد أن الأمر المضحك المبكي هو أن سداد القيمة الإيجارية السنوية لتلك الوحدات السكنية القديمة المغلقة والمهجورة يقل كثيرا عن ثمن وجبة غداء أو عشاء لفرد في أي من مطاعم القاهرة أو فنادقها حاليا!!!- ناهيك عما يمثله ذلك الوضع المريض المسكوت عنه من تردي أحوال المباني التي تضم تلك الوحدات المغلقة وتهرؤ مرافقها وإهمال صيانتها, علاوة علي الحيلولة دون إسهامها في حل مشكلة الإسكان والخلل الذي يحيق بمعايير السوق في العرض والطلب.
أما الأغرب من ذلك كله فهو أن منذ عامين ونصف العام -في مستهل عام 2017- قامت لجنة الإسكان بمجلس النواب بدراسة ومناقشة مشروع قانون لإعادة صياغة العلاقة بين المالك والمستأجر في الأماكن السكنية… وكان المشروع يشتمل علي رؤية واضحة وعاقلة لإعادة عدالة غائبة طال انتظارها بين مالك أصبح مالكا صوريا مع إيقاف التنفيذ ومستأجر أصبح مستأجرا غاصبا للملكية بفضل عقود الإيجار ثابتة القيمة وخالدة المدة!!
كان مشروع قانون تصحيح العلاقة بين المالك والمستأجر للأماكن السكنية يحدد فترة انتقالية تبدأ مع تاريخ صدوره ومدتها عشر سنوات يتم خلالها إعادة تقدير القيمة الإيجارية المجمدة بمراعاة ظروف وموقع كل عقار ومعايير تميزه من عدمها, وبنهاية فترة السنوات العشر ينتهي التعاقد الأصلي وتنفصم العلاقة بين المالك والمستأجر, علي أن تكون للمستأجر الأصلي الأولوية لدي المالك في حالة رغبته في استمرار شغل الوحدة السكنية التي يشغلها علي أن تسري في ذلك أحكام القانون المدني علي عقد الإيجار الجديد الذي يتم تحريره بينهم في هذا الصدد.
وبالإشارة إلي ما ذكر عن تقدير القيمة الإيجارية للوحدة السكنية خلال الفترة الانتقالية للسنوات العشر قبل انقضاء العقد, كان مشروع القانون ينص علي أن تنشأ في كل محافظة لجان لحصر نوعية العقارات علي أساس طبيعة المنطقة والموقع الجغرافي ومدي قربه من الأماكن المتميزة مثل الشواطئ والحدائق والمتنزهات العامة, علاوة علي تقييم حالة العقار وانتمائه إلي مستويات الإسكان الفاخر أو المتوسط أو الاقتصادي الشعبي وارتباط ذلك بهيكل المبني وتشطيباته ومرافقه العامة, وبناء علي ذلك تقوم تلك اللجان بتقدير القيمة الإيجارية لوحدات المبني, وعلي أن يتم تشكيل اللجان بقرار من الجهة الإدارية المختصة ويكون من بين أعضائها ممثل عن الملاك وممثل عن المستأجرين وممثل عن الضرائب العقارية… وكانت القيمة الإيجارية الجديدة التي تقدرها هذه اللجان تطبق بنسب متصاعدة تبدأ بنسبة 20% من قيمتها وتتصاعد تدريجيا- حتي تبلغ نسبة 100% من قيمتها مع بلوغ السنة العاشرة والتي تنقضي بعدها كافة العقود.
*** كانت هناك رؤية جادة ودراسة عادلة لامتداد قوانين تحرير الإيجارات القديمة علي الأماكن السكنية مثلها مثل الأماكن غير السكنية… لكن للأسف لم تكن هناك إرادة سياسية… ولاتزال تلك الإرادة غائبة.