أكثر ما سيطر على الليالى الجارية هو الاستوديوهات التحليلية لمباريات كرة القدم، فالأجواء كلها تدور حول كأس الأمم الإفريقية وعما إذا كان فريقنا القومى سوف يفوز بالكأس أم لا.

ومن المؤكد أن المشاهدين سمعوا كثيرا عن المفارقة الكبيرة بين النتيجة والأداء، وهل يمكن أن يفوز فريق بينما هو لا يؤدى ولا يقوم باللعب، والمدرب لا يفعل شيئا، واللاعبون ليسوا هم من يجب أن يوجدوا فى الملعب، ولو تُرك الأمر للاستوديو لجعلوا فريقا آخر يدخل الملعب، وربما يمكن أحيانا بخفة يد سحرية أن نجعل عدد اللاعبين المصريين اثنين وعشرين، فالمعلق كثيرا ما يفكر فى الإضافة، وينسى من سوف يحل محله اللاعب المضاف.

هناك على ألسنة المحللين كلمات مثل الحظ والتوفيق ودعاء الجماهير والوالدين التى قد تكون التفسير الوحيد للتناقض القائم بين الفوز والنتائج، والقدرة على نقل الكرة من الثلث الخاص بفريقنا إلى الثلث الخاص بالفريق الآخر.

 
بالطبع فإن هناك استبعادا كاملا للمنطق الذى قد يقول إنه طالما فزنا، وحصلنا على تسع نقاط، ولم يدخل فى فريقنا، فربما يكون ما نراه هو أولا طريقة لعب، وثانيا طريقة لعب جيدة لأنها هكذا تناسبنا.
 
وأن السيد أجيرى انتهى فى نهاية الأمر إلى أن ما يناسبنا هو طريقة كوبر لأن اللاعبين كانوا هم ذات اللاعبين، والطريقة لم تختلف كثيرا. معضلة تحليل الاستوديوهات التحليلية أنها تبدأ فورا فى استدعاء المباريات المقبلة للحديث عن المباراة الحالية، رغم أن الخصم بالضرورة ربما يفرض طريقة لعب مختلفة.
 
وعلى أى الأحوال فإن الخصوم جميعا من البشر، وبعضهم يصل إلى الإرهاق، والبعض الآخر يفعل كل شىء من الجرى والاشتباك، ولديه الحماس، ولكنه يفضل دائما أن تكون الكرة حول الشباك وفوقها ولكنها ليست بداخلها.
 
بالطبع فإننا لا نتحدث عن كرة القدم، وإنما عن طريقة فى التفكير ذائعة فى البلاد، وهى أن تنظر إلى مصر بينما تفكر فى سويسرا، ويحل «ميسى» محل مروان محسن، وننسى دائما ما كان عليه الحال، وأن الانتقال من حال إلى حال يحتاج كثيرا من التعلم، والاحتياج الأكبر هو للزمن.
 
فى هذه الدورة كان ممكنا إنجاز الاستعداد لها فى ستة شهور، وعرفنا كيف نُدخل الجمهور إلى الملاعب، ولا ننسى أنه خلال الشهور الماضية كان البطل الأعظم فى التعليم المصرى هو «التابلت»، وبعد الشكوى والخلاف على من يدفع ثمن الإنترنت سارت الأمور، وأجلنا بعضها، ونفذ البعض الآخر، ولكن فى النهاية قطعنا طريقا إلى الأمام.
 
ما قطعناه أكثر هو ثمن تراكم الخطوات يجعلنا أكثر شجاعة للحديث الرقمى، والبطاقات الذكية، والشمول المالى، ولو عدنا عشر سنوات إلى الوراء فربما ظننا الحديث له علاقة بالسحرة، والآن إذا نظرنا للأمام عشر سنوات فربما ستكون مصر بلدا متقدما.
 
أعتقد أن أهم ما هو مفترض فى اللاعبين هو اللياقة البدنية، وكذلك المجتمعات ولياقتها البدنية لأن التقدم صعب، وفيه علم وتدريب، وتكيف العضلات مع الإرهاق. وربما لم يكن حالنا استثنائيا فى الدورة كلها، فمعظم فرق البطولة يطولها الإرهاق فى الشوط الثانى، ولم تكن هناك صدفة، ماعدا استثناءات قليلة، أن نتائج المباريات كان فيها التعادل السلبى شائعا، كما أن فارق الفوز كان هدفا واحد أو هدفين.
 
معضلة المحللين هى أنهم يكوّنون فريقا مكونا من سرعة الجزائر إلى مهارة المغرب إلى صحة نيجيريا إلى أطوال مالى إلى حرفنة السنغال إلى طموحات مدغشقر، ويصبح على فريقنا أن يواجه هذا الفريق المثالى الذى يأتى تشبها بالتخيلات الخاصة باختيار الزوجة من جمال مركب، وعقول مركبة، ومواهب جمع المال وطبخ الطعام لذيذا فى نفس الوقت.
 
الحقيقة أن فريقنا لن يقابل هذا الفريق المثالى، لأنه أولا غير موجود، وثانيا لأننا فى إفريقيا حيث الطريق بينها وبين سويسرا فى التقدم طويل للغاية، وفى كرة القدم فإن الفرق الإفريقية فى العادة تخرج مع انتهاء الأدوار التمهيدية مع وجود استثناءات قليلة ولكن أيًا منها لم يفز بكأس العالم.
 
وإذا كان هناك من نصيحة للاستوديوهات التحليلية فإننا نحتاج قدرا من التواضع الذى يشمل منع التهويل عن أحوالنا وحالتنا، أو التهوين مما حققناه حتى الآن، فقبل وبعد كل شىء فإننا بأحوالنا كما هى حصلنا على كأس إفريقيا سبع مرات، وفقدنا الوصول إلى كأس العالم فى معظم المرات السابقة، وتاريخنا القريب جعلنا نصل إلى النهائى الإفريقى فى المرة السابقة ومعه وصلنا إلى كأس العالم وخرجنا من الدور الأول.
 
دعواتنا للفريق القومى واستوديوهاتنا التحليلية بالتوفيق.
نقلآعن المصرى اليوم