فاطمة ناعوت
قلوبُ المصريين عامرةٌ بالخير، مهما حاولتِ الغوغاءُ تفتيتَ نسيجنا الذى فى رباط إلى يوم الدين. منذ الإعلان عن صالونى الثقافى الذى استضافه قداسةُ البابا تواضروس الثانى فى المقرّ البابوى، اشتعلت ضدّى حربٌ إلكترونية رخيصة. وتعجّبتُ أن الحرب من بعض «الأقباط»، وليست من متأسلمين كما يمكن أن يتوقّع الإنسان! وزال العجبُ حين علمتُ أنها جماعة مسيحية متطرفة من بضعة أشخاص، تحارب الكنيسة الوطنية، وتحاول عرقلة مسيرة البابا نحو لمّ الشمل وتوحيد الصفّ المصرى.
موضوع الصالون (قيمة الوطن)، والهدف إرسال رسالة لجموع المصريين بأن الكنيسة الوطنية صخرةٌ تسندُ خاصرةَ الوطن ضدّ الشتات، وأن قداسة البابا ليس فقط الرمز الروحى لأقباط مصر، بل هو أبٌ للمصريين كافّة، مثلما فضيلة شيخ الأزهر أبٌ للمصريين كافة. وجميعنا شاهد البابا تواضروس فى جولاته بالخارج وكيف يُعلى اسمَ مصر، رافضًا كل محاولات الغرب للتدخل فى الشأن المصرى من بوابة (الأقباط). كلمتُه حاسمةٌ لا تتغير: (مشاكلُ الأقباط لا تحلّها إلا الدولة المصرية. والتطرف عدو المصريين جميعًا، يكافحه الشعبُ والدولة، والقوى الناعمة. والمصريون نسيجٌ واحد لا تُفضُّ عُروته). تلك كانت رسالة الصالون التى أشعلت ضدى حربًا إلكترونية من جماعة صغيرة، تُزكّى روح الشقاق بين المسلمين والمسيحيين، مستعينةً بكتائب إلكترونية حتى يُظنّ أنها حربٌ قبطية ضد الكنيسة. عمدتِ الكتائب الإلكترونية التابعة لتلك الجماعة على اغتيالى أدبيًّا ومعنويًّا، لإفشال الصالون الذى سيكرّس وحدة الصفّ. وبعد نجاح الصالون كتبوا بيانات وهمية تزعم أنهم يتكلمون باسم (أقباط مصر)، وطالبونى بأن أتوقف عن تناول الشأن القبطى فى مقالاتى. وابتلعتُ «الطُعم»، (قبل معرفتى بالحقيقة)، فأعلنتُ: (توقفى عن تناول الشأن القبطى نزولا عند طلب الأقباط).
على صفحتى، فوجئتُ بعشرات الآلاف من التعليقات الغاضبة من الأقباط، يرفضون قرارى ويتهموننى ببيع القضية عند أول منعطف. بعد أيام أدركتُ الفخَّ الذى أوقعتنى فيه تلك الجماعة المتطرفة الضئيلة.
الجميلُ فى الأمر أن ابنى «مازن» عاتبنى على قرارى وكذلك فعل زوجى قائلين: «الجندى لا يترك سلاحه وينسحب من ساحة الشرف، إن أصابته رصاصةٌ أو وابل من الرصاص». كذلك فعل د. إيهاب الخراط، استشارى الطب النفسى وعلاج الإدمان، نجل الروائى العظيم إدوار الخراط. كتب على صفحته يقول: «يا أستاذة فاطمة أنتِ مفكرة عظيمة وكاتبة رقيقة الحسّ جسورةُ الوجدان. مناضلة متّقدة من طراز فريد. وأنتِ لم تكتبى للكنيسة والأقباط، بل كتبتِ وتكتبين وسوف تكتبين لمصر وللغد وللنور. مَن جرحكِ جرحنى، وجرح مصرَ وجرح النور. لا تتركى مكانك ولا تخورى فى نضالك ولا تحزنى لأنكِ للنور. وستظلين مدى الأيام نجمةً مضيئة فى سماء الأدب والصحافة والتنوير. وسهامُ الظلام لا تطفئ النجوم».
ثم وصلتنا رسالةٌ عجيبة، موجّهة إلى زوجى، من شيخ وإمام مسجد. يطلب منه مساندتى فى حرب الشائعات التى تحاول اغتيالى بعد نجاح الصالون. والأغرب أنه طالب زوجى بأن يحاول إثنائى عن قرار التوقف عن الكتابة عن حقوق الأقباط. وإليكم نصّ الرسالة: (المحترم الفاضل مهندس نبيل. أكتب إلى حضرتك مستجديًا إياك أن تدرك المحنة التى تمر بها الآن الأستاذة فاطمة. فأنت أقربُ القلوب إليها، وهى أكثرُ الناس استجابة لك. أولا: اِخبرها أنه لا يُلقى بالحصى إلا الأشجار المثمرة. ومع هذا لم تتوقف شجرةٌ أُلقيت بحجر عن الإثمار. ثانيًا: أخبرها أن الصواعق لا تضربُ إلا قممَ الجبال، ولا يزيدها هذا إلا صلابةً. ثالثًا: قل لها إن هناك أُناسًا يستهدون بكلماتها، وهى بالنسبة لهم نبراسٌ يُستضاء به. فليس من الحكمة إطفاء السراج فيغدو مَن يهتدون به بلا هوية ولا غاية. رابعًا: قل لها إنها محاربةٌ. ومنذ متى عهدنا المحاربَ يولّى مدبرًا من الميدان إن أثخنته الجراح. خامسًا: أعلمُ أن الجرحَ غائرٌ لأن الطعنةَ من مسافة قريبة. ولكن عزاءها أن أعداءها قلَة. ورغم صراخهم وعويلهم لن ينالوا من عزيمتها لأنها تدافع عن مبدأ لا عن أشخاص. يا أ. فاطمة لا تتركينا فى الساحة نهيمُ على وجوهنا بلا قائد. أنا المسلمُ وإمام مسجد أقول لك: أنتِ على ثغرٍ، ولا يوجد مَن يسد هذا الفراغ إن مضيتِ. وليس هناك من يداوى جراح إخواننا الأقباط فى الأزمات مثلك. وأما جروحكِ أنتِ فسوف تُداوى مهما كانت غائرة. أخوك «محمد خليل جاد»، إمام مسجد عثمان ابن عفّان بالبحر الأحمر).
كم نحن رائعون، أيها الشعبُ المصرى العظيم! حقًّا «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم