لميس الحديدي
أصيب المصريون جميعًا "بالهم" و"الغم "و"النكد"؛ إثر الخروج المبكر لمنتخبنا الوطني من البطولة الأفريقية التي تقام على أرضنا ووسط جمهورنا، والتي كانت تحمل في طيّاتها أملا بفرحةٍ افتقدناها كثيرًا في حال كرة القدم.
فمشاركتنا في كأس العالم كانت "هزيلة". والدوري المصري في أسوأ حالاته منذ فترة. وكنا نتصور أن البطولة الأفريقية التي نحن الأكثر إحرازا لها في القارة السمراء ستكون طوَق خروجنا من الإحباط الكروي، وتعيد البهجة لعشاقها الذين يتمسكون بها رغم تلك الانتكاسات والتوقعات. كرة القدم للمصريين ليست لعبة... هي حياة.
لماذا حدث ذلك؟ كيف وصلنا لهذا الدرك الأسفل في الرياضة الأولى بمصر والتي تربعنا على عرشها الأفريقي لسنوات؟ وماذا علينا أن نفعل مستقبلًا؟
تلك أسئلة مهمة علينا أن نجيب عنها؛ فحديث الماضي ما هو إلا لتدارك الأخطاء، أما التسابق للتنصل من المسئولية ومعرفة الخلل الرئيسي، فلن يؤدي بِنا إلا إلى مزيد من التدهور والإحباط.
وهذه هي بعض الملاحظات الكروية وغير الكروية:
- أحسنَ فعلًا، وأَراح مجلس اتحاد هاني أبو ريدة في تقديم استقالته وإقالة الفريق الفني فور الهزيمة من جنوب أفريقيا.
وأيًا كانت تلك الاستقالة بمحض اختيارهم أم لا- وإن كنت أشك في الأولى؛ أولا لتوقيت الاستقالة، وثانيًا لأن الأخبار المبدئية كانت تتحدث عن اجتماعات ومباحثات واستمرار للفريق الفني- إلا أن الاستقالة جاءت لتعكس أقل حالات تحمل المسؤولية الأدبية عن الخسارة. ليس فقط لامتصاص غضب الناس، ولكن لإرساء مبدأ مهم، هو تحمل المسؤولية السياسية.
شاهدناه مع بعض أكفأ الوزراء، مثل وزير النقل هشام عرفات مثلا، لكنه كان بعيدا عن منظومة الرياضة التي تحمي الفيفا استقلالها، وتمنع عزلها لمنع تغول الدولة في نشاطاتها. الاستقالة، إذن، كانت الحل، لكنها حل جزئي فقط.
- سَرعان ما بدأ الحديث يتواتر عن فساد في اتحاد الكرة ومحاسبات قادمة وأجهزة تكشف الأوراق. حديث يفتح تساؤلات في حد ذاته: هل كان هناك علم بهذا الفساد تم تأجيل التعامل معه حتى الانتهاء من البطولة؟ وهل كان ذلك الفساد سيتم التغاضي عنه إذا ما نجحنا في الفوز بالبطولة مثلا؟
ولأَنِّى لا أعرف، ولا أملك أوراقًا أو معلومات، فلن أتطرق للأمر، فقط طرح الأسئلة، أما إجاباتها، فذاك شأن الأجهزة، ونحن في عصر لا يقبل الفساد ولا يحميه.
لكن الحديث يدور الآن حول تذاكر المباراة الأخيرة: ألم يطرح بالفعل منها للجمهور سوى ١٠- ١٥ ألف تذكرة، والباقي وزع كدعوات مجانية؟ (يسع استاد القاهرة ٧٥ ألف مشجع). وهل بالفعل استغل البعض هذه الدعوات، وباعها في السوق السوداء للمكسب من مبيعاتها؟ وهل فعلا كان الجمهور أكثر من عدد الكراسي في الاستاد، وكان الجمهور يفترش السلالم في مشهد عجيب؟ أسئلة كثيرة لا بد من الإجابة عنها.
***
- وإذا كانت الأجهزة تبحث في "شبهات" الفساد، وأقول هنا "شبهات" لأننا لا نعرف الحقيقة، فبالبحث عن كلمة السر: "تضارب المصالح". وهناك قانون تحت اسم "منع تضارب المصالح" صدر لمواجهة جرائم تضارب المصالح واستغلال النفوذ. وفي هذا كلام كثير أترك للأجهزة أن تكتشفه وتعرف مخاطره، فهي أقدر مني على ذلك. فبدون مواجهة تضارب المصالح لن تتحقق العدالة ولا الإنصاف في الاختيارات والقرارات.
***
- بمناسبة الجمهور الذي عانى الأمرّين، وكان يضطر للذهاب إلى المباراة قبل موعدها بأربع ساعات في عز الحر راضيا وسعيدا ونحييه على مساندة فريقه، لكن الملاحظة التي أوردها كل خبراء الكرة أن الموجودين في استاد القاهرة لم يكونوا جمهور الكرة المعتاد، الذي يستطيع بتشجيعه وهديره أن يوقظ الفريق من سباته، وأن ينقل لهم الحماسة المطلوبة.
لا أعنى أن الجمهور الموجود لم يكن مؤازرًا، لكن جمهور الكرة الحقيقي كان في المقاهي وفى الشوارع والبيوت، فأسعار التذاكر كانت مرتفعة تتراوح من ٢٠٠ إلى ٦٠٠ جنيه، تلك الأسعار لا تجذب جمهور الكرة الذي يدفع في التذكرة ٥٠ جنيها على أقصى تقدير، لكنه يملك ما لا نملكه نحن كجمهور عادى يحب فريقه ويشجعه. ويجب ألا يكون القلق من شعارات بعض الجماهير الخارجة عن السياق سببًا في إقصاء الجمهور الحقيقي عن مساندة الفريق.
فتلك المخاوف كانت ستتلاشى مع ربط التذاكر بالفان آي دي والتعليمات الصارمة الأخيرة. لكننا اهتممنا بالشكل عن المضمون، بالصورة عن قلب الصورة وتفاصيلها.
- ولأن الجمهور هو اللاعب رقم ١٢ في الملعب- وتلك مقولة كروية شهيرة- فلا بد أن نعي أن عزله عن الملاعب المصرية لن يكون نتيجته غير ما نحن فيه الآن: دوري ضعيف متخبط، كرة تعسة لا ترقى لدوري ممتاز، ولاعبون بلا حماس ولا رغبة في تحقيق أى شيء. والمنتخب الوطني ما هو إلا تعبير كل كذلك عن الدوري التعس وعن عدم التجانس بين المحترفين والمحليين. لا بد أن يعود الجمهور للملاعب كي تعود الكرة، وقد عرفنا الطريق الآمن، فلا داعي للخوف.
- لن أتطرق هنا إلى الفريق الفني، وخطة- أو لا خطة- أجيري، المدير الفني للمنتخب، واختياراته وتبديلاته غير المفهومة في أوقات غير مفهومة وإصراره على لاعبين بعينهم، رغم وضوح مستواهم.
لن أتطرق لكل ذلك، فهذا شأن خبراء الكرة. لكن مستوى اللياقة البدنية للفريق يحتاج لوقفة حاسمة. فسيناريو الشوط الثاني "المتهالك" أصبح مشهدا متكررا مملا.
صحيح أن المحترفين خرجوا لتوهم من موسم كبير وشاق، وهذا موعد راحتهم السنوية، وصحيح أن الدوري العام المصري كان طويلًا مترهًلا، والجو كان حارا، لكن الفروق الشاسعة بين لياقة منتخبنا وباقي المنتخبات تبدو جلية لغير المتخصص.
ولا بد أن هناك حلولًا لزيادة أحمال اللياقة البدنية في تلك الأحوال. وأي فريق فنى جديد لا بد أن نهتم فيه بمدرب اللياقة البدنية بشكل خاص.
- ما كنت سأتطرق لموضوع اللاعب عمرو وردة واتهاماته بالتحرش إلا بعد انتهاء البطولة، فالأمر ما كان يتحمل مزيدًا من التشويش والارتباك. لكن الحق أبلج ولا يمكن التضليل عليه مهما حاول البعض.
كان القرار الأول بإخراج وردة من المعسكر هو القرار الحاسم الصائب الذي يعكس موقفا محترما من قضية التحرش.
ما حدث بعد ذلك والعودة في القرار- أيًا كانت الأسباب أو الضغوط- كان الخطأ بعينه.
فأي رسالة نوجهها للمجتمع، وللشباب، وللخارج؟!
وأي مبادئ نرسيها في نفوس البنات: إذا تحرش بك لاعب كرة شهير معلش حبيبتي استحملي، أصلنا عاوزينه يلعب البطولة؟!
لقد هدمنا كل ما حاولنا أن نرسيه في السنوات الأخيرة من احترام المرأة وإعلاء حقوقها.
وعدنا مرة أخرى لفكرة "أصل البنت هي المسئولة"، وأن هناك مؤامرة على البطولة لنجاحنا في التنظيم!
بل الأعجب أن كلمات مثل "هو عمل إيه يعني" بدأت تتردد على نطاق واسع، وبدأ البعض في نشرها كثقافة عانينا منها لسنوات!
الحقيقة أنني لست مع ذبح الشاب، خاصة إذا عرف خطأه، لكن العقاب الصارم في هذا التوقيت وأمام العالم كان سيعكس رسالة مهمة عن مصر التي تتغير.
للأسف ارتبك القرار، وانحزنا للمجتمع الذكوري مرة أخرى، وهذه المرة كانت في مقتل.
- من المهم أن نفرق جيدا بين نجاحنا في تنظيم البطولة- وهو ما شهد به العالم أجمع وكل الفرق المشاركة، ويجب أن نفخر به- وبين إخفاق الفريق القومي.
فلا علاقة بين الاثنين، ولا يمكن أن نبقى ندافع عن أنفسنا في كل لحظة من منطلق أن الدولة قدمت كل ما في وسعها.
لقد فعلنا ذلك؛ لأن البطولة على أرضنا، وقد نجحنا في وقت قياسي من ترتيب أمور فنية ولوجستية شديدة التعقيد.
فكان الافتتاح مبهرا، والملاعب مجهزة، والتنظيم والتذاكر والفان آي دي والانتقالات وكل التفاصيل ناجحة.
أما أداء الفريق، فذاك شأن لا علاقة للتنظيم به، ويجب علينا ألا نقف أبدًا في خندق الدفاع ونحن ننتقد الأداء، فليس لدينا ما يزعجنا، لكن لدينا ما يجب أن نواجهه من قصور.
- لا يعني ما سبق أن الدولة ليس لها دور مع المنتخب الوطني. فالدور أصيل. يبدأ من الرياضة بالمدارس- وهو ما أظن أن نظام التعليم الجديد سيتداركه- مرورا بمراكز الشباب في المحافظات التي تحتاج لإنفاق وتطوير واهتمام. فالقصة لا تبدأ من القمة، لكن القاعدة يجب أن تكون مؤهلة لأن تحمل قمة الهرم.
- أخيرًا لا أحب أن أهيل التراب على اللاعبين، وأنزعج من اتهامهم بالتخاذل، فمن المؤكد أنهم جميعًا حاولوا أن يقدموا أقصى ما يملكون للتأهل، ليس فقط لأنهم يرتدون قميص المنتخب المصري- وهو شرف في حد ذاته- ولكن لعلمهم أيضا أن البطولة هي طريق غير المحترفين للاحتراف، فسماسرة اللاعبين حول العالم يشاهدون المباريات والفرق الأفريقية قوية، وكثيرا ما يخرج منها أفضل اللاعبين للدوريات الأجنبية المحترفة. لكنها كرة القدم، وعشاقها قد يجعلون لاعبيها أنصاف آلهة بهدف واحد، أو يهبطون بهم للدرك الأسفل بإخفاق واحد.
الهم والغم والنكد... لن تفيد الآن، علينا أن نقف، ونحدد ماذا سنفعل. وما هي خطواتنا القادمة، وأهم هذه الخطوات أن نعرف أن المصريين يعشقون كرة القدم.
هي مصدر بهجتهم وسعادتهم، ليس فقط المتخصصون أو الروابط، لكنها عشق الجميع، فلا يجب أن نتصور يوما أنها مجرد لعبة، يمكننا أن نهملها أو أن نلقى بها جانبا؛ لأن لدينا أمورًا أخرى أهم. فإسعاد الشعوب قد يكون أهم كثيرًا مما نظن.
إنها ليست كرة قدم... إنها للبعض حياة.
نقلا عن مصراوى