حمدي رزق
فى كشف حساب العام المنصرم 2018 على بوابة دار الإفتاء المصرية رقم عجيب، عدد الفتاوى الصادرة عن الدار فى عام مضى بلغ أكثر من مليون فتوى، شملت كل ما يهم المسلم فى مناحى حياته المختلفة.
بالحساب التقريبى وبقسمة المليون على 365 يومًا باعتبارها كانت سنة بسيطة وليست كبيسة، تلقى المصريون نحو 2739 فتوى يوميا، وبمعدل 114 فتوى فى الساعة، وفتويين فى الدقيقة، المصريون يطلبون الفتوى على مدار الساعة، استهلاك المصريين من الفتاوى استهلاك مفرط إذا جاز التوصيف.
ماذا حدث للمصريين، هل هناك تفسير منطقى وواقعى لزيادة الطلب على الفتوى، هل هى نوبة تدين طارئة، وكأنهم يتعرفون مجدداً على الحلال والحرام، وما هو جديد الفتوى الذى تكالب عليه المصريون، هل فتاوى من عينة «حرمة الشطاف فى الحمام»؟
ما الذى يقلق المصريين دينيًّا إلى هذا الحد لطلب مليون فتوى سنويًا، وما الترجمة الحرفية لزيادة معدلات طلب الفتوى؟.. لم تقدم دار الإفتاء تفسيرًا، اكتفت بالتنويه إعلانًا عن جهدها فى إنتاج الفتاوى الجاهزة، الفتاوى تصدر لأصحابها، وتنشر على العامة، فإذا صدر مليون فتوى، فهناك ملايين يستقبلونها على هواتفهم النقالة، تصدر الفتاوى لتشيع كالوصفات الطبية، التى يبخُّها نفر من الأطباء على وسائل التواصل الاجتماعى، وخطرها داهم.
نزوع المصريين إلى طلب الفتوى بشراهة مفرطة يشى بأن كثيرين باتوا مقلقلين حلالًا وحرامًا، صار السؤال حلالًا أم حرامًا السؤال الرئيس فى حياة الناس، ويلغى السؤال أدق الخصوصيات، وحلق فى قضايا أبعد ما تكون عن الحلال والحرام، ومسّت الفتوى قرارات وسياسات خلوًّا من الحلال والحرام، عيشتنا أصبحت بين حلال وحرام.
خطورة الأمر أن المفتى صار رقمًا صعبًا فى حياة المصريين، وهذا يعطى رجال الدين سلطةً ليست لهم فى تيسير الحياة، وباتوا هكذا يتحكمون فى حياة البشر، وإذا استمر حال المصريين فى رهن إرادتهم الحرة عند المفتى ستكون آثارها وخيمة، تديين الحياة على هذا النحو خطير جدًا، وتسييد المراجع الدينية سيخلّف آثاره الوخيمة فى مقتبل الأيام.
المفتون يحرثون الأرض لإقامة الدولة الدينية المزعومة، وبروز دور رجال الدين وتجسدهم هكذا فى حياتنا مؤشر خطير على توارى الدولة المدنية، نفقد يوميًّا أرضًا يرثها رجال الدين على هوى الطيبين، ربنا يستر علينا وعلى السامعين.
نقلا عن المصرى اليوم