من «عباد الرحمن» إلى «قصر الدوبارة».. الغازات لا تفرق بين مسلم ومسيحى
«ريحوا الضرب وقف.. فى مصلحتنا نفوق شوية»، هكذا صاح أحد الأطباء فى بهو كنيسة قصر الدوبارة الذى تحول إلى مستشفى ميدانى، مبشرا زملاءه، الذين لا يتوقفون عن إسعاف المصابين فى اشتباكات التحرير إلا للحظات، بهدنة بين قوات الأمن والمتظاهرين كان وفد من علماء الأزهر قد نجح فى الوصول إليها، لكن لم تدم طويلا قبل أن تخرقها قوات الأمن أثناء أدائهم صلاة المغرب، على حد قول بعض الموجودين فى الميدان.
كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية تحولت إلى مستشفى ميدانى مساء الأحد الماضى «بقرار من إدارة كنيسة ميدان التحرير، لأننا شعب واحد، والواجب الإنسانى والوطنى والدينى يفرض علينا فتح الأبواب، وأن نطلب من كل الأطباء والشعب الوقوف يدا واحدة مع إخوته سواء من يتعرض لإصابات من المتظاهرين أو حتى رجال الأمن المركزى الذين يسقطون نتيجة تنفيذ الأوامر التى تصدر لهم»، بحسب مدير العلاقات العامة بالكنيسة، الأب فوزى خليل.
وفى أثناء حديثه يظهر مصور أحد الصحف الذى يرغب فى التقاط صور للمصابين الذين يتم علاجهم فى الكنيسة، وهو ما رفضه الأب خليل بأدب جم، مبررا ذلك قائلا: «إحنا كنيسة وموقفنا حساس جدا، مش عايزين حد يسىء للهدف النبيل الذى نحاول القيام به».
من حوله انتشر الأطباء ومن يحاول مساعدتهم من الأفراد العاديين، كلهم يغطون أنوفهم بالأقنعة، حيث يروى الأب خليل عن حادث طبيبة فوجئوا بها فى أثناء قيامها بعلاج أحد المصابين، تسقط على الأرض مصابة بتشنجات، وبعد محاولات غير ناجحة فى علاجها تم تحويلها لمستشفى قصر العينى، لتلقى علاج أفضل، وهو ما يثبت وصول الغازات إلى الكنيسة التى تقع خلف مجمع التحرير مباشرة.
وعن تطور المستشفيات الميدانية يروى الطبيب الصيدلى، أحمد عبدالمقصود، «أن الأمر بدأ ظهر السبت بعلاج المصابين على الأسفلت فى ميدان التحرير، ثم بدأ الضرب فجرينا حتى وصلنا على كوبرى قصر النيل، لنعود بعدها بالمصابين إلى مسجد عباد الرحمن الذى يقع خلف مطعم هارديز بالقرب من شارع محمد محمود، وبقينا هكذا إلى أن دخل علينا الأمن المركزى ورجعنا تانى وبعدها دخلت علينا الشرطة العسكرية.. وفى الفجر تم ضرب غاز فى المستشفى فجرينا واكتشفنا أننا تركنا المرضى مخدرين فعدنا ونقلناهم، رغم خطورة الإصابات، لمسجد عمر مكرم وكنيسة قصر الدوبارة»، مشيرا إلى أنه أثناء اقتحام الشرطة العسكرية للمستشفى الميدانى أصيب أحد العساكر وقاموا بعلاجه.
ويشكو عبدالمقصود من الغاز الذى يصل إليهم على الرغم من البعد النسبى للكنيسة عن الميدان «أمس ليلا ضربوا علينا غازا يقال إن مداه 137 مترا، لا لون له.. كل الأطباء ارتدوا أقنعة تحميهم، لكن المرضى صعب يلبسوها»، على حد قوله.
يشير الطبيب الصيدلى، الذى يحضر للعمل فى المستشفى الميدانى يوميا بعد انتهاء عمله فى إحدى شركات الأدوية، «نشعل الفحم فى الخارج، رغم أنه خطأ لإصدار أول أكسيد الكربون، لكن هو أرحم من استنشاق الغازات السامة.
مستشفى قصر الدوبارة هى آخر مكان يصله المصابون، لكنها أول جهة للمساعدات الموجهة للتحرير سواء مساعدات طبية أو غذائية، لموقعها، حيث يتم توزيعها على باقى المستشفيات التى تأتى فى مقدمة من يستقبل المصابين منها مستشفى مسجد عباد الرحمن، تليها التى تقع أمام مبنى مصر للسياحة، وأمام كنتاكى، ومستشفى الصينية، ثم المجمع، ورصيف عمر مكرم، ومسجد عمر مكرم.
الأطباء فى المستشفى يحاولون أن يضحكوا ويلقوا النكات، وهو ما يفسره عبدالمقصود قائلا: «لازم نضحك وإلا هانموت، زميلى أنس محمد أحمد طبيب طوارئ، أصيب أمس بقنبلة فى صدره».
الطبيب صيدلى، مصطفى شعراوى، الذى كان يعمل خلال الأيام الماضية فى المستشفيات الميدانية قبل أن ينتقل أمس الأول لمستشفى قصر الدوبارة، يشير إلى أن أغلب الحالات التى تصلهم تكون اختناقا وتشنجات، ورصاصا حيا فى القدم، أو خرطوشا فى الرأس والعين، مفسرا الإصابة بالتشنجات بأن القنابل التى يتم إلقاؤها تحتوى على غاز أعصاب.
غير بعيد كان هناك المستشفى الميدانى بجامع عمر مكرم. خمس دقائق هناك كانت كفيلة بأن تشرح جزء مما يدور خارجها، فالمستشفى التى تشبه إلى حد كبير ميدان التحرير، تعج بالأطباء والمرضى والأدوية منذ بدأت أحداث «الموجة الثانية للثورة».
«وسع طريق»، «محتاجين أقراص تشنجات»، «وزع اللبن على الناس بره علشان مكلوش من امبارح»، هذه العبارات ستسمعها إذا خرجت من المستشفى أو حاولت حتى الدخول إليها. رحلة استهداف المستشفى بدأت عندما كانت بالقرب من هارديز ثم انتقلت إلى سور الجامعة الأمريكية ثم إلى أحد جوانب عمر مكرم لتستقر أخيرا فى غرفة ليست بالكبيرة داخل المسجد بالقرب من مصلى الرجال.
على الرغم من ضيق مساحة المستشفى فإنها مرتبة جيدا، حيث خصص جانبا الغرفة للمصابين والأطباء، ونهايتها كمستودع للأدوية والمستلزمات الطبية.
«عندنا أدوية كثيرة جدا، ولا نحتاج إلا بعض النوعيات القليلة جدا»، هكذا يقول د. هانى السحيلى، طبيب صيدلى متطوع فى المستشفى الميدانى.
أحمد مرتضى، طالب فى السنة الخامسة بكلية طب القصر العين، علم من أصدقائه باحتياج المستشفى للمتطوعين، «فضلت المجىء للمستشفى فلدى خبرة كبيرة فى الإسعافات الأولية».
خارج المستشفى شكل المتظاهرون لجنة شعبية منعوا فيها المارة من المرور فى الطريق المؤدية للمستشفى، إلا الموتسيكلات التى تنقل المصابين.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :