خالد منتصر
المطلوب رقم واحد على قائمة الإرهابيين في العالم طبيب بل هو جراح خريج أرقى الجامعات المصرية ، قادة الإخوان والجماعات الجهادية السلفية معظمهم من خريجي الكليات العملية وعلى رأسها الطب والهندسة ، أغلب الخلايا الإرهابية التي يتم ضبطها يتزعمها أو يخطط لها خريج طب أو صيدلة أو هندسة !!، كل تلك اللقطات الصادمة ترسم علامة إستفهام كبيرة ، لماذا يسهل تجنيد خريجي الكليات العملية العلمية في تلك التنظيمات الإرهابية ؟، كيف ينخرط هؤلاء الذين تخرجوا مما يسمى كليات القمة في عصابات إرهابية بتلك السهولة؟، وكيف يصبحون بتلك الشراسة التي تتنافى مع طبيعة عملهم ومهنتهم خاصة مهنة الطب التي تفترض التعاطف والمودة والحنان والحكمة ، لدرجة أن الاسم الدارج للطبيب في مصر هو الحكيم ؟، ما الذي يجعل هذا الطبيب يتخلي عن سمت الدكتور وبالطو الحكيم الأبيض ليرتدي الجلباب القصير ويتآلف مع الدم الأحمر ؟!، دهشتي وصدمتي وحيرتي أكثر مع الطبيب أكثر من المهندس ، للأسباب التي ذكرتها في طبيعة التعامل الإنساني ، بالرغم من أن الدهشة والصدمة والحيرة موجودة وقائمة أمام إنضمام أبناء الكليات العملية عموماً ، سؤال يطرح نفسه بشدة ، والإجابة عليه ليست من باب الرفاهية أو التمارين الذهنية ،
لكنها قضية حياة وطن ومسيرة بلد ومستقبل أمة ، تصرف على هؤلاء المليارات لكي يكونوا قاطرة تقدم لا بلدوزر هدم ، الإجابة تحتاج تضافر علماء اجتماع وسيكولوجي ورجال سياسة وخبراء أمن ، سأحاول في هذه المساحة أن أشخص الأعراض وأبحث عن الأسباب التي تجعل من الطبيب صيداً سهلاً للجماعات الإرهابية بحكم عملي ودراستي وإقترابي من تلك الشريحة ، وأترك تحليل باقي الكليات العملية إلى أصحاب الشأن ، كل في مجاله ، أهم الأسباب من وجهة نظري هو تسلط اليقين وتمكنه من عقل طالب كلية الطب ، تلك الكليات وعلى رأسها كلية الطب تعلم بطريقة اليقين بالرغم من أن العلم جوهره الشك والسؤال ، إلا أن طريقة التعليم التلقينية تجعل الأشياء إما أبيض أو أسود ، إما صح كامل أو خطأ واضح ، لامكان للرماديات ، لاسماح لكلمات مثل أظن وربما وأشك فهي كلمات محذوفة من القاموس،نفي الاحتمالات و تعليم الأبيض والأسود والصح والخطأ بتلك الصرامة وذلك الاستقطاب يجعل من السهل تحويل ذهنية هذا الطالب وبرمجتها إلى ثنائية الحلال والحرام ، وفسطاط الكفر وفسطاط الإيمان ، والولاء والبراء ...إلى آخر تلك الثنائيات الحادة التي لاتعرف وسطاً ، يعمق المسألة أكثر ويثبت جذورها علاقة التسلط في العملية التعليمية التي لاتسمح بمساحة مرونة نقدية أو إقامة حوار مابين الأستاذ والطالب ، كلية الطب تتميز بعلاقة إلتحام وقرب وإشتباك حميم بين الطرفين أكثر من الكليات الأخرى، لكنها للأسف تتحول عندنا إلى علاقة إستعلاء في أحيان كثيرة ، وأنا بالطبع لا أعمم ،
لكني أتحدث عن ظاهرة أو أغلبية أو سيادة وجهة نظر تعليمية أو سلوك تم تناقله من جيل إلى جيل ، في السكشن أو " الراوند " حلقة النقاش الطبية عن الحالات والمرضى ، تسود تلك العلاقة التسلطية التي فيها طرفان ، الأول طرف سلبي مستقبل أخرس ، والثاني طرف إيجابي مرسل متكلم ، بل حاكم بأمره ، علاقة لاتسمح بنقاش متكافئ ، أو ترك مساحة للفضول والإبداع والخروج عن المألوف ، فكيف تنشأ أو تولد تلك العلاقة مابين عبد منسحق ونصف إله مسيطر لايمسه الخطأ ؟!، من السهل أن تفرز تلك العلاقة فرداً هو ضحية سهلة ولقمة سائغة لتلك الجماعات ،لأنه سرعان ماينتقل من الأستاذ والبروفيسور والنصف إله إلى المرشد وأمير الجماعة وزعيم التنظيم ، لذلك أنادي بضرورة تدريس العلوم الإنسانية وإضافتها إلى مناهج كلية الطب وباقي الكليات العملية ، لابد أن يتعرف طالب الطب على الفلسفة وعلم النفس والإجتماع ويتذوق الفنون ، لابد من تدريبه على التفكير النقدي ومعرفة أن العلم هو القابل للتكذيب والدحض ، لابد أن يشحن بعلامات إستفهام أكثر من نقاط الإجابة ، وأن يعرف أن اليقين في العلم وهم ، سيقوده حتماً إلى شرنقة التطرف ، لابد أن نجعل نصب عينيه جملة أينشتين العبقرية " نحن نحتاج إلى الخيال أكثر من المعرفة".
تقلا عن الأهرام