إقبال بركة
كان الله فى عون المسلم المعاصر، يتلقى سهام التعصب من كل اتجاه، ففى الداخل يتوعده شيوخ التطرف بالويل والثبور فى الدنيا والآخرة، وفى الخارج يتربص به غير المسلمين ممن أصيبوا برهاب الإسلام «الإسلاموفوبيا»، وأصبح بعضهم يتمنى إبادة المسلمين وإخفاءهم من فوق الأرض. وبعد الانفجار الذى حدث فى تقنيات الكمبيوتر والإنترنت، فإن متابعة أخبار هؤلاء وهؤلاء تصيب المسلم بحيرة شديدة لا يعرف لها حلا.
منذ التسعينيات و«الإسلاموفوبيا» ترعى وتتمدد فى كندا وأوروبا وأمريكا والهند، وبلغت ذروة الكراهية فى الإبادة الجماعية لمسلمى البوسنة على يد الميليشيات الصربية المسيحية والكرواتية. وتضاعف عدد الاعتداءات الجسدية (التنمر) على النساء المسلمات خاصة المنتقبات والمحجبات، كما زادت حوادث تدنيس مقابر المسلمين وهدم المساجد، وأحيانا يقوم بعض المخربين برسم الصليب المعقوف والإشارات النازية الأخرى على جدران المساجد فى إشارة إلى أن المسلمين فى أوروبا مصيرهم ما لقيه اليهود فى عهد هتلر من قتل وحرق وإبادة جماعية.
ومنذ بداية القرن الحادى والعشرين وصل الصراع بين المتطرفين، مسلمين وديانات أخرى، إلى ذروة غير مسبوقة، ولم تسلم أى قارة من القارات الستة من جرائم المتعصبين، ومن الصعب ذكرها جميعا، ولكنى سأذكّر ببعضها عملا بقوله تعالى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} سورة الذاريات: 55. فى الهند اعتداءات هندوس متعصبين فى قرية «شامانبورا» بمدينة أحمد آباد على مسلمى القرية، هدموا منازلهم وقتلوا العشرات وأحرقوا ما لا يقل عن 35 مسلما أحياءً! وفى الدنمارك اعتدى مسلم متعصب على محررى الصحيفة الدنماركية «يولاندس بوستن» (عام 2006) بسبب نشرها رسوما كاريكاتيرية اعتبرها مسيئة للرسول عليه السلام! وامتلأت الصحف بأخبار تعرض نساء محجبات أو منتقبات للضرب على أيدى متعصبين، وصلت ذروتها عام 2009 عندما طعن شاب ألمانى يبلغ من العمر 28 عامًا الصيدلانية المصرية الشابة «مروة الشربينى» 18 طعنة فى 3 دقائق، بعدما وصفها بالإرهابية بسبب ارتدائها الحجاب، وبعدها فارقت الحياة. وقعت الجريمة داخل محكمة فى مدينة دريسدن بألمانيا. فالقاتل لم تردعه العدالة الجالسة (القضاة) ولا الواقفة (النيابة) ولا الحراس الموجودين بالقاعة، وارتكب جريمته ضد سيدة شابة لا يعرفها، وأم لطفلين لمجرد ارتدائها رمزا إسلاميا يكرهه! بعدها حظرت فرنسا كل أغطية الوجه بما فى ذلك نقاب المسلمات.
ولم يقف الأمر عند مواطنين عاديين بل تعداه إلى كُتاب ومثقفين، فنشر كاتب يدعى «تيرى جونز» كتابا عنوانه «الإسلام هو الشيطان!) فى أغسطس عام 2010، وأثار الكتاب جدلا كبيرا، فوافقه البعض حول ادعائه أن الإسلام هو دين عنف وبطش بكل تابعى الأديان المخالفة، وخالفه آخرون. المهم أن الكتاب طُبع ووُزع وقرأه الآلاف. وفى يناير عام 2015 تكرر الاعتداء على صحفيين فقام مسلم متعصب بإطلاق النار فى جريدة «شارلى إبدو» الفرنسية. وفى شهر مارس الماضى ( 2019) فتح شاب متعصب فى نيوزيلندا النيران على مصلين أثناء أدائهم صلاة الجمعة فى مسجد النور، وأصاب ما يقرب من مائة مسلم ثم توجه إلى مصلى السيدات.
هذه أبرز الحوادث التى روعت العالم خلال فترة العقود الثلاثة الماضية. استشرى «فيروس التعصب» وأصاب الجميع، وأغلب الجناة من الشباب المفترض فيهم التأهب لاستقبال عالم جديد يتمتعون فيه بمعطيات العلم غير المسبوقة، وينطلقون لصناعة المستقبل. المؤسف أن الغالبية العظمى من الأصوليين والإسلاميين يؤمنون بأفكار تتوافق مع مزاعم مرضى «الإسلاموفوبيا»، وفى أدبيات الإسلاميين يقرأ العالم كله، عن طريق المواقع الفضائية، ما ينشره بعض الكتاب فى معرض دفاعهم عن الاسلام اتهامهم الحضارات غير المسلمة بأنها بربرية وإباحية ولا عقلانية!.إنهم يؤمنون بأن الإسلام عقيدة صالحة لكل زمان ومكان، ما يعنى فى عرفهم أنها ثابتة غير قابلة للتغيير، وهم يرفضون تأثر الإسلام بالثقافات الأخرى، لأنه دين نزل كاملاً شاملاً، فالمسلم ليس ملزما بأى أفكار أو قيم بشرية من خارجه.
الأخطر من ذلك أنهم يعلنون بكل وضوح أن الإسلام دين جهادى، أى عدوانى، وجد لكى يسيطر ويحكم العالم. وإذا ناقشت أيا من هؤلاء المتعصبين دينيا لن يتزحزح عن عقيدة راسخة لديه أن الإسلام أيديولوجيا سياسية بالمقام الأول، أو كما يعلنون (السياسة دين والدين سياسة وكل حرف فى القرآن سياسة) أى أنهم يرفضون الفصل بين الدين والسياسة، وكل من ينادى بذلك يعتبر فى نظرهم علمانيا، والعلمانى كافر. وسؤالى لرجال الدين المسلمين: هل لديكم حل لهذه المعضلة؟!
نقلا عن المصرى اليوم