طارق الشناوي
كتب صديقى الناقد الشاب على صفحته يذكر تلك الواقعة، كنت أشترى طعاما من أحد المحال، ووجدت زبونا يقول للآخر عندما شاهد نيرانا على البعد: (دى باين الكنيسة بتتحرق)، رد عليه الآخر: (ياريت تكون الكنيسة).
صديقى مسيحى الديانة، ولكنه يتعجب كيف تكون تلك أساسا مشاعر إنسان؟!، لا أعتقد أن هناك من يسعد بمشاهدة اندلاع النيران، كان هذا هو المشهد عن بُعد، وبالفعل الكنيسة اشتعلت فيها النيران، أتصور لو أنك اقتربت أكثر ستجد أن عدد المسلمين الذين يحملون جرادل الماء لإطفاء النيران يشكلون الأغلبية.
لم أشهد لا المنظر الأول، الكنيسة تحترق، ولا الثانى، محاولة الإطفاء، ولكن هذا هو المنطق، نعم لدينا نفوس خربها الخطاب المتطرف الذى نتابعه أحيانا فى الإعلام، الذى يؤدى إلى فهم كارثى يحول دون القراءة الصحيحة للدين، حيث يصبح المختلف هو العدو.
النيران لم تبدأ فى الاشتعال داخل الكنيسة، ولكن أولا فى عقل هذا الطفل الذى يشاهد فى حصة الدين زميله يخرج للحوش لكى يتلقى حصة دين أخرى، الأول يلقنه شيخ والثانى قسيس، ويبدأ الطفل فى التساؤل أيهما على حق؟، وهل صديقه يدخل النار، لأنه لا يصلى أو يصوم مثله؟، حصة الدين هى بداية زرع الفرقة، يصعب على القلوب الخضراء فى تلك المرحلة العمرية استيعاب الفارق.
لماذا لا تصبح حصة الدين فى المرحلة الابتدائية مشتركة تبحث عما يجمع الديانتين؟، وهو يشكل المساحة الأكبر؟، سوف يكتشف الطفلان المسلم والمسيحى أن الجنة للأتقياء، وأن رحمة ربنا وسعت كل شىء، والعمل الصالح هو الطريق لرضاء الله، ستصبح تلك المقومات هى بمثابة البنية التحتية التى تنير له الطريق، وبالطبع فى المرحلة الإعدادية وما بعدها سيدرس كل من المسلم والمسيحى تفاصيل ديانته، وهو قادر على تفهم طبيعة تلك الفروق.
لو تتبعت الكثير من الأعمال الفنية ستجدها تُقدم أحكاما أخلاقية مباشرة على ما نختلف عليه، لديكم مثلا (الكبارية) فى الفيلم الذى يحمل نفس الاسم، يحترق الكباريه وكل من فيه، بينما من ذهب للصلاة فى الجامع هو فقط الذى ينجو، أليست هذه رسالة مباشرة بأن النيران هى عقاب المختلف، من يحتسى الخمور أو لا يذهب للجامع سينال عقابه أيضا فى الدنيا.
عم جرجس صاحب محل بيع الخمور، لو شب حريق فى دكانه، هل تلقى عود ثقاب على بضاعته لأنها تتعارض مع دينك، أم أنك تنقذ رأس مال عم جرجس من الضياع؟، أنت لا تشرب الخمر ولا تبيعها التزاما بتعاليم دينك كمسلم، ولكن دينك يحضك أولا على أن تحمى حياة وأموال عم جرجس.
الثقافة التى تربينا عليها ترسم ملامح سلوكنا، مع الأسف أخذنا دروسا خاطئة، كان التليفزيون الرسمى يقدم خطابا متطرفا يؤكد أن المسيحى سيدخل جهنم، وخطبة الجمعة تدعو عليه وتصفه بالكافر، هناك تسجيلات متعددة لعدد من كبار شيوخنا، ولن أذكر الأسماء حتى لا أصدمكم، يصفون المسيحى بالكافر، على أساس أن الكلمة لغويا تعنى الإنكار، متجاهلين الإطار الدلالى البشع لمدلول الكفر فى الثقافة الشعبية.
حكاية عارضة، أتمنى أن تكون حقا كذلك، يقينى أن المصرى أول ما يفكر فيه هو إطفاء النيران، سواء اشتعلت فى جامع أم كنيسة، على شرط أن نحفظ أولا قلوب أطفالنا الخضراء من لهيب التطرف!!
نقلا عن المصرى اليوم