عادل نعمان
الحمد لله أن خرج علينا أحد مشايخ الأزهر يطالب باختزال وإيجاز خطبة الجمعة، واختصار وقتها إلى خمس أو أربع دقائق فقط بدلاً من ساعة عند بعضهم، أو أكثر عند البعض الآخر، والتركيز فى الخطبة على ما ينفع الناس، ويقربهم إلى بعضهم بعضاً، ويدعوهم إلى الإخلاص فى العلم والعمل، والتمسك بالقيم والمثل الإنسانية، والاستمتاع بالحياة الدنيا وحبها، بدلاً من التركيز على عشق الموت، والاستعداد للرحيل من اليوم الأول للحياة، وكأنهما بابان متصلان، ونزيده من الفضل قليلاً: بأن يمن الله عليهم باستبعاد الخرافات والأساطير التى تجلب الاستهزاء والسخرية، وشطب الحشو والمط والإطالة التى تصيب المصلى بالملل، والإعراض عن الإعجاز العلمى فى القرآن وكل ما يخالف العقل حتى لا يعزف الناس ويهجروا ويرحلوا وهم على شفا حفرة. الشيخ رمضان عبدالمعز، أحد علماء الأزهر، يتقدم بهذا الاقتراح فى أحد البرامج التليفزيونية، ويؤيده فى هذا الشيخ خالد الجندى، والشيخ زكريا العرابى، والشيخ أشرف الفيل، ونحمد الله على تمثيلهم المذاهب الأربعة فى البرنامج، ولو كنا طالبنا نحن بهذا حرصاً على وقت الناس، وحفاظاً على عقولهم، لاتهمونا بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهدم ثوابت الدين، ومحاربة الله ورسوله، ويستوجب هذا الأمر التوبة والاستبراء، والاستتابة ثلاثة أيام أو القتل، كما فعل السلف بالمرتدين، ونحمد الله أن جاءتنا فى رحال مشايخ الأزهر، وتحت وكالة المذاهب الأربعة المعتمدة، فهم يغفرون خطايا بعضهم البعض، ويمررون ويجيزون لبعضهم ما يحظرونه ويحبسونه ويعقلونه على خلق الله، وأقسم بالله غير حانث، إننى بعد هذا العمر المديد ما استفدت من خطبة الجمعة أنا وغيرى بالملايين بمقدار ما صرفناه على المشايخ والدعاة، وما تكلفناه وتكبدناه من تعليم وتربية،
وإنشاء الآلاف من هذه المعاهد، بالضبط كما لم ننتفع بالملايين التى أنفقناها وصرفناها على المدربين الأجانب للمنتخب القومى، فما تقدمنا بهم درجة، وما تأخرنا دونهم درجتين، ونحن فى الحالتين بين بين، فلا هذبنا الناس بالدعوة ولا أصلحنا حالهم ولا ارتقت أخلاقهم، ولا فزنا بكأس الأمم الأفريقية وخرجنا خائبين بالمدربين الأجانب، ولو كنا اكتفينا بحفنة من الدعاة، واستبدلنا ما أنفقناه على التعليم والثقافة والبحث العلمى وكان هذا يكفى ويفيض، لكنا أسعد حظاً، وأوفر مالاً، وأكثر أدباً وخلقاً، وأرقى تعاملاً والتزاماً وانضباطاً، والأقوم على مصالح الناس وأموالهم وأعراضهم وأنفسهم، والأعدل بين أطياف ومذاهب وملل المجتمع، والأصلح علماً وعملاً وخلقاً، وإلا قل بالله عليك، أين جدوى الأمر بالمعروف إذا اختفى المعروف بين الناس؟ وأين ثمرة الدعاء حين ظهر الفساد فى البر والبحر؟ وأين جدوى إعمار المساجد إذا خربت الضمائر؟ وما رجع الدعاء بالخير إذا أخطأنا وأصاب غيرنا؟ وما جدوى الفخر ببلاد الخير والسلام والإسلام والمحبة، إذا هرب شبابنا وهجروها إلى بلاد الكفر والكافرين يعيشون فى خيرهم وسلامهم ومحبتهم وكفرهم!؟
قولوا لنا يا سادة ماذا جنى زيد من عمرو؟ ولماذا السباق الشرس فى إنشاء المعاهد الأزهرية ومعاهد الدعاة على حساب التعليم العام وتخريج هذه الأعداد الهائلة من الدعاة؟ وماذا استفاد الناس من خطبة الجمعة إذا كانت منفصلة عن قضاياهم وأوجاعهم وواقعهم وشئون حياتهم؟ وهل نحن بصدد الاكتفاء الذاتى من الدعاة؟ والوصول إلى داعية لكل عشرة مواطنين، فبهم ينصلح الحال، ومن علمهم تملأ البطون من الجوع والعقول من العلم، وتشفى الأبدان من الأسقام والأمراض والعلل، وتشيد المبانى والبيوت والطرقات والكبارى والمصانع، وتزرع الصحراء وتقام بهم المزارع السمكية والصوب الزراعية، ويرتفع الاحتياطى النقدى، كل هذا بالدعاء وبالدعوة، فإن لم يفلحوا فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو الأصل الأصيل فى مهمتهم وواجبهم، فكيف لهم بكل هذا؟ خطبة الجمعة يا سادة لا يهمنى قصرها أو طولها ما يهمنى فيها فائدتها للناس وما تحمله من قيم ومثل وأخلاق، لا تحمل إلا القتال والغزو والفتح وبطولات الحرق والنهب، وما رأينا وما سمعنا يوماً عن الدعوة إلى السعى فى العلم، والإخلاص فى العمل، والوفاء بالعهد، وحسن الجوار، واحترام عقائد الناس، وما سمعنا يوماً دعاء بالخير للبشر إلا تشتيت شملهم، وتفريق جمعهم، وخراب بيوتهم، وتبديل أحوالهم، وتقريب آجالهم، وقطع أعمارهم.
وزارة الأوقاف المصرية تنفى ما تردد عن أنباء اختصار مدة الخطبة، حسب رأى وكلاء المذاهب الأربعة، وتؤكد أنها بلبلة فى غير محلها، وأنها ليست بصدد اختصار مدة خطبة الجمعة إلى خمس دقائق، وأن المدة المقترحة لا تكفى لأداء صلاة الجمعة، فإن كانت لا تكفيهم فهى تكفينا وزيادة، اختصروها واختزلوها هى والدعاة أثابكم الله.. وأقم الصلاة.
نقلا عن الوطن