محمد أبو الغار
فى عام 2008 كان الطفل عمر عثمان فى خامسة ابتدائى فى مدرسة تجريبية. ولاحظ المدرس نبوغه فى الرياضيات، فأعطاه كتاباً متقدماً فى الرياضيات، وذهل المدرس لأن عمر استوعب الكتاب فى فترة قصيرة. وانتقل عمر إلى السنة الأولى الإعدادية وظهر النبوغ بوضوح، فاهتمت عائلته بالأمر، ونصحوهم باستشارة قسم الرياضيات فى كلية العلوم جامعة القاهرة، وهناك التقطه د. هانى الحسينى ود. ليلى سويف، واكتشفا أنهما عثرا على معجزة مصرية، فألحقاه مع طلبة البكالوريوس وكان عمره 13 عاماً، وهو فى أولى إعدادى، وساعداه فى حضور مقرر الرياضيات فى الجامعة الأمريكية، وسرعان ما اكتشفوا فى جامعة القاهرة أن مستواه أعلى من مستوى البكالوريوس، فألحقوه بطلبة الماجستير، وبدأ فى إجراء بحوث رياضية فى أصعب فروع الرياضيات، ونشر بحثين مهمين مع د. طارق سيد أحمد فى المجلات العالمية. بذل أساتذة كلية العلوم جهداً كبيراً فى مساعدة هذا الموهوب الكبير، وكانت ناظرة المدرسة متفهمة ومتعاونة فأعطته ثلاثة أيام إعفاء من حضور المدرسة لاستمرار دراسته وبحثه فى علوم القاهرة.
فى نفس الوقت لم يتفهم وزير التعليم فى ذلك الوقت أهمية وجود شاب نابغة ممكن أن تكون أبحاثه فاتحة خير علمى واقتصادى كبير على مصر، وقال إن اللوائح تمنع أن يتقدم إلى الدراسة فى الجامعة أو حصوله على درجات علمية بدون حصوله على الإعدادية والثانوية العامة فى عدد السنوات المطلوبة.
ولكن أساتذة العلوم الوطنيين ثابروا وساعدهم وجود عائلة متعلمة وواعية للطفل عمر. واستطاعوا إرساله لمدة أسبوعين إلى مدرسة صيفية لنوابغ الرياضيات فى إنجلترا، وتفوق هناك وقبل فى كنجز كوليدج فى لندن لدراسة ماجستير الرياضيات، وللأسف لصغر سنه اشترطوا وجود راع له مقيم فى لندن ولم يكن ذلك متاحاً. ثم ذهب إلى مدرسة صيفية فى ليون فى فرنسا وأظهر تفوقاً واضحاً، وفور عودته جاءه خطاب من أستاذة فرنسية فى أكبر أكاديمية فرنسية تدعوه للدراسة فيها بعد إجراء امتحان قبول، وأرسلت له تذكرة الطائرة وتكاليف الإقامة لمدة أسبوع فترة الامتحان، وساعده المركز الثقافى الفرنسى فى الحصول على التأشيرة بسرعة، وسافر عمر ونجح فى الامتحان واستمر فى الدراسة بتفوق وحصل على الدكتوراه من فرنسا فى عام 2018 وكان عمره 22 عاماً وهو لم يحصل حتى على الإعدادية. وبالطبع انهالت عليه العروض من جامعات أمريكية وفرنسية وألمانية وقبل عرضاً من جامعة مونستر العريقة فى ألمانيا للبحث هناك لمدة 3 أعوام.
بالطبع هذه العبقرية المصرية المبكرة لولا وجود أسرة متفهمة وناظرة مدرسة واعية وأساتذة فى علوم القاهرة عندهم حس وطنى واهتمام بالعلم، ولولا مساعدة الأستاذة الفرنسية فى الجامعة فى باريس ما كان عمر قد سافر ووصل إلى ما وصل إليه. طبعاً الحكومة المصرية طوال هذه الفترة كانت واضحة، فهى غير مهتمة بالأمر ولا تفكر فى إيجاد حل لتخطى اللوائح، وهى نفس الحكومة التى تقوم بتخطيها كل يوم.
الآن الأمر أصبح مختلفاً، عمر حاصل على الدكتوراه من كبرى جامعات فرنسا، ولكن الروتين المصرى والقواعد قد لا تسمح بمعادلة شهادته الفرنسية ولكنه قابل فى إجازته رئيس أكاديمية البحث العلمى الحالى وكان متفهماً الأمر ووعد بمساعدته لمعادلة الشهادة حتى يستطيع أن يكون أستاذاً زائراً فى جامعة القاهرة إذا رغب فى ذلك لمساعدة الباحثين المصريين.
العلوم الأساسية ومنها الرياضيات تعتبر أهم العلوم ويقولون إن الفارق بين المهندس والصنايعى هو أن الأول يفهم فى الرياضيات. الرياضيات هى أساس الهندسة والطبيعة، والآن بدأت تفسر العلوم البيولوجية وعلوم الكمبيوتر والاقتصاد. يقولون إن الرياضيات هى السكر وإن الاكتشافات الهندسية والتكنولوجية هى الحلوى المصنوعة من السكر ولا يمكن صناعة حلوى بدون سكر. كل العالم يعرف جيداً أينشتين صاحب نظرية النسبية والحاصل على جائزة نوبل. النظريات الرياضية هى نظريات جافة ولكنها تتنظر من يطورها، فانشطار الذرة خرج من هذه النظرية بما فيها إنتاج الطاقة المفيدة وإنتاج القنبلة الذرية المدمرة للبشرية، هى النظرية الرياضية التى نتج عنها توليد تيار كهربائى من المغناطيس وهى وراء إنتاج كل مولدات الكهرباء ووراء الأقمار الصناعية والأجهزة التى توجه السيارة عن بعد.
الكثير من علوم الكمبيوتر أصلها نظريات ومعادلات رياضية يتم تطويرها. قد يأخذ هذا الأمر شهورا وقد يأخذ سنوات طويلة حتى تنتج شيئاً ملموساً فى خدمة البشرية.
مصر الدولة الفقيرة المحدودة فى إنتاجها العلمى لم تهتم بطفل نابغة كان من الممكن أن نبنى عليه مؤسسة علمية تكون نواة لبحث علمى أساسى يحقق مكاسب اقتصادية كبيرة. والآن ساهم عمر فى تطوير أوروبا الغنية وربما تكون أبحاثه ذات فوائد اقتصادية كبرى مستقبلاً للشعب الألمانى. أما مصر التى تحتاج إلى كل دعم اقتصادى فقد دوخت عمر السبع دوخات طوال هذه السنوات بحثاً عن ورقة تتخطى البيروقراطية بسبب عدم الوعى عند وزير التعليم وعند الكثير من المسؤولين.
شكراً لأساتذة الرياضيات فى كلية علوم القاهرة وشكراً للجمعية المصرية للرياضيات التى تنظم كل عام فى الإجازة الصيفية مدرسة لاكتشاف الموهوبين فى الرياضيات، وكل ذلك بمجهودات ذاتية وتمويل ضئيل للغاية.
مصر بها موهوبون أرجوكم ساعدوهم بدلاً من أن تنكّدوا عليهم.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.
نقلا عن المصرى اليوم