عادل نعمان
مرحبًا بك دكتور عبدالمنعم، «الأستاذ بالأزهر»، فى مدرجات المجادلة والمناظرة، بديلًا عن ساحات التكفير والازدراء، وأحييك على عنوانك: «بل رضى الله عنهم رغم أنف الكارهين»، ردًا على مقالى «وكلهم رضى الله عنهم وأرضاهم»، فى «المصرى اليوم»، والذى يكشف كيف يستجيب الناس لتمائمكم، وليس أرقى من الوفاء عن اقتناع وتحكيم العقل، وهو مناط التكليف والتحقيق، وهو منهج موروث، فلما يقول ربنا: «لا إكراه فى الدين» واضحة صريحة، يفسرون أن الإكراه على الإسلام إكراه على الحق، وعلى غيره إكراه على الباطل، فيُكبِّر المسلمون، إذ أسلم «أبوسفيان» والسيف على رقبته دون اقتناع!، وإلى مقالك.
أولًا: أعرف هذا الأسلوب جيدًا، تحريضى بامتياز، وتراهن على دفع وتهييج المشاعر تجاهنا، وفى هذا تختزل مقالى بما ترمى وتهدف إليه، فلم تذكر مثلًا ما جاء فيه: «أن الدين أمر وناقله وحامله ومُبلِّغه وناسخه أمر آخر، وأن الدين من الله وتسييره من البشر والمحدثين والرواة والقصّاصين والوضّاعين والمنافقين والوصوليين والسياسيين، وأن الله يريد للناس اليسر وهم باحثون عن العسر، وأن الله يريد الرحمة بعباده وهم توّاقون للظلم»، وقد جاء فى مقالك هذا حرفيًا: «وإن كان هناك تقاتل وقع بين المسلمين فالداعى له الجوانب السياسية لا الدين»، وهذا حق لم نخرج نحن عنه، وليس بـ«أراجيف واتهامات مزيفة» كما تدَّعِى، بل هى حقائق يوثقها التاريخ، وأكدتها حالًا بنفسك، ثم تغافلتَ عن كل هذا، ورُحْتَ تنفخ فيما قلناه وتختزله على طريقة «ولا تقربوا الصلاة»، فكان حديثك «عن أمة استباحت الدماء، وأزهقت الأرواح»، ولم نخرج فى هذا عن تراثنا وحكاياته، ولم نلمس الدين من قريب أو بعيد، بل اشتبكنا مع «أمته» من المسلمين، أما عن العقيدة فلم نلمس عقيدتنا الغراء بأى ملمس، بل قلنا: القائمين عليها، والقائمون عليها هم رعاتها وحفظتها، فلما نقول: أساء أصحاب «زيد» فما تعرضنا لـ«زيد» بسوء، أما عن «الصحابة» فهم بشر لا عصمة لهم، وعليهم ما علينا، منهم مَن تقاتل على الحكم، ومنهم مَن تجاوز، وراجع التاريخ جيدًا، من أول حروب الردة مرورًَا بمقتل «عمر» و«عثمان» وحرب الجمل بين المُبشَّرين بالجنة، ومعركتى صفين والنهروان، وخلاف «على» و«ابن عباس»، ومقتل «على» و«الحسن» ومذابح كربلاء والحرة والأمويين والعباسيين حتى تاريخنا، مَن مات منهم فى صلاة، ومَن مات منهم على وضوء، ومَن مات على جهاد أخيه المسلم، فهل كان صراعًا على الحكم أم لإعلاء كلمة الله؟.
ثانيًا: عن «اتق الله يا عادل»، فأنا يا «عبدالمنعم» أعرف ربى جيدًا، وليس بينى وبينه حجاب أو وساطة، ويوم القيامة الذى تدعونى فى مقالك إلى كتابة «شىء يسرنى يومها»، سنُسَرّ، وأن الذين كذبوا على الله وعلى نبيه «وجوههم مُسْوَدّة»، أما مصائر العباد فأنا رفيق هذا الأعرابى الذى سأل الرسول عمن يحاسب العباد يوم القيامة، فلما عرف أنه الله قال: «نجونا ورب الكعبة»، ونحن سننجو معه ورب الأعرابى.
ثالثًا: قلت «إن هذه السطور لو كتبها غير مسلم لما عاتبناه»، تقسم على هذا؟، أكاد أجزم وأقسم لك أن هذا تحريض واستفزاز أولًا، وثانيًا لو فعلها غير مسلم ما تُرك يومًا واحدًا، وأُذكِّرك بمصير الحبس للأطفال الأربعة المسيحيين الذين قلدوا الدواعش فى مقتل أولادهم على فيديو مدته ثلاثون ثانية، فى الوقت الذى يُمنعون من إقامة صلواتهم فى المنيا، هل دافعتم عن حرية العبادة والعقيدة، وهى ركن من أركان ديننا الحنيف لا يكتمل بدونه؟.
رابعًا: قولك: «لا موضوعية علمية ولا وعى فكرى» فيما تناولت، أُحيلك إلى علوم وفكر التراث الذى يُدرس فى معاهدنا، واحكم بنفسك!!، أما قولك «إن كاتبنا الهمام خاض فى الدين بدون علم تخصصى» فهو حجة واهية، أن يقتصر العلم الدينى على المشايخ، ونستقبله راضين خانعين، لأ يا سيدى: النبى جاءنا بالقرآن بلسان عربى، وليس كتاب كيمياء أو طب أو هندسة يصعب علينا، ونزلت الرسالة على صحابة معظمهم لا يقرأون ولا يكتبون، وما جاء من كتب بعد القرآن تأليف واجتهاد بشرى، ولم يكن «أبوهريرة» و«ابن عباس» و«ابن عمر»، رواة الأحاديث، من خريجى الأزهر، وكان الإمام الأعظم تاجرًا، و«ابن حنبل» يعمل من كد يده، بل على العكس، فالعلم التراكمى ووسائل الاضطلاع والقراءة جعلتنا أوفر حظًا فى البحث والمعرفة، وأكثر فهمًا وعلمًا بالعلوم الحديثة، التى تسند وتؤازر بقية العلوم، فلن نترك ديننا كما تركه المعتزلة، حتى سيطر النقل على العقل، وأنجبوا الوهابية وطالبان وداعش وبوكوحرام.
خامسًا: الاستدلال بتاريخ القتل العالمى «هيروشيما وضحايا الحروب العالمية ومحاكم التفتيش ومعارك الكاثوليك والبروتستانت» ليس مبررًا أو سندًا لما قام به الأجداد من اعتداء وغزو وسلب ونهب من حملة الرسالات الإلهية، مقبول ملايين القتلى تحت غطاء سياسى، ومرفوض قتيل واحد باسم الله، ولا يوضع الدين فى مقابلة أو مقارنة مع أخطاء البشر، أما الصراعات الدينية الأخرى التى ذكرتها فالفارق بيننا وبينهم أنهم تجاوزوها منذ قرون، ونحن مازلنا فى صراع، ولما نطالب بفصل الدين عن الحكم كما فعلوا، فنحن نحافظ على الناس أجمعين.
وأخيرًا لسنا بكارهين لأحد، ولا متسامحين مع مَن بدّل ديننا العظيم، الذى أرسله الله للعباد، الموعظة الحسنة وسيلته، والرحمة والسلامة غايته، ورغم كل ما ذكرته فى مقالك، كسبناك محاورًا وخسرك رفاق طريق...
نقلا عن المصرى اليوم