د. مينا ملاك عازر
أتفهم جيداً مدى غضب سيادتك من كون هذا العنوان لهذا المقال يعد سؤالاً خيالياً أو وجودياً، فلا شك لدى سيادتك أن ثورة يوليو حقيقة حادثة، لكن دعني أناقشك ببساطة، الحقيقة ما هي الحقيقة؟ ببساطة هي التي يتسق اسمها مع فعلها وإلا تكون كذبة أو ..... نعم أسطورة، بالضبط هي كذلك، السؤال هنا وبطريقة بسيطة، هل تتسق اسم ثورة يوليو مع فعلها؟ هنا السؤال يعيدنا إذن هي حقيقة أم أكذوبة أو أسطورة.
قامت ما سُمِي بكونه ثورة يوليو على أساس كونه حركة مباركة داخل جدران الجيش المصري لمحاسبة كل من أساءوا للجيش المصري أثناء حرب فلسطين كما ادعوا في هذا الوقت، وبالمناسبة أن محكمة الثورة نفسها برأت الملك ومن معه من تهمة الأسلحة الفاسدة التي التصقت بالملك ورجاله بالرغم من هذا.
طهروا الجيش، فعزلوا الملك بعد ثلاث أيام من انطلاق الحركة وسيطرتها على مبنى قيادة الجيش، لاحظ معي تحركات رجال الجيش الضباط الأحرار كانت حيال مبنى قيادة الجيش فحسب ولم تتجه للقصر الملكي مثلاً إلا بعدها بثلاث أيام وبعد نصائح من بعض السياسيين التي انتقمت منهم الثورة فيما بعد.
ثم اعتبرها سيد قطب ثورة وصدقوا رجالها ذلك، وبدأوا التصارع بينهم والتنكيل بالضعيف فيهم، فكان أول من نال حظه من التنكيل يوسف صديق الذي لولاه ما نجحت حركتهم المباركة تلك ثم خالد محيي الدين، وأخذوا يتساقطوا الواحد تلو الآخر لمصلحة ناصر وصديقه اللدود، الأخير سقط في النهاية مقتول في الأغلب لما حاول أن يدافع عن نفسه مع أنه لا جدال مذنب في جريمته الكبرى بإقحام جيش بلده في حرب لم يحاربها، طبعاً هو ليس المسؤول الوحيد وإلا نكون قد أنكرنا المسؤولية السياسية.
فلنعد لسؤالنا عن مدى أسطورية أو حقيقية ثورة يوليو؟ يبدو مما سبق للوهلة الأولى أنني باتجاه أن أثبت أنها أسطورة، فرجالها أنفسهم لم يكونوا مؤمنين بكونها ثورة، لكنها سرعان ما تحولت وأصبحت كذلك، على كل الأحوال أصبح الوضع هكذا، فقد بدأت بسن تشريعات جديدة، وهدمت الحياة الحزبية، وبنت دساتير لم تعمل بها، ثم اختارت دستور خاص يكرس لسلطة الفرد وأطاحت بنجيب كنهاية لسلسلة طويلة من خيانات وتواؤمات والتوافقات والتخليات التي قام بها رجالها كان ختامها التنكيل بمن واجهوا به وتواروا وراءه وألصقوا به تهمة التوافق مع الإخوان.
ثم بدأت الثورة في صراعات خارجية بدأت بتأميم القناة في سبيل بناء السد العالي الذي يعد بناءه ثورة اقتصادية وإنشائية في تاريخ مصر بحسب مقاييس الوقت الذي بُنِي فيه، وقرروا وهنا الأزمة أن يحولوا مصر من بلد زراعي لبلد صناعي، وتكمن الكارثة في أنهم لم يستطيعوا الإبقاء على مصر زراعية ولا جعلها صناعية، وجاءت كارثة القطاع العام وتعميم الشركات قل تأميمها واغتصابها من بين أيدي مؤسسيها، هذا كان على المزاج فكان التخيُّر بين من يرضيهم فتركوا له شركته ومن لم يرضيهم فاغتصبوا منه الشركات، وتلوثت الثورة التي لم تكن في البداية ثورة.
إلى هنا نتوقف ونتابع المقال القادم لنتناقش، هل كانت حقيقة أم أسطورة؟
المختصر المفيد الغاية لا تبرر الوسيلة.