سيطرت المواقع التابعة لجهات متشددة على الفضاء الإلكترونى بشكل كبير، فما إن تبحث فى أمور العقيدة أو الشريعة أو الأخلاق على محركات البحث، إلا وتجد المواقع السلفية والإخوانية والتكفيرية، فى صدارة نتائج البحث، وهو ما يوقع القارئ البسيط غير المتخصص فى خطر اتباع تلك الآراء المتشددة فى فهم الدين وتفسير نصوصه، إذ يسيطر الفكر السلفى عبر البوابات التابعة له على أمور العقيدة، ويتصدر الفقه «الحنبلى» محركات البحث بين المذاهب، وتنتشر فتاوى «ابن تيمية»، فيما يتعلق بمسائل المعاملات والأخلاق.
«الوطن» تدق ناقوس الخطر فى هذا الملف، وتحذر من السعى الحثيث للجماعات الدينية المتشددة إلى التوسع فى الفضاء الإلكترونى، ونشر سمومها بين الشباب، بعد الرفض الواسع لها على أرض الواقع.
الفضاء الإلكترونى "بديل" الجماعات المتطرفة بعد "غلق قنوات الفتنة"
بعد خفوت نجم شيوخها على الفضائيات، عقب خلعهم من الحكم سواء فى مصر، أو تقزيم دورهم على الساحة فى الدول العربية، وبعد اكتشاف الشعوب خداعهم ومتاجرتهم بالدين، غيّرت الجماعات الإسلامية، سواء السلفية أو الإخوانية وصولاً إلى الجهادية، تكتيكاتها للسيطرة على الفضاء الإلكترونى، الذى أصبح متحكماً فى حياة الناس، ومسيطراً على عقول الشباب والنشء، لذلك تحرص على الوجود فيه بقوة.
الجماعات الإسلامية غيّرت تكتيك المناورة ولجأت إلى إطلاق العشرات من المواقع والبوابات والصفحات، التى تبث من خلالها أفكارها وفتاويها وآراءها بما فيها من انحياز وتشدد وتعصب ورأى واحد للباحثين، وتصديرها للناس على أنها رأى الدين وموقف الإسلام والقول الفصل فى الفقه والعبادات والمعاملات والأخلاق، رغم أن الإسلام دين يسر وتعدد ونقاش وإعمال للعقل.
"آمنة": علينا التحرك سريعاً لإزاحة ركام التشدد
وقالت الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب، أستاذ الفلسفة بجامعة الأزهر، لـ«الوطن»: إن سيطرة الفكر المتشدد على الإنترنت نموذج للاستقطاب الهادئ والصامت للشباب دون أى جهد يذكر، فالإنسان يمكن أن يكون سلفياً أو إخوانياً بسهولة، حينما يأخذ فتواه من مواقع سلفية متشددة، فى ظل انتشار فتاوى المتطرفين على الفضاء الإلكترونى، وهو المجال الجديد الذى لجأت إليه السلفية والإخوان والجماعات المتطرفة، بعد أن خفت نجمهم فى الفضائيات، فى أعقاب انحسار مدهم الذى تزايد خلال فترة وصولهم إلى السلطة وفى مصر وغيرها بعد 25 يناير.
وأوضحت «آمنة» أن شيوخ الجماعات المتطرفة والمتشددة فقدوا القبول بين الناس، ولم تعد برامجهم على الفضائيات تحظى بمشاهدة تذكر، ما جعلهم يتجهون إلى الفضاء الإلكترونى، لبث فتاويهم وأفكارهم المتشددة، وإعادة نشر ما يؤيدها من التراث، حتى لو كان رأياً شاذاً أو موقفاً تراجع عنه صاحبه.
مواقع المؤسسات الدينية تتذيل ترتيب "إليكسا" للأكثر زيارة
وأكدت أن المؤسسات الدينية تعمل الآن، من خلال الإنترنت، على مقاومة أفكار جماعات العنف، من خلال الاهتمام بنشر الفتاوى الوسطية بكثافة سواء المتعلقة بالعبادات أو المعاملات، على المواقع الإلكترونية وعبر المنابر وفى الفضائيات، لإزاحة ركام التشدد، والفتاوى المتطرفة، التى تصل إلى الناس بسهولة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، مشيرة إلى أن هناك مراصد أنشأها الأزهر ودار الإفتاء لمواجهة التطرف، تضم عدداً كبيراً من الباحثين الذين يجيدون العديد من اللغات الأجنبية ويرصدون ما تنشره التنظيمات المتطرفة وما يتم نشره عن الإسلام والمسلمين فى العالم على مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعى ومراكز الدراسات والأبحاث المعنية بالتطرف والإرهاب.
الأزهر يحاول إنقاذ الشباب من أفكار الجهاد
وتابعت: «يناقش باحثو الأزهر والإفتاء أى دعاوى بقوة، لحماية الشباب من خطر السقوط فى براثن الفكر المتطرف، ولكن نحتاج إلى توعية الشباب الذى يبحث عن دينه وفتواه على الإنترنت، فمراصد الأزهر والإفتاء تشعرنا وكأنها مهتمة أكثر بالمواجهة الفكرية للتنظيمات والأفكار العنيفة من الجهاديين والتكفيريين، بينما المواجهة الداخلية للفكر السلفى والإخوانى ضعيفة، فدار الإفتاء لها جهود كبيرة فى مواجهة الإخوان تشكر عليه، لكنها تحتاج للوجود بقوة على محركات البحث بمواقع قوية تراعى عقلية رواد الإنترنت.
وقال عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إنه من العار ألا نجد موقعاً للمؤسسات الدينية فى ترتيب متقدم على الإنترنت، فكل تقارير ترتيب المواقع، بحسب موقع «إليكسا» لترتيب المواقع، حسب الزيارات، يوضح أنها بعيدة تماماً عن المنافسة، مضيفاً أن ضعف أداء المؤسسات الدينية وانعدام التصدى الدينى أو القانونى شجع البعض على إطلاق مشروع «جوجل السلفى» الذى أطلقته الدعوة السلفية على محركات البحث، ويمنح الباحث نتائج فى 80 موقعاً سلفياً كبيراً، سواء أكان السؤال عقائدياً أو حديثياً أو فقهياً أو درساً أو محاضرة أو فتوى، ويشمل المحرك الجديد أبواباً متعددة أبرزها الإسلام سؤال وجواب، أنا السلفى، إسلام ويب، ومواقع الشيوخ السلفيين كابن باز، ابن عثيمين، ياسر برهامى، محمد حسين يعقوب، محمد حسان، أبوإسحق الحوينى وغيرهم الكثير، وغيرها الكثير من المواقع التى تسيطر على معرفة الباحث على الإنترنت.
"هندى": غياب المحاسبة سبب جرأتهم
وأكد أن المؤسسات الدينية تستطيع ملء الفراغ الكبير الذى حدث بعد سقوط تنظيمات الإسلام السياسى، وأمامها فرصة تاريخية لذلك ولا يمكن أن تتكرر على المدى القريب، لذلك مطلوب تكثيف النشاط على الإنترنت لجذب الجمهور للمنهج الأزهرى، مشيراً إلى أن غياب المحاسبة هو سبب جرأة المتشددين.
"جوجل سلفى" يمنح الباحث نتائج فى 80 موقعاً كبيراً
وأضاف المهندس محسن تركى، المتخصص فى إنشاء المواقع ومحركات البحث، أن بوابات ومواقع الجماعات الإسلامية تدرك تماماً ما يريده الناس، ويكون محلاً لبحثهم، فيكثفون المواد المنشورة التى ترد على تساؤلاتهم، وهناك عدة طرق للانتشار على محركات البحث، أهمها الدعاية ودفع الأموال، حيث يقوم الموقع بدفع مبالغ مالىة لمحرك بحث مثل جوجل، ليستهدف بلداناً معينة أو فئات سنية أو جنسية، وقد يدفع ليستهدف الفتيات أو الشباب فى سن معينة، أو أتباع دين معين، فالموقع يختار بالتحديد من يستهدفه ليظهر فى مقدمة عمليات البحث التى يجريها الشخص المستهدف، والتصدر عبر الدفع هو الأغلب الآن فى عالم الإنترنت.
وتابع: «هناك وسيلة أخرى مهمة وهى الانتشار الكبير لهذه المواقع مع بداية الإنترنت والبحث، فقد نشأ جوجل مثلاً بعد وجود العديد من المواقع التى يتردد عليها الزوار وهناك مواقع حازت الكثير من المصداقية لأنها قديمة ويتردد عليها الناس بكثرة، وهى الآن تظهر وتتصدر نتائج البحث نظراً للوثوق فيها».
وأوضح أن هذه المواقع يتم الإنفاق عليها بسخاء وتهتم بالأمور التقنية، وتضع خريطة للموقع تشمل العديد من مجالات البحث على الإنترنت وهو ما يقوى مركزها ويجعلها تتصدر عمليات البحث.
وقال محمد أبوحامد، عضو مجلس النواب، إن تصدر المواقع المتشددة أغلب عمليات البحث على محركات البحث أمر شديد الخطورة، وتم التنبيه من خطورة هذه الظاهرة، فالمتشددون يسيطرون على الفضاء الإلكترونى والمؤسسات الدينية غائبة عن ملء الفضاء الإلكترونى.
وأضاف: «أتمنى من الجهات المعنية إعداد قائمة سوداء بمواقع المتطرفين والمتشددين والفتاوى غير الرسمية، لحظرها من خلال المجلس الأعلى للإعلام أو وزارة الاتصالات، وسأحارب لغلقها، لأن الأمر بالغ الخطورة، فالمؤسسات تركز على الإرهاب وهى معركة كبرى بلا شك، لكن هناك خطوطاً خلفية يجب أن تسترعى الانتباه، فترك الشباب والفتيات والآباء والأمهات فى البيوت ليأخذوا دينهم من هذه المواقع أمر خطير ولا بد من مواجهته، لأن هذه المواقع تزيف الوعى وتنشر الأفكار المتشددة وتقدمها على أنها صحيح الدين».
من جهته، أكد الدكتور عمر حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، أن تجديد الخطاب الدينى ووعى الناس يبدأ بمواجهة المواقع المتشددة ومحاربتها، مطالباً المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام باتخاذ إجراءات قوية وصارمة ضد المواقع السلفية والتابعة للتيارات الإسلامية، التى تنشر الفتاوى والمقالات والفيديوهات المختلفة لمشايخ السلفية لأنها لا تقل خطراً عن القنوات التى تبث السموم من تركيا وقطر.
وأضاف أن المواقع الإلكترونية تحمل أغراضاً خبيثة، وهى نشر الأفكار التابعة لهم، وتمثل خطراً كبيراً على البلاد، ولا بد من حجبها على الفور، لما ينشر فيها من مادة تحرض على العنف والتطرف.
وأكد أنه سيقدم طلباً إلى الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام من أجل اتخاذ موقف تجاه المواقع الإلكترونية والصفحات التابعة للتيارات الإسلامية، خاصة المواقع السلفية التى تبث مواد وكتباً تحرض على العنف فى المجتمع وتنشر الكراهية فى البلاد، فوجود هذه الصفحات والمواقع الإلكترونية تعمل دون رقيب خطر كبير يهدم كل الجهود التى تقوم بها المؤسسات الدينية لتجديد الخطاب الدينى، لافتاً إلى أن الفترة الحالية تحتاج إلى مواجهة لجميع الأفكار المتطرفة التى تنتشر بقوة فى المجتمع، فلا بد من إغلاقها، بالإضافة إلى أن هذه المواقع مليئة بالأفكار التى تحث على العنف وانتشاره فى المجتمع، وتهدد المجتمع بشكل واضح وتشعل الفتن.